أعمده ومقالات يوميات ثورة بواسطة مصطفى الفقى 15 يونيو 2019 | 10:49 ص كتب مصطفى الفقى 15 يونيو 2019 | 10:49 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 مرت مصر بأحداث جسام منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وتوالت الوقائع بشكل يصعب أحيانًا تفسيره حتى جرى اختطاف الدولة لصالح جماعة الإخوان المسلمين، الذين نكصوا بعهودهم وأعلنوا فى البداية أنهم لا يتطلعون لمنصب الرئاسة وأن الذى يعنيهم هو صلاح أمر البلاد والعباد، ولكن الأطماع الدفينة والمخططات القديمة طفت على السطح ورشح الإخوان اثنين هما «خيرت الشاطر» مرشحًا أصليًا و«محمد مرسى» مرشحًا احتياطيًا، وذلك من فرط حرصهم على الوصول إلى المنصب الذى كانوا يدركون جيدًا أنهم لا يمكنهم الوصول إليه إلا فى ظروف استثنائية وفى ظل أمور شديدة الحساسية وبالغة التعقيد، فجرى اختطاف الدولة المصرية بانتخابات رئاسية انتهت بإعلان رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار «فاروق سلطان» فوز «محمد مرسي» بمنصب رئيس الجمهورية، وأنا أتذكر يومها أن اتصل بى بعد ساعة واحدة من إعلان رئيس المحكمة الدستورية العليا النتيجة واحد من أشهر مذيعى البرامج التليفزيونية ذات الطابع السياسى، وسألنى: نريد أن نعرف تعليقك على وصول أول رئيس من جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم بعد أكثر من أربعة وثمانين عامًا من ميلاد الجماعة، ورددت عليه فى الحال وعلى الهواء مباشرة: لدى تخوفان أساسيان أولهما الخلط القائم فكريًا فى ذهن أقطاب الجماعة بين أممية الدعوة الإسلامية والحدود الوطنية للدول، وهو أمر قد يعنى محاولة تذويب واحد من أقدم الكيانات على الأرض وهو مصر فى زحام تجمعات غير مفهومة استنادًا إلى العقيدة الدينية وهى أبعد ما تكون عن ذلك، فالإسلام احترم الوطنية وخاطب الشعوب مباشرة فى قوله تعالى: «يا أيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا»، والذكر الحكيم بذلك يوضح بجلاء أن الشعوب فى أوطانها والقبائل على أرضها لها وضع محدد لا يذوب فى غيره مهما كانت الأسباب، كما أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الكفار من «مكة» نظر إليها دامعًا وهو يغادرها وردد مقولته الشهيرة: «والله إنك أحب بلاد الله إلىّ (الوطن) ولولا أن أهلك أخرجونى ما تركتك»، ثم ناجى ربه بالدعاء يطلب العون فى لحظة صعبة هى فراق البلد الذى وُلد فيه وعاش على أرضه، فالأوطان معطاة تاريخية وحقيقة إنسانية لا يجب العبث بها أو الالتفاف حولها، ثم أردفت فى حديثى للمذيع اللامع: أما التخوف الثانى الذى يخالجنى فهو إحساسى بأن وثائق الأمن الوطنى المصرى وحشد المعلومات الذى تمتلكه الأجهزة الأمنية المصرية رصيدًا متراكمًا من عقود متعاقبة يمكن أن يكون متاحًا للجماعة فى الحكم ومباحًا لأعوانها، خصوصًا التنظيم الدولى لها، بحيث تصبح مصر عارية مكشوفة، لأن أبناءها لا يعترفون بخصوصية الوطن وقداسة الأرض، وكأنما كنت أقرأ فى كتاب مفتوح، فقد وقع الإخوان فى الخطأين معًا وأثبتت الأحداث أن جزءًا كبيرًا مما تنبأت به قد وقع بعد ذلك، وإذ يقلب المرء فى يوميات الانتفاضتين المصريتين اللتين تجسدان ثورة الشعب المصرى ضد نظامى حكم سعى للخلاص منهما والخروج من سيطرتهما لتحرير إرادته والتمكين الحقيقى لمصلحته حتى ولو كان الطريق طويلًا وشاقًا ولو كانت الرحلة مضنية وصعبة، ورغم أن المعاناة شديدة ومرهقة إلا أن المصرى أدرك بحسه الفطرى أن ذلك هو الطريق الذى يجب أن يسلكه للخلاص مما كان عليه قبل 25 يناير 2011 ومما سقط فيه قبل 30 يونيو 2013، وما بين هذين التاريخين أحداث معقدة ووقائع غامضة سوف يفصح التاريخ ذات يوم عنها حتى يدرك الشعب المصرى حجم ما كان يحاك ضده وما جرى ترتيبه لمستقبله، إن أرض الفراعنة التى استقبلت ديانات السماء بالاحترام والتوقير كان لديها زاد من العناد الوطنى ورصيد من البركات التاريخية- إذا جاز التعبير- فكتب الله لها الخلاص على أن تدفع ضريبة الدم فى قوافل الشهداء الذين يسقطون على أيدى أعداء مصر، وهم فى ظنى أعداء الله وأعداء الحياة وأعداء الوطن، وحينما أنظر إلى شعوب أخرى حولنا أتمنى لها الخلاص الذى تحقق لنا، وأشفق على الأشقاء من مظاهر الفوضى وشواهد الانفلات وسقوط الضحايا يومًا بعد يوم، فالاستقرار نعمة إلهية والصمود ظاهرة وطنية.. لن تضيع الدماء الزكية هدرًا فهى التى روت رمال سيناء والصحراء الغربية ومدن الدلتا وشوارع العاصمة وشهداء الصعيد. إن يوميات الثورة- أى ثورة- تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الإصلاح السياسى والاقتصادى والنهضة الثقافية والاجتماعية هى الطرق المشروعة للرفعة والنهوض واستمرار الدولة الوطنية، إن مواكب المناضلين هى نور لا يخبو.. والمجد للشهداء دائمًا. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/bjly