لأول مرة منذ 2013.. تراجع قيمة صفقات الاندماج والاستحواذ العالمية هذا العام عن 3 تريليونات دولار

انخفض نشاط عمليات الاندماج والاستحواذ (M&A) إلى أدنى مستوى له منذ عشر سنوات على مستوى العالم في عام 2023، حيث أثر ارتفاع أسعار الفائدة وتزايد التوترات الجيوسياسية والتباطؤ الاقتصادي على ثقة الشركات في إبرام الصفقات، لكن التوقعات تشير إلى انتعاش مستقبلي مع تحسن الظروف.

تراجعت قيمة الصفقات العالمية المبرمة بنسبة 18%  في 2023 محققة أقل من 3 تريليونات دولار، حيث أنه بحسب بيانات «لندن ستوك إكستشنج جروب» فقد تم عقد صفقات بقيمة 2.9 تريليون دولار تقريبًا على مستوى العالم هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ عام 2013 عندما بلغت أحجام الصفقات 2.8 تريليون دولار.

وألقى صانعو الصفقات اللوم على أسعار الفائدة المرتفعة، التي جعلت الأمر أكثر تكلفة بالنسبة لشركات الأسهم الخاصة والشركات ذات التصنيف الائتماني المنخفض لجمع تمويل الاستحواذ.

وفي الوقت نفسه، أدى عدم اليقين الاقتصادي وتقلبات السوق إلى جعل من الصعب على المستحوذين والبائعين الاتفاق على أسعار الصفقات.

وتعليقًا على ذلك، قال بول جيه توبمان، المؤسس والرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار «PJT Partners»: «لقد فوجئنا بمدى صعوبة تقديم الصفقات في عام 2023».

وتابع توبمان: «أعتقد أنه سيكون هناك انتعاش في عمليات الاندماج والاستحواذ، ولكن يبقى أن نرى مقدار ذلك الحجم الذي سيظهر فعليًا في عام 2024 ومقدار الإعداد حتى عام 2025».

وانخفضت أحجام صفقات الاندماج والاستحواذ في الولايات المتحدة – أكبر سوق للخدمات المصرفية الاستثمارية في العالم – بنسبة 8% إلى 1.42 تريليون دولار. وانخفضت الأحجام في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ بشكل أكثر حدة، بنسبة 32% و20% على التوالي.

وانخفضت أحجام عمليات الاستحواذ التي تقودها الأسهم الخاصة على مستوى العالم بنسبة 38% إلى 433.6 مليار دولار، حيث قام الرعاة الماليون بتقليص عمليات الاستحواذ بالاستدانة (LBOs) وباعوا عددًا أقل من الشركات.

وقال أفيناش ميهروترا، الرئيس المشارك لقسم عمليات الاندماج والاستحواذ للأمريكتين في بنك جولدمان ساكس: «في ذروتها، كانت الأسهم الخاصة تمثل ما يقرب من 30% من نشاط الصفقات، وعلى مدار الـ 12 شهرًا الماضية كان القطاع غائبًا إلى حد كبير عن تدفق الصفقات».

وأوضح إنه نتيجة لذلك، قامت شركات الأسهم الخاصة بتوزيع رأس المال على شركائها المحدودين بمعدل أقل بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة.

وتابع: «أصبحت الصفقات أكثر تعقيدًا، وأصبح الوصول إلى خط النهاية أكثر صعوبة، وكانت هناك فجوة أكبر بين قيمة المشتري والبائع. وكل هذه الأشياء في فترات الركود الماضية كانت ستؤدي إلى عدم حدوث أي مناقشات».

وأضاف: «لكن ما لدينا هو وقال توم مايلز، رئيس عمليات الاندماج والاستحواذ في الأمريكتين في بنك مورجان ستانلي: ‘إن ما نراه هو مستوى صحي للغاية من حوار الشركات».

خلال عام متشائم، أدت سلسلة من الصفقات الضخمة في صناعة النفط والغاز إلى زيادة حجم الصفقات، مع زيادة رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية أيضًا.

وكان رهان إكسون موبيل بقيمة 60 مليار دولار على شركة بايونير ناتشورال ريسورسز واستحواذ شركة شيفرون على شركة هيس بقيمة 53 مليار دولار، بمثابة أكبر الصفقات للربع الرابع وللعام بأكمله أيضًا.

ارتفعت أحجام الصفقات بنسبة 19% على أساس سنوي في الربع الرابع، مدعومة بشكل أساسي بصفقات الطاقة.

قال بن كاربنتر، الرئيس المشارك لعمليات الاندماج والاستحواذ في أمريكا الشمالية في بنك جيه بي مورجان تشيس: «لا تزال تقييمات عدد من الشركات مضغوطة نسبيًا، ولكن مر وقت طويل بما يكفي حتى أدركت مجالس الإدارة أن هذا هو العالم الذي نعيش فيه الآن، على عكس العالم الذي نفضل أن نعيش فيه، وهذا يجعل من السهل على توقعات المشترين والبائعين أن تتقارب قليلاً على المدى القريب.»

انعدام الثقة وسياسات مكافحة الاحتكار تؤثر على حجم الصفقات

كما أثرت بيئة مكافحة الاحتكار المليئة بالتحديات على ثقة مجلس الإدارة وكبحت الرغبة الاستراتيجية في عمليات الاندماج التحويلية.

وانخفضت الصفقات التي تزيد قيمتها عن 5 مليارات دولار إلى 79 من 93 في العام الماضي، في حين انخفض عدد الصفقات التي تزيد قيمتها عن 10 مليارات دولار إلى 33 من 37 في العام الماضي.

وأوضح تشارلز روك، الرئيس العالمي لقسم الشركات في شركة لاثام آند واتكينز: «في هذه الأيام، يستغرق الأمر ما بين عام إلى 18 شهرًا لإتمام الصفقات – ولا يهتم المشترون والبائعون بالبقاء لفترة طويلة، ويريدون حقًا الحصول على تعويض عن المخاطر. لذلك، فإن ذلك يجعل عقد الصفقات صعبًا في القطاعات ، إن هذا هو السبب الرئيسي وراء التراجع».

وأشار المصرفيون الاستثماريون ومحامو عمليات الاندماج والاستحواذ إلى أن عمليات الارتباط عبر الحدود أصبحت أكثر تعقيدا بسبب المراجعات التنظيمية الأكثر صرامة والأطول في بلدان مختلفة. وبلغ حجم الصفقات عبر الحدود على مستوى العالم نحو 844 مليار دولار، بانخفاض 3% عن العام الماضي.

وقال إريك روتكوسكي، رئيس قسم الاندماج والاستحواذ في شركة جوجنهايم للأوراق المالية: «من الواضح أن الصين بدلاً من أن تكون محركاً للنمو تمثل رياحاً معاكسة في العديد من القطاعات».

قد تكون الرياح المعاكسة المحتملة الأخرى لمستويات النشاط في عام 2024 هي الانتخابات في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند، لأن بعض الشركات ستنتظر لمعرفة ما إذا كانت الأنظمة التنظيمية ستتغير. لكن المصرفيين الاستثماريين قالوا إن المشترين من الشركات من غير المرجح أن يوقفوا التخطيط الاستراتيجي لعمليات الاندماج والاستحواذ.

وأكد إحسان السعيد الرئيس المشارك لعمليات الاندماج والاستحواذ العالمية في باركليز: «من غير المرجح أن تكون البيئة التنظيمية للصفقات مختلفة بشكل كبير في ظل إدارة أمريكية جديدة، خاصة خلال الأشهر الـ 12 الأولى أو نحو ذلك. أعتقد أن الكثير من الناس يمضون قدماً، بالنظر إلى أنه لا يمكنك الانتظار إلى الأبد».

قال مستشارو عمليات الاندماج والاستحواذ إن خط الصفقات حتى عام 2024 يبدو أفضل مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.