أعمده ومقالات الحقيقة الوحيدة.. فى قضية تيران وصنافير!! بواسطة شوقى السيد 29 يونيو 2017 | 12:26 م كتب شوقى السيد 29 يونيو 2017 | 12:26 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 4 ■ احتلت اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، اهتماماً بالغاً لدى الرأى العام وفى الأوساط السياسية ولدى المتخصصين والمهتمين وأحدثت تصادماً بين السلطات.. وداخل السلطة الواحدة، حتى أصدرت المحكمة الدستورية أمرها الوقتى يوم الأربعاء الماضى، بوقف تنفيذ جميع الأحكام القضائية مؤقتاً، وحتى تصدر حكمها فى مادة التنازع التى لجأت إليها الحكومة أمام المحكمة، وقد سألنى البعض عن رأيى فى القضية، ويتطلعون إلى إجابة حاسمة بشأن ملكية الجزيرتين لأى من بلدينا العزيزين مصر والسعودية، وبرغم أن القضية جدلية، والجدل فيها ليس مستهجناً طالما يستند إلى علوم التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وعلوم القانون والسياسة والدبلوماسية – فإن الحقيقة مازالت غائبة لأنها تتطلب تعمقاً فى البحث والدراسة من جانب المتخصصين وأصحاب الرأى، بل إن المتخصصين الذين أدلوا بدلوهم فيها، تفرقوا شيعاً عن قناعة، فمنهم من قال بأن الجزيرتين سعوديتان، وآخرون قالوا غير ذلك، مؤكدين أن الجزيرتين مصريتان، ولكل فريق حجته وبرهانه، ويحاجّ كل منهما الآخر بالبرهان والدليل، وكلاهما يتمتعان بالوطنية والأمانة، ولأن مصر والسعودية بلدان شقيقان.. فإن التفاهم والتراضى والقبول أمر حتمى تفرضه العلاقة التاريخية والوثيقة بين الدولتين والشعبين الكريمين. ■ لكن وبكل أسف لم تحظ القضية بنقاش مسبق أو تهيئة الرأى العام، وسماع الحجج والبراهين، كما لم تحظ بدراسة موضوعية من كافة جوانبها وأبعادها الاقتصادية والقانونية والسياسية أو اهتمام الإعلام بحيادية فى مناخ يسمح بالاستماع والترجيح والاقتناع.. ولم يُعرض على الرأى العام آراء المتخصصين والعلماء، للإحاطة بأسباب الخلاف الدائر فى الرأى.. وهو خلاف محمود، وظلت أبعاد القضية غائبة.. حتى لو كانت تستند إلى الوثائق والمستندات، فإن فهمها وترتيب النتائج القانونية عليها قد اختلفت بشأنها الآراء.. وتحتاج إلى الترجيح وتغليب الرأى بالحجة والبرهان.. ولهذا ظلت الحقيقة فى القضية غائبة وبقى الرأى العام حائراً، واستغل البعض تلك الحالة لأغراض سياسية أطلقت بشأنها المزايدات.. وأطلق آخرون رأيهم تقرباً وزلفى. ■ وكان خطأ الحكومة منذ البداية واضحاً عند التعامل مع ملف القضية، أحدثت كل هذا الضجيج بدءاً من المفاجأة بتوقيع الاتفاقية منذ 8 أبريل من العام الماضى 2016.. وعدم إحاطة الرأى العام وتهيئته بحقائق القضية، خاصة فى مواجهة ما أثير من أقاويل وحكايات صاحبت التوقيع، ثم كان لتراخى الحكومة فى إرسال الاتفاقية إلى مجلس النواب لمناقشتها بعد التوقيع عليها، ووقوف الحكومة متفرجة، متمسكة عند باب السيادة وعدم اختصاص القضاء الإدارى بالرقابة ولعدة جلسات، جمع موقفها بين الاستهتار والاستقواء، وظلت على هذا الموقف أمام ساحة القضاء واثقة أن الحكم لصالحها، على أهمية القضية وكثرة عدد المدعين فيها البالغ عددهم 182 مواطناً مصرياً، حتى صدر الحكم فى 21 يونيو 2016 ضد الحكومة ببطلان التوقيع على الاتفاقية فازدادت الشائعات والأقاويل صخباً ضد الاتفاقية.. وأصبحت الحقيقة الثابتة أمام الرأى العام ما توّجه الحكم الصادر بتاريخ 21 يونيو ببطلان التوقيع على الاتفاقية.. وتأكدت هذه الحقيقة بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر فى 16 يناير 2017، استعرضت فيه صور ممارسة السيادة المصرية على الجزيرتيْن وأكدت أنها تدخل ضمن حدود الولاية المصرية منذ عام 1906.. لأن أحد أطراف الخصومة أمامها كان ألحن بحجته من حجة الحكومة، فصدر الحكم ضدها، بعدها استمرت الحكومة تعلن التصريحات ازدراء وصخباً، كما ظهر المتطوعون من المتخصصين وغيرهم نفاقاً ورياء ومنهم من وجه سهامه ضد السلطة القضائية بتصريحات مستفزة، ومواجهة ذلك بطرق ملتوية بأحكام مستعجلة تصادمت مع أحكام القضاء الإدارى والعليا شقت الصف بينهما!! فازداد الأمر تعقيداً، وتصاعدت حدة الشقاق والخلاف فى الشارع السياسى الأمر الذى مهد للمزايدة والاتهامات المتبادلة.. وأصبحت الحقيقة الوحيدة فى هذه القضية أن الحكومة قد أخطأت خطأ قاتلاً فى معالجة القضية منذ البداية وحتى تسببت فى أحداث تلك النتائج المتصاعدة. ■ ثم كان الفصل الثانى من القضية أكثر سوءاً، عندما بدأ مجلس النواب بلجانه مناقشة الاتفاقية فى الأسبوع الأخير من هذا الشهر، أى بعد أكثر من أربعة عشر شهراً على توقيع الاتفاقية، وتلبدت الأجواء بأحكام القضاء الصادرة ببطلانها بحكم بات وسط الخلاف فى الرأى.. وفى محاولة لإعادة الحياة إليها من جديد، وصدور أحكام القضاء المستعجل بإهدار تلك الأحكام والافتئات على سلطة المحكمة الدستورية العليا، وتمسك البرلمان باختصاصه وحده بمناقشة الاتفاقية محتجاً بالدستور، ليقوم بدور الملاكم الشرس فى حلبة صراع خاسرة، يستقوى بأصوات عالية جامحة ساهمت فى إشعال الصراع والتصادم بين السلطات باستخدام عبارات الاتهام والاستقواء والتهديد، وكأن المجلس سلطة تعلو كل السلطات، ويتأبى فوق المساءلة، حتى لو أهدر مبادئ الدستور التى تؤكد أن كل سلطة تحد السلطة الأخرى، فزاد الأمر تعقيداً، وانتهى الأمر بمناقشة متسرعة أمام اللجنة التشريعية، ثم لجنة الدفاع وسط تبريرات ناعمة وربما ساذجة، وما أصاب الجلسة العامة من فوضى عارمة ومصادرة حق التعبير مصحوبة بالتهديد حتى أسدل الستار فى الجلسة العامة بموافقة الأغلبية دون مناقشة موضوعية متأنية، وعرض الحجج وأدلتها على الرأى العام فى نطاق من التكافؤ والتوازن والمساواة بين المعارضين والمؤيدين.. وانتهت الجلسة إلى الموافقة على الاتفاقية.. وإحالتها إلى الرئيس للتصديق عليها. ■ وازداد غضب الرأى العام بعد مناقشة الاتفاقية أمام البرلمان فى يونيو 2017 وبعد مضى خمسة عشر شهراً على توقيعها وصدور أحكام القضاء المتصادمة، وكل ذلك والحكومة غائبة عن الساحة والتخاذل عن إعلام الرأى العام بالمعلومات الصحيحة أو الرد على الرأى المعارض، وكذلك كان مسلك مجلس النواب.. حيث اشتعلت القضية فى جوانبها السياسية يأخذها كل فريق لصالحه وضد الآخر.. ولو أن مجلس النواب تحلى بالحكمة والموضوعية والموعظة الحسنة عند المناقشة، موجهاً احترامه لكل السلطات، وقال ما له أن يقول، وناقش كل ما أثير من حجج وبراهين أمام القضاء، وأضاف اإليها ما جد أمامه من ألحن الحجج، فلربما كانت النتيجة فى صالح الحقيقة التى أخفقت فيها الحكومة عند دفاعها أمام القضاء وأمام الرأى العام.. إذ يأتى خطأ مجلس النواب إخلالاً بمسؤولياته الدستورية حال كونه ممثلاً للشعب كله ومسؤولاً أمامه عن القسم الذى أقسم عليه لتصبح الحقيقة الوحيدة فى القضية خطأ مجلس النواب.. متواصلاً مع خطأ الحكومة وزيادة، تعبيراً عن الخطأ العظيم فى معالجة القضية حال كونها قضية تخص الوطن كله، وتتصل بحقوق سيادة كل دولة على أراضيها، وإلى عمق العلاقة بين الدولتين الشقيقتين وشعبيهما، لتعكس خطأ الحكومة ومجلس النواب معاً فى ضياع الحقيقة أمام الرأى العام.. ولتظل الحقيقة الوحيدة فى القضية هى ذلك الخطأ العظيم فى جانب السلطة التنفيذية والبرلمان معاً.. لتطل علينا بآثارها السلبية على مسيرة الديمقراطية.. وإخلالاً منهما بمسؤوليتهما الدستورية حال كونها قضية جدلية تحتاج إلى التخصص والعلم لتهيئة الرأى العام وإحاطته بالحقائق مسبقاً فى علوم التاريخ والجغرافيا والسياسة، وهى علوم تستند إلى الدليل والبرهان بالخرائط والوثائق والسندات بغير ضجيج أو صخب حتى يعلم الناس الحقيقة.. والتى ما كان يجب أن يقع الصراع بشأنها بين السلطات.. وحتى لا تضل الحقيقة طريقها إلى أساليب السياسة ودهاليزها بين حاملى الشعارات ودغدغة مشاعر المواطن.. يستعملها كل فريق لصالحه.. وعلى حساب الوطن. ■ ولهذه الأسباب فلقد ظلت الحقيقة تائهة أمام الرأى العام، لتكون الحقيقة الوحيدة فى هذه القضية خطأ الحكومة وخطأ مجلس النواب معاً باستقواء وبغير حكمة ولا هدى، ليكون هذا الخطأ من جانب السلطتين معاً هو الحقيقة الوحيدة فى هذه القضية حتى لو استدركت الحكومة خطأها، أو صوب مجلس النواب صورته أمام الرأى العام أو صدق الرئيس على الاتفاقية أو حسمت المحكمة الدستورية العليا الأمر بحكم موضوعى فى مادة التنازع، فمتى نأخذ العظة من التاريخ!!. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/pp60