مصر تكتب الهدوء من جديد: كيف نجحت القاهرة في صناعة وقف إطلاق النار في غزة؟ بواسطة دينا عبد الفتاح 9 أكتوبر 2025 | 9:10 م كتب دينا عبد الفتاح 9 أكتوبر 2025 | 9:10 م دينا عبدالفتاح رئيس تحرير أموال الغد النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 912 اتفاق شرم الشيخ: الهدنة الخامسة والأصدق منذ اندلاع الحرب من شرم الشيخ خرج صوت السلام… والشرق الأوسط أخيرًا يتنفس إقرأ أيضاً 58 وزارة ومؤسسة حكومية ومالية وتكنولوجية وانتاجية تعلن مشاركتها بمعرض التوظيف والتدريب ضمن «قمة المرأة المصرية» جامعة النيل ومنتدى الخمسين يطلقان أول شراكة استراتيجية بين الجامعات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لتمكين الشباب في وظائف المستقبل دينا عبدالفتاح تكتب: الرأسمالية الذكورية تسيطر على عقود المشتريات لم يكن إعلان وقف إطلاق النار في غزة فجر الخميس 9 أكتوبر 2025 بمدينة شرم الشيخ مفاجئًا، بل كان تأكيدًا جديدًا على البصمة المصرية القديمة في هندسة الأزمات العربية. فمنذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ظلت القاهرة — رغم تغير الأنظمة والسياسات — هي العنوان الأبرز للوساطة، وصوت التوازن حين يصمت الجميع. ومع كل جولة جديدة من الدم والدمار، تعود مصر لتثبت أن الدبلوماسية الهادئة أقوى من صخب البنادق، وأن خبرتها المتراكمة في قراءة المشهد تجعلها الوسيط الطبيعي الذي يثق به الخصوم قبل الحلفاء. فمصر لم تخلق دبلوماسيتها من فراغ؛ بل بنتها عبر عقود من التجارب والمعاهدات والوساطات الناجحة، بدءًا من اتفاقات كامب ديفيد، مرورًا باتفاقات أوسلو، وصولًا إلى إدارتها لكل هدنة تخص غزة في السنوات الأخيرة. هي دولةٌ لا تسعى لإثبات مكانتها، لأنها ببساطة تمارس طبيعتها التاريخية كصانعةٍ للسلام ومهندسةٍ للتوازن. اتفاق شرم الشيخ: هدنة تُكتب بوساطة مصرية وحضور قطري فجر الخميس، وقّعت إسرائيل وحماس اتفاقًا لوقف إطلاق النار في شرم الشيخ بوساطة مصرية وبحضور قطري، بعد مفاوضات معقدة استمرت أسابيع داخل الأراضي المصرية. وبحسب مصادر دولية منها رويترز والجزيرة وأسوشيتد برس، تضمّن الاتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين بين الطرفين، وانسحابًا جزئيًا للقوات الإسرائيلية من أجزاء من قطاع غزة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل واسع إلى القطاع المحاصر. كما شمل الاتفاق فتح المعابر وتدفق القوافل الإنسانية بصورة يومية، مع التزام متبادل بوقف شامل لإطلاق النار في المرحلة الأولى، على أن تتبعها مراحل لاحقة تُناقش فيها القضايا الأمنية والسياسية. وركّزت القاهرة في وساطتها على مبدأ “الهدنة مقابل الأمان”، أي أن التهدئة ليست مجرّد استراحة، بل خطوة لإعادة بناء الثقة المفقودة بين الأطراف. وتُعدّ هذه الهدنة الخامسة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، لكنها الأولى التي تُوقَّع بشكل رسمي وتُعلن في حضور دولي مشترك. فقد سبقتها أربع محاولات جزئية في نوفمبر 2023، وفبراير، ومايو، ويونيو 2025، لكنها انهارت جميعًا قبل التنفيذ الكامل، نتيجة غياب الضمانات والبيئة الآمنة للتفاوض. وجاءت القاهرة لتقدّم هذه المرة الضمان السياسي والأمني معًا، وهو ما جعل اتفاق شرم الشيخ الأكثر جدية واستقرارًا حتى الآن. الأرض الآمنة التي تحمي المفاوضين ما يميز التجربة المصرية في إدارة النزاعات أنها تضمن سلامة من يفاوض على أرضها. ففي الوقت الذي شهدت فيه دول أخرى حوادث استهداف أو اغتيال لقادة الفصائل أثناء المباحثات — كما حدث في إيران حين قُتل إسماعيل هنية عام 2024، أو في قطر عندما تعرّض مبنى كان يُستخدم لاجتماعات تفاوضية لقصفٍ إسرائيلي في 2025 — كانت القاهرة تقدم نموذجًا نادرًا في احترام الخصوم وحماية الضيوف. لم يُسجَّل على الأراضي المصرية أي حادث اعتداء أو استهداف لأي وفد تفاوضي، رغم حساسية الملف الفلسطيني الإسرائيلي وتعقيداته الأمنية. فمصر تدير المفاوضات بمنطق الدولة لا بمنطق الأجهزة، وتحمي من يدخل أراضيها، سواء كان حليفًا أو خصمًا، وتُثبت أن الدبلوماسية لا تُمارس تحت تهديد السلاح، بل تحت مظلة الثقة. هذا الأمان جعلها الوجهة الوحيدة المقبولة من الطرفين، بعد أن فقدت دول أخرى ثقة المفاوضين حين تحولت حدودها إلى مصيدةٍ سياسية أو ميدانية. ولذلك لم يكن غريبًا أن تُدار مفاوضات شرم الشيخ في جوٍّ من الثقة والانضباط، دون حادث واحد يُعكر مسارها، رغم التوتر الإقليمي المحيط بها. مصر ودرس الدبلوماسية الهادئة النجاح المصري لم يأتِ من ضغوط أو تهديدات، بل من حكمة الصبر وقوة التوقيت. فبينما لجأت بعض الدول إلى الوساطة عبر الإعلام أو التصريحات الاستعراضية، اختارت القاهرة الطريق الأصعب: أن تعمل بصمت، وأن تُنهي الأزمة قبل أن تُعلن أنها بدأت الوساطة أصلًا. هي سياسة النتائج قبل التصريحات، وهي ما جعلها تكسب احترام العالم في كل أزمة تدخلت فيها. فمصر لا تسعى إلى الأضواء ولا تتنافس على اللقطات الإعلامية، بل تعمل لإطفاء الحرائق حين تُشعلها السياسة. وكلما توترت المنطقة، ازدادت القاهرة هدوءًا واتزانًا — ذلك الهدوء الذي لا يعني الحياد، بل القدرة على احتواء الجميع دون أن تفقد استقلالها أو مكانتها. الدبلوماسية كهوية لا كأداء لم تدخل مصر سباق الوساطات لتصنع لنفسها هوية دبلوماسية جديدة؛ لأنها ببساطة وُلدت بهذه الهوية. من معاهدة قادش إلى كامب ديفيد، ومن اتفاق غزة–إسرائيل عام 2014 إلى اتفاق شرم الشيخ 2025، ظلّ اسم مصر حاضرًا كلما ذُكرت كلمة “سلام”. إنها الدولة التي تُفضّل العمل في الخلفية لا الصدارة، لأنها تعرف أن النتائج هي التي تخلّد الدور، لا التصفيق اللحظي. ولذلك لم يكن نجاحها الأخير مجرد إنجاز سياسي، بل استعادة رمزية لدور عربي مركزي فقده كثيرون. مصر أثبتت مجددًا أن الدبلوماسية ليست رفاهية، بل مسؤولية تاريخية، وأن قوتها الحقيقية لا تُقاس بعدد طائراتها أو جيوشها، بل بثقة العالم في نزاهتها وحكمتها الوصية النبوية التي ما زالت تُنفَّذ يستحضر كثيرون اليوم قول النبي ﷺ: «إنكم ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمّةً ورحمًا» (رواه مسلم). ذلك الحديث النبوي الذي أوصى بمصر وأهلها، يُجسَّد اليوم في أفعالها لا في شعاراتها. فهي تمدّ يدها في زمن الانقسام، وتفتح أبوابها للسلام حتى مع من اختلفت معهم، وتُثبت أن الرحمة السياسية يمكن أن تكون قوة ناعمة تصنع التاريخ. وفي كل مرة تُوقف فيها مصر حربًا، أو تفتح معبرًا، أو تُعيد الأمل لشعبٍ أنهكته النيران، فإنها تؤكد أن وصية الخير ما زالت حيّة تُترجم على الأرض. مصر التي تفكر حين تصمت وتُنهي حين تتحدث حين تهدأ المدافع وتُرفع الرايات البيضاء، يعرف الجميع أن هناك دولة كانت تعمل بصمت لتصنع هذه اللحظة. مصر لم تحتج يومًا إلى الشعارات لتُثبت مكانتها، لأن أفعالها هي التي تتحدث عنها. هي الدولة التي خرجت من رحم التاريخ لتقود حاضر المنطقة بعقلٍ وضمير. ولذلك، فإن اتفاق شرم الشيخ ليس مجرد هدنة، بل شهادة جديدة على أن مصر ما زالت قادرة على صنع التوازن وسط الفوضى، والسلام وسط العواصف. هي مصر التي إن صمتت تفكر، وإن تكلّمت تُنهي النزاع، وإن تدخلت تكتب النهاية التي ينتظرها الجميع. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/8jjx اتفاق وقف إطلاق النارالإعلامية دينا عبدالفتاح