أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح إفريقيا 2063.. الآن وليس غدًا ! بواسطة دينا عبد الفتاح 27 ديسمبر 2018 | 4:23 م كتب دينا عبد الفتاح 27 ديسمبر 2018 | 4:23 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 2 لم تحافظ الولايات المتحدة على قوتها الاقتصادية في آخر عقدين، إلا بسبب امتلاكها للمواهب الشابة القادرة على صناعة الفارق في مستقبل الدولة. فقد فطنت قيادتها أن الاقتصاد التقليدي لن يكفي في صراع استعراض القوة، خاصة مع ظهور قوى صاعدة تكاد تصل لقمة المنافسة، فأصبحت أكثر الدول التي تشهد نموًا في أعمالها الريادية، من خلال زيادة النشاطات الخاصة بها بما تتضمنه من نظام التعليم والبحث والتطوير والصحة وغيرها. فكانت النتائج أن شركات بحجم جوجل وفيسبوك وأمازون، تقود العالم حاليًا في “قصة البقاء على القمة”، وهي شركات ريادية بدأت من الصفر. هذا التغير العالمي في التركيبة الاقتصادية، استفادت منه النمور الأسيوية مبكرًا وبعض الدول الأوروبية، واعتبرته الاتجاه الرئيسي للصعود والظهور على السطح، فكثفت من جهودها وقدراتها عبر الاعتماد على شبابها لتحقيق نجاحات، وقد فعلت بصورة كبيرة في التطور المحلي، وتوفير فرص العمل وتوفير الوظائف الخالية وزيادة عوائدها. لكن ماذا عن مصر؟.. وبشكل أعم ماذا عن القارة الإفريقية؟ تمتلك القارة الإفريقية المعادلة الرئيسية لدخول هذه المنظومة لكنها للأسف أخفقت في ذلك، بسبب ما يمسى بالاقتصاد الشمولي المبني على تركيبة سياسية معينة، اتجهت نحو الصناعة والتجارة التقليدية وتملك الدولة، في توقيت كانت فيه معظم الدول المصنفة حاليًا على قمة الاقتصاد العالمي تغسل يديها من هذه المرحلة لتتجه إلى مايسمى بالاقتصاد الحديث المبني على أفكارتتناسب مع طبيعة العصر الذي غلبت فيه التكنولوجيا الجميع بالضربة القاضية!. وكانت النتيجة للقارة “ضجيج بلا طحين” !. حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للإنماء، يعد سكان إفريقيا هم الأصغر سنًّا على مستوى العالم، حيث إن نصف سكان إفريقيا يبلغون من العمر 19 عامًا أو أقل. وهذا المؤشر هو ما يجب أن نقف عنده، حيث أنه المدخل الرئيسي للصعود القاري، إذا توافرت النية والإرادة الحقيقية للتغيير، فالأرقام تشير إلى أن هناك فرصة لكن اقتناصها مسألة أخرى تمامًا. فالشباب الإفريقي يواجهون تحديات عديدة ومعقدة، نتيجة الوصول المحدود إلى الموارد، وضعف الرعاية الصحية، ومستويات التعليم والتدريب العملي، بالإضافة إلى مستويات الفقر الكبيرة، وأشكالًا متشابكة من العنف والتمييز العنصري، إلى جانب الانضمام إلى المنظمات الإرهابية والمتطرفة التي نمت بالقارة، كما يعاني الشباب من تبعات الهجرة، والتهميش في بعض الدول. هذه التحديات، تمثل نتائج ورد فعل لسنوات من الفرص الضائعة. القيادة السياسية فطنت لهذا الملف، واعتبرته جوهر العلاقة المستقبلية بين مصرودول القارة، وعلى لسان الرئيس السيسي خلال حضوره نموذج محاكاة الاتحاد الإفريقي، الذي نظمته الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب، قال: “القارة الإفريقية لديها واقع مؤلم تريد تغييره، وأنتم شباب الأمل الذي يستطيع تغيير ذلك الواقع إلى أفضل”. ويعد منتدى إفريقيا 2018 التي تنظمه الحكومة المصرية بالتعاون مع إدارة الكوميسا فرصة مناسبة للغاية لطرح إمكانيات الشباب الإفريقي وتعزيز دورهم في عملية التنمية الاقتصادية، خاصة مع طرح المنظمين فرص كبيرة للترويج للشركات الناشئة والأفكار الريادية خلال هذا المؤتمر من خلال تخصيص يوم تحت مسمى “YED” لرواد الأعمال في القارة السمراء. وأتصور أن رواد الأعمال الأفارقة يمثلون الآلية المبتكرة القادرة على تحويل تراب القارة إلى ذهب وكنوز، من خلال أفكار إبداعية تستثمر الثروات الضخمة التي تمتلكها القارة والتي يتصدرها السوق الاستهلاكي المتسع، والثروات التعدينية الهائلة والموقع الجغرافي المميز. ويمثل انطلاق الثورة الصناعية الرابعة في العالم فرصة كبيرة أمام الدول الإفريقية لتحقيق ما يعرف اقتصادياً بـ “الوثبات السريعة” والتي تعني تحقيق معدلات نمو سريعة في أوقات قياسية، ومضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وتحسن متوسط نصيب الفرد من الناتج، وتعافي مؤشرات التنمية البشرية في الدولة مع وضع برامج متطورة للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث. وهناك العديد من الدول التي حققت هذه القفزات السريعة في أدائها الاقتصادي خاصة الصين التي تضاعف حجم اقتصادها عدة مرات مع انطلاق الألفية الثالثة، وفي غضون سنوات معدودة أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مصدر للسلع والخدمات في السوق العالمي ككل. وفي تقديري إن الشباب الإفريقي لديهم فرصة ذهبية في التكاتف والتعاون البناء بينهم، وخلق نماذج استثمار إبداعية يستطيعون بها غزو العالم. وسنحت لهم هذه الفرصة بانعقاد منتدى شباب العالم الذي نظمته الحكومة المصرية على مدار العامين الماضيين، وشهدت الدورة الأخيرة منه التي عقدت الشهر الماضي، اهتمام بالغ من القيادة السياسية المصرية بالشباب الإفريقي، وظهر ذلك جلياً في التوصيات الصادرة عن المؤتمر والتي تضمنت دعم الشباب الإفريقي في المجالات التكنولوجية وتأهيلهم لأن يُؤسسوا شركات ناشئة في مجال البرمجة والالكترونيات وتقديم الخدمات المختلفة، وذلك من خلال برامج تدريبية متقنة يتم إعدادها خصيصًا لهم وتنفذ بالاستعانة بأفضل الخبرات الدولية في هذه المجالات. ويمكن أن يكون “شباب العالم” بمثابة نقطة التواصل الدائمة للشباب الإفريقي، وتنبثق عن هذا المنتدى عدة لجان تكون معنية بتعزيز التواصل بين شباب القارة ودعم الابتكارات الجديدة، وتحفيزهم على تنفيذ المشروعات الناشئة التي تتسم بمعدلات عالية من المخاطرة، ولكنها تمتلك قدرة غير معقولة على النمو والتطور في أوقات قياسية. الملف الآخر الذي ينبغي تعظيم مستوى الاهتمام به خلال الفترة المقبلة هو ملف المرأة الإفريقية؛ التي أجمعت التقارير الدولية أنها قادرة على صناعة المستحيل في القارة السمراء، إلا أنها لا تزال تعاني العديد من وسائل التمييز التي تعوق قدرتها على العمل والإبداع، الأمر الذي نتج عنه وجود طاقة بشرية معطلة في مختلف الدول الإفريقية. وعلى الرغم من تحقيق بعض الإيجابيات على صعيد هذا الملف في بعض الدول الإفريقية مثل إثيوبيا ورواندا وجنوب إفريقيا وكينيا ومن قبلهم مصر، إلا أن مستوى الدعم الحالي لم يرتق بعد لمستوى الدعم المطلوب حتى نمكن المرأة الإفريقية تمكينًا حقيقيًا من الانخراط القوي في جهود التنمية، ووقوفها بجانب الرجل في عملية بناء القارة، والتمرد على الواقع المألوف من أجل الخروج من عباءة “العالم الثالث”؛ تلك الجملة التي اعتاد الغرب أن يصفنا بها على مدار عقود طويلة مضت. فالمرأة الإفريقية تمثل تقريبًا 48% من إجمالي سكان القارة، ولكنها تعاني من محدودية الفرص المطروحة أمامها؛ الأمر الذي يحفزها على البقاء في المنزل ورفض الخروج للعمل، وبالتالي تتراجع نسبة “قوة العمل” إلى إجمالي السكان، وهو ما يعني خسارة الاقتصاد لجزء كبير من موارده البشرية وعدم استثمارها في عمليات الإنتاج والتصدير وإدارة ثروات الأمم بالشكل الكفء الذي يعظم الموارد ويرفع معدلات التنمية. واعتقد أن منتدى إفريقيا 2018 سيمثل نقلة نوعية كبيرة في إدارة الحكومات لملف المرأة في إفريقيا، خاصة مع تركيزه الشديد على تمكين المرأة اقتصاديًا والقضاء على كافة مظاهر التمييز التي تعانيها نتيجة للثقافات السائدة أو اللوائح والقوانين غير المنصفة التي وضعت منذ عقود لتحاكي ثقافة معينة عفى عليها الدهر، في الألفية الثالثة التي تسعي الدول فيها لاستغلال “التراب” قبل “البشر” بهدف تعزيز تنافسيتها في السوق العالمي، والحصول على نصيب مناسب من التجارة العالمية والاستثمارات الوافدة. كل هذه الملفات تمثل النقاط المفقودة في جهود التنمية بالقارة السمراء وأتوقع أن التقارب الحكومي على مستوى القارة خلال الفترة المقبلة سيساهم بشكل كبير في دعم هذه الملفات وإدارتها بشكل أكثر كفاءة. وأثق في قدرة الرئيس عبد الفتاح السيسي في قيادة الاتحاد الإفريقي خلال عام 2019 نحو تحقيق الأهداف الرئيسية للقارة المتعلقة بالتنمية والتكامل وتعزيز التعاون الدولي الإقليمي في إفريقيا. وتمثل أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 نقطة الضوء التي ينبغي للجميع أن يسير ورائها خلال الفترة المقبلة؛ بهدف توحيد الهدف وتوحيد الجهود، والوصول لنقطة التكامل التي ينشدها كل أبناء القارة السمراء. حيث تتضمن هذه الأجندة خطط مفصلة لإنجاز العديد من الأهداف التي يتصدرها وجود بورصة إفريقية موحدة، وعملة إفريقية موحدة، وسلطة نقدية مركزية، على غرار ما شهده الاتحاد الأوروبي في مراحله المختلفة. خاصة وأن الحقائق التي يمكننا قرائتها من المشاهد المتكررة تؤكد أن سياسة “التكتلات الاقتصادية” هي الوسيلة الأسرع لتحقيق النمو باعتبار أن توسيع دائرة التكامل الاقتصادي يعظم من كفاءة إدارة الثروات ويرفع من مستوى العوائد بشكل كبير، على خلاف الإدارة المنفردة للثروات، والعمل في عزلة عن العالم والاعتماد على اتفاقيات التجارة المشتركة في تنظيم العلاقة مع كل الدول. فلابد أن تكون هناك إرادة حقيقية لدى كل حكومات وشعوب القارة في تحقيق “حلم التنمية” والتقدم بخطوات ثابتة نحو التكامل الاقتصادي، وتعزيز العمل المشترك، الذي يؤدي لثمار حقيقية يمكن اقتسامها بين الجميع. حيث أن عدالة توزيع الفرص بين الدول، وعدالة اقتسام العائد.. هما دستور عمل لابد الارتكان إليه في تحقيق التكامل بين شعوب القارة السمراء. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/9bec