أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح حرية الاقتصاد ! بواسطة دينا عبد الفتاح 13 أغسطس 2017 | 4:22 م كتب دينا عبد الفتاح 13 أغسطس 2017 | 4:22 م دينا عبد الفتاح النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 4 هذه هي عقيدة الحرية التي أعرفها، المتواجدة دائما داخل المساحة الفاصلة التي أسستها الإنسانية من وحي الخالق لتفرق بين العادي والمختلف، وتجارب الماضي وقراءات الحاضر، وبين أن تكون شىء أو لا تكون مطلقًا. عقيدة تفضلها اقتصاديات الدول المتطورة الالتزام ببنودها والإيمان بها كأداة رئيسية للتحرك والنمو، فكلما اتسعت مساحتها ارتفعت حجم الاستثمارات وزادت الثقة في المستقبل، وأصبح الإبداع محوراً رئيسيا للنمو، وكلما انخفضت فقدت المجتمعات إيمانها، وتضاءل القبول من جانب المواطنين تجاه أية قرارت تتخذ. فماذا عن تشخيص حالة الاقتصاد المصري، هل يحظى بحريات من شأنها دفع مؤشراته إلى النمو؟ الإجابة سهلة على هذا السؤال، خاصة بعد قرارات الإصلاح الاقتصادي الأخيرة والتي باتت مفتاحاً حقيقياً للنمو، وطريقا لمرحلة جديدة في مستقبل هذه الدولة (بشروط)، بعد تفكيك القيود عن الاقتصاد والتدخل بسياسات أكثر جرأة ترغب في ضبط مؤشراته وإعادة ترميم الشروخ التي تسببت فيها ممارسات سلطوية بحثت لعقود عن تكوين ثروات لأصحابها وتصميم هيكل المجتمع كسلم للوصول إلى مصالحهم الشخصية. وعلى الرغم من أهمية هذه القرارت، مازال الاقتصاد المصري يفتقد إلى حريات اقتصادية واسعة تمكنه من تحقيق أهدافه، حيث مازالت محل شك، ليس داخل نصوص القانون ولكن في عدد من عقول منفذيه. فأن نكون أحراراً لا يعني فقط كسر القيود كما قال “مانديلا”. في نهاية العام الماضي أصدرت مؤسسة التراث الأمريكية وصحيفة وول ستريت جورنال تقرير يصنف الدول وفقاً لمؤشر “الحرية الاقتصادية”، وشمل 178 دولةً، واعتمد المؤشر، على قياس مجموعة من المجالات في تحديد درجة الحرية الاقتصادية لكل دولة، هي: السياسة التجارية، عبء الحكومة المالي، تدخل الحكومة في الاقتصاد، السياسة المالية، النشاطات المصرفية والمالية، حقوق الملكية، وحلت مصر ضمن المجموعة الأخيرة تحت تصنيف “ذات اقتصاد مكبوح” في المركز 126 عالمياً. وكشف تقرير آخر لمؤسسة هيرتدج فاونديشن البحثية الأمريكية عن تراجع ترتيب مصر في مؤشر الحرية الاقتصادية إلى المركز 144 في عام 2017 بين 180 دولة، بعد حصولها على 52.6 درجة من 100 لتدخل قائمة الدول “غير الحرة على الأغلب”. هذه المؤشرات، تحمل دلالات كثيرة حول السياسات الاقتصادية التي يجب أن تنفذها الحكومة حالياً لتحسين وضع الاقتصاد المصري في هذا المؤشر بعد قرارت الإصلاح الاقتصادي الأخيرة، خاصة وأننا لم نشهد أية تغيرات على صعيدها، في ظل تأخر واضح لقانون ولائحة الاستثمار والتي أُقرت مؤخراً ناهيك عن المشكلات التي حدثت على عدد كبير من بنوده بين مجلس النواب ووزارة الاستثمار، والتي كانت أكثر ضرراً من أي بند سيصدر عن القانون. وأضف إلى ذلك تأخر البرلمان في إصدار عدد كبير من القوانين التي يراهن عليها كثيرين في تحقيق شيء ملموس على أرض الواقع ، وأسباب ذلك “مفاجئة” قالتها الدكتورة أنيسة حسونة، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب ، بأن تأخر المجلس جاء بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، الناتج عن تغيب الأعضاء عن حضور الجلسات، موضحة أن هناك حالة من عدم الالتزام لدى عدد كبير من النواب . ! وهذه أسباب يصعب تفسيرها أو الرد عليها ، بل إنها قد تصيبك بحالة من “الحمى” . فسقف طموحات المستثمرين يُبنى من خلال “اليقين” ووضوح القواعد والتشريعات التي يعملون من خلالها، وضمان الاستدامة لأعمالهم دون تأثير أو قرارات مفاجئة تنال منهم . وبعيداً جداً عن التفسير الأحادي للمشهد، يبدو واضحاً أن الحكومة مازالت تعمل في حرم السياسات القديمة والبيروقراطية، كونها أكثر سلطة ومركزية في التعامل مع العديد من الملفات، وليس دليلاً على ذلك أكثر من أن تذهب بنفسك إلى أقرب جهاز حكومي، لتحمل أعباء الدنيا وتلعن الظروف ، فما بالك بمستثمر نتعامل معه بأن أسهل ورقة يمكن أن يحصل عليها هي تذكرة الطيران. والرهان على الإصلاح الاقتصادي في تغيير هذه الأنماط هو درب من العبث. فمساحات ومرونة السياسات ، هي من تؤسس للفرص الاستثمارية الموجودة، وهي أيضا من تعزز الثقة في المستقبل لخلق أنشطة اقتصادية إضافية، وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وزيادة التصدير، وإحساس المواطن بالتغيير في أوضاعه المعيشية خاصة بعد أن نال منها طريق الإصلاح . كما أن الحديث عن مستقبل الاستثمار يجب أن نبدأه بتقييم الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، والتي تضمنت قرار تعويم العملة وتحريك أسعار الطاقة، ثم قرض صندوق النقد الدولي وغيرها من القرارات التي تعد سليمة دون أدنى شك، إلا أنها لم يواكبها البدء في تنفيذ قرارت أخرى تتعلق بالممارسات الفعلية للاقتصاد المصري على أرض الواقع لتهيئة مناخ الأعمال والاستثمار. فتدخل الحكومة في الاقتصاد وإن كان هاماً باعتبارها القوة الرئيسية في الاقتصاد، فهي التي تحدد السياسات المالية والنقدية وتشرع القوانين لجذب رؤوس الأموال، وتفرض الضرائب في المجتمع، وتحدد سعر الفائدة، وتتبنى المشروعات الكبرى التي تخدم الاقتصاد كالطرق واستصلاح الأراضي وإقامة البنية التحتية اللازمة، إلا أن تدخلها هذا ليس “صك مفتوح”، خاصة إذا كانت هذه السياسات ستبعدها بشكل مباشر عن تحفيز الاقتصاد بتبني إجراءات تقشفية وترك قوى السوق تتعامل مع مشكلات البطالة والتضخم، أو تدخل لمزيد من التقييد لاعتبارات يرددها البعض منذ الخمسينيات، مفادها حماية “الأمن القومي”، وهم أكثر المضرين له! وعلى أرض الواقع لا يوجد اقتصاد حر على الإطلاق، والدلائل كثيرة فالولايات المتحدة الأمريكية شهدت تدخل إدارة الرئيس الأمريكي السابق “أوباما” لإنقاذ عدد من الشركات الأمريكية الكبرى، وخفض الفائدة وإقرار قوانين جديدة للضرائب ليتفادى الاقتصاد كساد كاد يضرب أواصله بعد سلسلة الحروب التي قادها الرئيس بوش، وتبدأ الآن إدارة “ترامب” في محو آثار سابقيه عبر خطة جديدة للاقتصاد الأمريكي تستدعي مزيجاً من التخفيضات الضريبية وإلغاء الضوابط التنظيمية وتحفيض الإنفاق المفرط لتحفيز النمو الاقتصادي، وأيضا التعامل مع الخارج بمنطق اقتصادي يحكمه المال وليس أقل من “مليارات الخليج” في صفقات السلاح الأخيرة. وبالعودة إلى وضع مصر كدولة نامية ، فإنه من المنطقي تدخل الحكومة في الاقتصاد لتحقيق مجموعة من الأهداف، أولها ضمان استقرار السياسة التجارية وتركزها لصالح توسيع فرص بيع المنتج المحلي في الداخل والخارج، وذلك من خلال اتباع سياسات حمائية للمنتج المحلي وفق ما تقره منظمة التجارة العالمية لمنع المنافسة غير العادلة بين المنتج المحلي والمنتجات المستوردة، يأتي ذلك إلى جوار فتح أسواق خارجية للسلع المحلية، ومراعاة ضرورة توافق واردات هذه الأسواق مع منتجاتنا حتى تكون هناك فرصة للتصدير. كما أن هناك ملفين ينبغي على الدولة حسمهما بشكل سريع الأول يتعلق بضرورة توقيع اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا تلاشيا لأي مشكلات قد تطرأ نتيجة تخارج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وبالتالي عدم انطباق شروط اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين مصر والاتحاد الأوروبي عليها، أما الثاني فيتعلق بضرورة إعادة التفاوض حول توقيع اتفاقية تجارة حرة مع أمريكا التي تستقبل ثلث واردات العالم ولا زالت مغلقة أمام المنتجات المصرية باستثناء الملابس الجاهزة التي تصدر في نطاق الكويز. ويجب على الحكومة أيضا في إطار تحسين وضعها في مؤشر “الحرية الاقتصادية”، تنظيم أمورها الداخلية والبحث عن ممول لعجز الموازنة بعيداً عن القطاع المصرفي الذي ضاقت السبل حوله بشكل كبير فيما يتعلق بتمويل استثمارات جديدة ضخمة نتيجة استئثار الدولة بمدخرات القطاع واستنزافها بين الحين والآخر في أدوات الدين الحكومي خاصة مع وصول معدل الادخار بنهاية الربع الثالث لأدنى مستوى له بتسجيله ٣.٢٪ وارتفاع فجوة الموارد إلى ١١٪ بما يهدد مستهدفات الاقتصاد التنموية والاستثمارية. سمة شيء آخر على الدولة ضرورة الاهتمام به وهو حماية حقوق الملكية وإرسال رسالة للجميع تفيد بأن تحركات الحكومة على مدار الفترة الماضية كانت تستهدف إعادة حقوق الدولة المفقودة وخاصة على صعيد الأراضي الزراعية والسكنية، وأن الدولة تحترم حقوق الجميع في ممارسة كافة سلطاتهم المشروعة على أملاكهم بعيدين كل البعد عن أفكار التأميم والمصادرة التي عفا عليها الزمن. ويبقى جوهر الحرية الاقتصادية لمصر، هو ضرورة إطلاق الدولة الحرية للإبداع والابتكار من خلال دعم أفكار الشباب وتحويلها إلى مشروعات ملموسة على أرض الواقع تساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد في ظل اعتماد العالم المتقدم بشكل كبير على أفكار ريادة الأعمال لتحريك المياه الراكدة في الاقتصاد ودعم معدلات الاستثمار والإنتاج والتشغيل ، فعلى الرغم من عالمية هذا التوجه إلا أن الابتكار في مصر يقيده عدد كبير من القيود في مقدمتها مشكلة الدعم البحثي من الدولة وتوافر الجهات التي تدعم الأفكار الجديدة للشباب بشكل مباشر، وتتبناها وتطورها على غرار ما يحدث في ماليزيا والبرازيل ومن قبلهما اليابان وكوريا وسنغافورة. الحرية الاقتصادية لمصر، تأتي من خلال أجهزة حكومية متناغمة قادرة على تنفيذ السياسات العامة للدولة بتوازن وشفافية ، وعدم الخوف من العطاء والفهم في المنع . الحرية الاقتصادية لمصر، تؤسسها إرداة التغيير للأفضل والرغبة في تحسين أوضاعنا الداخلية والخارجية ، فلسنا أقل من أحد لكننا أقل من أن نكون هكذا ! . اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/7btk