نحو تصحيح المفاهيم.. الخلافة بواسطة محمد حبيب 5 أبريل 2015 | 3:13 م كتب محمد حبيب 5 أبريل 2015 | 3:13 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 4 لم تتوقف الجماعات الداعية إلى الالتزام بقيم الإسلام وتعاليمه يوما عن الدعوة إلى إقامة الخلافة، وأنها جزء أساسى وأصيل فى مشروعها، حتى إن بعضها يعتبرها من أعظم مقاصد الدين وأتم مصالح المسلمين.. وفى فترة مبكرة من حياتى كنت أتحدث بعاطفة مشبوبة واقتناع كامل- فى مقالات ومحاضرات- عن ضرورة إقامة الخلافة الإسلامية الصحيحة بالمعنى الذى قصده السنهورى، وهى الخلافة القائمة على البيعة الحرة، بعيدا عن أى قسر أو إكراه، وأنها ذروة ما يتمناه المسلم.. أما تلك التى تقوم على أساس القوة والقهر والغصب- فيما عُرف فى الفقه السياسى الإسلامى بالإمام المتغلب- فليست فى نظرى بخلافة، لأنها مناقضة لأعظم فرائض الإسلام وهى الحرية، أى حرية الاختيار.. وفى فترة أخرى من العمر تكونت لدىَّ قناعة بأنه من الصعب فى ظل التنوع والخلاف الفكرى والثقافى بين المسلمين، من مكان لآخر، بل فى المكان الواحد، أن تكون هناك خلافة مركزية، وإنما «اتحاد كونفيدرالى» على نمطية ما دعا إليه ابن تيمية فى القرن الـ١٤ الميلادى.. وكما أنها لم تتحقق فى ذلك الزمن، لأسباب متعددة، فهى أيضا غير قابلة للتحقيق والتطبيق على أرض الواقع اليوم، خاصة فى ظل فقدان ثقافة الاختلاف. إن هناك الكثيرين ممن تستهويهم العودة إلى الخلافة، خاصة فى ظل الضعف والعجز والشلل والتفكك الذى تعانيه الدول العربية والإسلامية فى مواجهة كيانات دولية كبرى تستهدف فرض هيمنتها وسيطرتها عليها، واستلاب ثرواتها ومواردها، والقضاء على خصوصيتها الثقافية، أقول لهؤلاء عليهم أن يدرسوا تاريخ المسلمين جيدا، قديما وحديثا، وأن يتأملوا الواقع المعقد والحال المزرى الذى يعيشه المسلمون اليوم.. إن القضية ليست أحلاما وأمانى يتصور أصحابها إمكان تجسيدها على أرض الواقع، بغض النظر عن مدى ملاءمتها للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، محليا وإقليميا ودوليا.. إن الإسلام لا يهيم فى دنيا الخيال، إنما هو دين التعامل مع الواقع «بالحكمة والموعظة الحسنة»، والجدال والدفع بالتى هى أحسن، وإيجاد حلول ناجعة لمشكلاته، وهكذا كان الحال فى عهد النبوة. إن الخلافة ليست شكلا جامدا لابد من الالتزام به، لكنها طريقة وأسلوب للحكم تتحقق به إقامة العدل، الذى يمثل جوهر الشريعة الإسلامية، بين الحاكم والمحكوم، وبين المحكومين جميعا.. إن القرآن العظيم لم يتحدث فى أساسيات الحكم وتنظيمه، ولم ترد فيه إشارات أو بيانات واضحة لقضية الخلافة أو طريقة انتقال الأمر بعد النبى (صلى الله عليه وسلم)، واكتفى بالأمر بالحكم بما أنزل الله والطاعة له ولرسوله ولولى الأمر، وذكر الشورى، وحضّ على العدل… إلخ، فإذا كانت الديمقراطية- كنظام حكم- سوف تحقق لنا ذلك، فما المانع، خاصة مع صعوبة- بل استحالة- الوصول إلى الخلافة الراشدة؟! إن الديمقراطية- كنظام للحكم- حينما تؤخذ بصدق ونزاهة سوف تكون فى خدمة الإنسان ومصلحته، بل مصلحة الجماعة الإنسانية.. فالديمقراطية تعبير عن تطلع الناس وتمسكهم بالعدل والمساواة، أو المساواة العادلة بين الناس.. يقول تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط». (الحديد: ٢٥)، والمعنى أن القسط فى جميع الشؤون غاية عظمى ومقصد عام بين جميع الرسل، وكل ما يتحقق به القسط هو مقصد من مقاصد الشرع.. ولـ«ابن القيم» كلام نفيس فى هذا الشأن، فيقول: «فإن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذى قامت به السماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأى طريق كان فثمّ شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل من أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشىء ثم ينفى ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين ليست مخالفة له». إن الديمقراطية- كنظام للحكم- ترتكز على عدة أمور أساسية: التعددية السياسية، التداول السلمى للسلطة، اعتبار الأمة مصدر السلطات، والانتخابات الحرة والنزيهة، التى تعبر بحق وصدق عن إرادة الأمة.. وهذا- لعمرى- يحقق العدل بين الناس، والمساواة فى تطبيق القانون، والمشاركة الشعبية فى الاختيار. وتتميز نظم الحكم الديمقراطى بوجود سلطات ثلاث: تنفيذية، وتشريعية، وقضائية، مع الفصل الكامل بينها.. ويأتى رئيس الدولة- الذى يقبع على رأس السلطة التنفيذية- بالانتخاب الحر المباشر من الشعب، وهو مساءل عما تقترفه يداه.. وتعمل السلطات الثلاث بشكل متكامل ومتوازن، فلا تتغول أو تجور سلطة على أخرى، ومن ثم يتحقق الأمن والاستقرار والعدالة، وهذا يشكل الأساس الطبيعى لنهضة وتقدم أى أمة.. كما تتميز نظم الحكم الديمقراطى بوجود مؤسسات مثل الجيش، والشرطة، والإعلام، فضلا عن مؤسسات المجتمع المدنى التى تضم الأحزاب، والنقابات، والجمعيات… إلخ. ولكل سلطة أو مؤسسة فى الدولة سماتها وخصائصها ونظامها ومنهجها وأدواتها، طبقا لعملها ودورها الذى أُنشئت لأجله.. وبقدر ما يكون هناك التزام من السلطة أو المؤسسة بعملها ودورها فى إطار الدستور والقانون بقدر ما تنهض الدولة وتنمو وتتقدم، وبقدر ما تكون المشكلات والأزمات فى حدودها الدنيا. وفى حالة ما إذا تحققت الديمقراطية- كنظام للحكم- فى أكثر من دولة عربية، بصورة صحيحة وسليمة، حينئذ يمكن أن يتشكل اتحاد ما يجمع بين هذه الدول، كالاتحاد الأوروبى مثلا، وهو أقصى ما يمكن أن نحلم به فى العقود القادمة.. هذا هو الطريق، ولا طريق غيره. أما ما أعلنه داعش عن قيام دولة الخلافة فى العراق وسوريا، وامتداداتها فى ليبيا ونيجيريا ومصر وباكستان، فلا يمتّ للخلافة بصلة، خاصة أن ذلك ارتبط- كما هو معلوم ومشاهد- بممارسات بربرية ووحشية، من قتل وذبح وحرق وخطف وسلب ونهب وفرض إتاوات… إلخ، وظهر واضحا أننا أمام عصابة إجرامية إرهابية لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، وأن التصدى لها بكل الوسائل للقضاء عليها هو واجب الوقت. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/se45