أزمة العقل المسلم بواسطة محمد حبيب 27 سبتمبر 2015 | 8:05 ص كتب محمد حبيب 27 سبتمبر 2015 | 8:05 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 نعم الله تعالى على عباده كثيرة، وهى أجل من أن تحصى، لكن أعظم هذه النعم وأجلها هي نعمة العقل، الذي يعتبر مناط التكليف.. جاء في «المعجم الوسيط» أن عقل بمعنى إدراك الأشياء على حقيقتها، وعقل الغلام أي أدرك وميز.. ويقال: ما فعلت هذا مذ عقلت.. والعاقل هو المدرك.. وأقول: إن العاقل هو من يستخدم عقله في الخير، أما من يستخدمه في الشر، تخطيطا أو تدبيرا أو تدميرا، فليس بعاقل..البعض منا يغذى عقله بالعلم والمعرفة الصحيحة، ومن ثم يظل يقظا منتبها، بينما البعض الآخر لا تشغله هذه المسألة فيترك عقله مهملا خاملا غافلا.. وكما أن البعض قد يفقد عقله قهرا أو جبرا، هناك من يفقده طواعية أو اختيارا، وذلك بأن يدع الآخرين يسلبونه إياه.. وكما أن هناك عقلا مرتبا، هناك أيضا عقل فوضوى.. والعقل المرتب لديه القدرة على التمييز بين الكل والجزء، أو بين الأصول والفروع، أو يمكنه ترتيب الأولويات، أما الفوضوى فتختلط عنده الأمور، فيهمل أصولا أو يقدم فروعا على أصول، أو ليست لديه قدرة على ترتيب الأولويات، وهكذا.. والمتأمل في العقل المسلم اليوم يجده في حاجة إلى فك وتركيب، أو إلى إعادة تشكيل وصياغة جديدة، حتى يستطيع أن يتخلص من الأغلال والقيود التي تكبله وتعوقه عن التفكير المبدع والخلاق.. ولعل الفترة التي حكم فيها الإخوان مصر، رغم قصرها، كشفت عن غيبوبة رهيبة وعيوب مأساوية وتشوهات كارثية في العقل المسلم.. وأحسب أنها ليست مقتصرة على الإخوان وإنما هي ملاحظة ومرصودة تقريبا في معظم المنتسبين للحركة الإسلامية.. على سبيل المثال، هناك جهل- أو تجاهل- لقانون السببية، وعدم اعتبار- أو استيعاب- للقانونية التاريخية، علاوة على الغفلة- أو التغافل- عن السنن الربانية.. ناهينا عن القصور المعرفى، وغياب الرؤية، وانعدام النظرة النقدية. إن المتأمل لكتاب الله سبحانه يجد الكثير من الآيات التي أعطت العقل المسلم رؤية تركيبية للكون والحياة والإنسان والوجود.. هذه الآيات تربط بشكل واضح بين الأسباب والمسببات..وإذا كان الله تعالى لا يحكم نفسه بالأسباب التي خلقها والسنن التي وضعها، إلا أنه شرعها لعباده ليعملوا بها ويحاكموا على ضوئها.. والحقيقة أن القضية تتعلق بأصل التكليف، ولو أن العبدعدل عن العمل بهذه السنن إلى غيرها مما صنعه البشر، لكان محل مساءلة.. هناك من يفشل في دراسته، أو تجارته، أو في تنافسه- السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى- مع الآخرين، وهناك من تهيأت له الظروف كى يصل إلى سدة الحكم، لكنه بدلا من أن يأخذ بأسباب النهوض والتقدم والرقى، إذا به يسىء التخطيط والإدارة ولا يقوم بمهامه على وجهها الصحيح، وعلى الرغم من الفرص الكثيرة التي أتيحت له لتصويب الأخطاء، إلا أنه أصم أذنيه وأعمى بصره، وكانت النتيجة هي السقوط المروع.. أحيانا نجد من يقول: «علينا أن نعمل، لكن ليس علينا إدراك النجاح»، وبدلا من أن يبحث عن الأسباب التي أفضت إلى عدم وصوله إلى النجاح المرجو، إذا به يستسلم و«لا يفر من قضاء الله وقدره إلى قضاء الله وقدره» كما قال عمر (رضى الله عنه).. البعض يفهم قول النبى (صلى الله عليه وسلم): «إذا أصابك شىء فقل قدر الله وما شاء فعل…» على أنه دعوة إلى الاستسلام، وكأن الله تعالى ونبيه الكريم يريدان منا أن نكون على هذا النحو من السلبية، وهذا خطا منهجى واضح في الفهم والتصور.. إن المتأمل للقرآن العظيم يجد آيات كثيرة تؤكد على الأخذ بالأسباب والتعاطى مع السنن للتوصل إلى النتائج المطلوبة، بل يطلبان منا أن نكون إيجابيين، وأننا إذا كنا قد فشلنا في مرة فإن علينا أن نعاود الكرة مرة أخرى.. انظر إلى قوله تعالى: «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين» (آل عمران: ١٣٧) وقوله: «أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها» (محمد: ١٠) وقوله: «أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم، إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون» (السجدة: ٢٦) وهكذا.. إن عدم مناقشة الثغرات والأسباب التي أدت إليها، وبالتالى عدم الاتعاظ أو الاعتبار أو التعلم، يقود حتما إلى الوقوع في سلسلة من الأخطاء.. والدارس لتاريخ الإخوان على مدى عقود يجد عجبا.. فهم لا ينهضون من مأساة إلا ليقعوا في كارثة.. هم لا ينظرون إلى التاريخ، وأنه يجرى وفق سنن لا تتغير ولا تتبدل «سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا» (الأحزاب: ٦٢) «فهل ينظرون إلا سنة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا» (فاطر: ٤٣).. لذا، هم لا يتعلمون..وما لم يدركوا أن عليهم مراجعة أنفسهم، وتقويم تجاربهم، واعترافهم بأخطائهم، بل والقيام بتصويبها وتصحيحها، فسوف يظلون هكذا إلى ما شاء الله. إن القصور المعرفى الذي أصاب العقل المسلم لا يتفق مع ما نادى به الإسلام منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن على النبى محمد (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى «اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم» (العلق: ١-٥).. إنه ليس عبثا أن تكون كلمة «اقرأ» هي الكلمة الأولى في التنزيل العزيز.. وليس عبثا أيضا أن تتكرر هذه الكلمة مرتين في ثلاث آيات، وليس عبثا كذلك أن تأتى كلمة «علم» ثلاث مرات، وأن يشار بالحرف إلى القلم الذي يمثل الأداة التي يتعلم بها الإنسان.. لكن للأسف، الإخوان لا يقرأون، وزادهم من المعرفة قليل قليل.. اسأل بعضهم عن حظهم من علوم القرآن أو السنة، سوف تفاجأ.. واسأل عن حظهم من الفقه وأصوله، والفكر المقاصدى- قواعده وفوائده- لن تجد شيئا ذا بال.. واسأل عن حظهم من علوم السياسة، أو الاقتصاد، أو الاجتماع، سوف تجد خرابا.. واسأل عن قراءاتهم العامة، وهل قرأوا شيئا للرافعى، أو الزيات، أو العقاد، أو المازنى، أو طه حسين، أو الحكيم، أو محفوظ؟ وهل قرأوا شيئا من الأدب العالمى، لتولستوى، أو شارلز ديكنز، أو إرنست هيمنجواى؟ وهل قرأوا شيئا لصلاح عبدالصبور، أو أمل دنقل؟ الإجابة: لن تجد.. وهذه هي المأساة.. (والحديث موصول بإذن الله). اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/92p0