حققت الشركات العقارية مبيعات قياسية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بدعم العديد من العوامل، على رأسها رغبة المستثمرين في التحوط من مخاطر تقلب العملة من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات في شراء أصول عقارية، وذلك في ظل التحديات التي فرضتها الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية المتلاحقة التى أثرت بشكل كبير على أسواق رأس المال ودفعت البنوك المركزية لاتباع سياسة التشدد النقدية وسير الحكومة المصرية على نهج الفيدرالي الأمريكي، لتسجل العملة المحلية أدنى مستوياتها أمام الدولار ويتراجع سعر الجنيه بنحو 25% منذ بداية العام وحتى الآن، وبنحو 50% منذ مارس من العام الماضي.

الشركات العقارية استفادت بشكل كبير من انخفاض قيمة الجنيه وتوجه الأفراد والمستثمرين نحو الاستثمار في الأصول العقارية كأحد الملاذات الاستثمارية الأكثر أمانًا في الوقت الراهن، ما عزز من تحقيق كبري الشركات المدرجة بالبورصة المصرية مبيعات تعاقدية وأرباحا قياسية خلال فترة الـ9 أشهر الأولى من العام الجاري على رأسها مجموعة طلعت مصطفى، وبالم هيلز، وسوديك، بجانب مدينة مصر، وفي المقابل لم تعكس أسعار الأسهم العقارية هذه الزيادة في الأسعار والمبيعات باستثناء شركة طلعت مصطفي.

القطاع العقاري اقتنص الترتيب الثالث من أنشط القطاعات المدرجة بالبورصة المصرية خلال الربع الثالث مسجلًا قيمة تداول بلغت 18 مليار جنيه بنسبة 14.4% من إجمالي تعاملات السوق، بحجم تداولات بلغ 8 مليارات ورقة مالية، بعدد عمليات 687 ألف عملية تداول.

«أموال الغد» رصدت رؤية عدد من محللي قطاع العقارات ببنوك الاستثمار حول أسباب عدم انعكاس نتائج أعمال الشركات العقارية المدرجة على تحركات أسهمها فى البورصة، والتى أفادت بأن حركة انتقاء الأسهم فى بعض القطاعات، وتخوف المستثمرين من ضغوط التكلفة الانشائية لدي المطورين العقاريين على هامش الأرباح خلال الفترة المقبلة هما العوامل الرئيسية لعدم استجابة الأسهم للنتائج المالية الإيجابية للشركات، مع مسح لحركة أبرز أسهم الشركات المدرجة وأسعار أسهمها المتوقعة.

نتائج أعمال قياسية وتحركات ضعيفة

منذ بداية شهر نوفمبر الجاري بدأت الشركات العقارية فى الكشف عن نتائج أعمالها عن فترة 9 أشهر، استهلت مجموعة طلعت مصطفي النتائج من خلال تحقيق أعلى مبيعات عقارية تعاقدية بلغت 93.14 مليار جنيه، ورصيد المبيعات الفعلية وغير المسلمة بلغ 123 مليار جنيه، فيما بلغ صافي الربح المجمع بعد الضرائب حوالى 2.69 مليار جنيه مقارنة بمبلغ 1.96 مليار جنيه من العام الماضي.

مجموعة طلعت مصطفي خالفت الشركات العقارية فى عملية الصعود، إذ تحرك سعر السهم بالمجموعة منذ بداية يناير عند سعر 10.10 جنيه بحجم تداولات 10 ملايين ورقة حينها ثم تحرك فى نطاق 7.1 جنيه و9.80 جنيه على مدار 7 أشهر حتى اتخذ الاتجاه الصاعد منذ 25 سبتمبر عند سعر 13 جنيها، ومن ثم الوصول إلى 25.25 بنهاية شهر أكتوبر الماضي، يتداول فى نطاق 20:22 جنيه حتى الآن.

أرباح سوديك ارتفعت 27% خلال التسعة أشهر الأولى مسجلة 557 مليون جنيه، وتسجيل 4.48 مليار جنيه إيرادات، فيما سجلت سوديك مبيعات هى الأعلى في تاريخ الشركة بنحو  19.8 مليار جنيه، بينما على صعيد سعر سهم سوديك تحرك من سعر 15 جنيها منذ بداية يناير ليستمر في حركة عرضية بين مستوي 15 جنيها و18 جنيها لمدة 8 أشهر، ثم اتجه نحو الصعود ليسجل مستوى 21 جنيها بجلسة 8 نوفمبر.

على الجانب الآخر سجلت بالم هيلز ثأني أكبر شركة عقارية مدرجة في البورصة المصرية، مبيعات تعاقدية جديدة بقيمة 35 مليار جنيه بنسبة ارتفاع 100%، فيما حققت صافي ربح بلغ 638.82 مليون عن فترة 9 أشهر، منذ بداية يناير تحرك السهم عند سعر 2 جنيه ثم تحرك بمتوسط سعر ما بين 2 جنيه و1.60 قرش على مدار تعاملات الأشهر الماضية، إذ انتهج المسار الصاعد منذ 15 نوفمبر الجاري ليسجل نحو 2.65 جنيه، ورغم أن “بالم هيلز” تمتلك مشروعات في شرق وغرب القاهرة والإسكندرية والعين السخنة والساحل الشمالي، وهي تستهدف في مشروعاتها الطبقة فوق المتوسطة، كما أن لديها محفظة أراضٍ بمساحة إجمالية تبلغ 35 مليون متر مربع، منها أكثر من 20 مليون متر مربع موزّعة على مناطق مختلفة من مصر، إلا أن سعر سهم الشركة لا يتناسب مع أدائها والذي صعد نحو 60 قرشا منذ بداية العام.

أما مدينة مصر للإسكان والتعمير، الشركة الحكومية التي تمتلك محفظة أراض كبيرة، فقالت إن المبيعات التعاقدية للربع الثالث عام 2023 تخطت إجمالي مبيعات أي سنة سابقة منفردة منذ نشأة الشركة، وتتوقع الشركة أن تتجاوز نتائج مبيعاتها في عام 2023 حاجز الـ20 مليار جنيه لأول مرة في تاريخها، فيما سجل إجمالي مبيعات خلال 9 أشهر نحو 4.62 مليار جنيه وصافي ربح بلغ 1.35 مليار جنيه، على مدار الفترة تباينت حركة السهم نتيجة العديد من العوامل لعل أبرزها الأخبار التي تم تداولها عن بيع حصص من الشركة لمستثمرين، إلا أن سعر السهم سجل نحو 3.75 جنيه منذ بداية يناير حتى هبط إلى سعر 2.8 جنيه بجلسة الثلاثاء 10 أكتوبر ثم عاود المؤشر ليلامس سعر بداية العام ويسجل 3.63 جنيه بجلسة الأحد 19 نوفمبر.

أوراسكوم للتنمية مصر حققت مبيعات عقارية قياسية بلغت 13,1 مليار جنيه خلال 9 أشهر بزيادة 80%، كما ارتفع إجمالي الإيرادات إلى 10,4 مليار جنيه، وارتفع صافي الأرباح إلى 2,0 مليار جنيه، إلا أن سهم الشركة تفاعل مع النتائج في آخر 3 جلسات يسجل سعر 10.97 جنيه، مقابل 7.22 جنيه منذ بداية يناير، مرورًا بحركة صعود بمنتصف العام عند سعر 10.98 جنيه ثم الانخفاض حتي مستوي 9 جنيهات ثم الصعود من جديد بنهاية جلسة الأحد الماضي عند السعر نفسه.

ارتفاعات مرتقبة وأسعار مستهدفة

قال محمود جاد محلل عقاري بشركة العربي الإفريقي الدولي للأوراق المالية، إن أسعار الأسهم بالبورصة المصرية لم تتماش مع إعادة تسعير الأصول العقارية بعد انخفاض الجنية وارتفاع المبيعات التعاقدية خلال الـ9 أشهر والتى وصلت إلى أكثر من 140 مليار جنيه لكبرى الشركات العقارية المتواجدة فى السوق المصرية نتيجة استمرار ارتفاع التضخم، وتوجه الأفراد نحو الاستثمار فى المكون العقاري، مضيفًا أن الشركات الكبرى التي لديها مخزون من الأراضي والوحدات تكون مستفيدة من عمليات خفض العملة نتيجة إعادة تسعير الوحدات.

أضاف “جاد” أن الأسهم الشركات ما زالت أمامها فرصة كبيرة للصعود خلال الفترة المقبلة، متوقعًا توجة المستثمرين بشكل كبير للدخول فى الأسهم العقارية بعد حالة الانتقاء التي تتم بين المستثمرين في مختلف القطاعات للاستفادة من الصعود المحتمل للشركات العقارية.

وذكر أنه تم تحديث بعض أسعار أسهم الشركات العقارية بوحدة البحوث، سيما بعد الارتفاعات الأخيرة فى أسعار العقارات،حيث تم تحديد سهم إعمار مصر عند سعر مستهدف بنحو 7.55 جنيه مقابل سعر سوق عند 3.67 جنيه بإغلاق جلسة 8 نوفمبر الماضي، بنسبة صعود محتملة نحو 106% خلال الفترة المقبلة، وسهم مدينة مصر عند سعر مستهدف نحو 4.99 جنيه مقابل سعر سوق عند 3.46 بنسبة صعود متوقعة 44%.

يأتي ذلك إضافة إلى سهم طلعت مصطفي الذي تخطي تسعير المؤشر الرئيسي egx30، مرتفعًا عند 25 جنيها من أكتوبر، بنسبة صعود 127%، متوقعا أن يستهدف السهم سعر 30.86 جنيه بنسبة صعود 37%، إضافة إلى ارتفاع سعر سهم بالم هيلز إلى 3.86 جنيه مقابل 2.6 جنيه سعر السوق بنسبة نمو صاعدة نحو 47%، علاوة على ىسعر سهم سوديك المتوقع خلال الفترة المقبلة عند 26.6 جنيه بنسبة صعود 26%، و20 % صعودا متوقعا لسهم هيليوبلس ليسجل 14.03 جنيه.

وأشار رئيس وحدة البحوث إلى أن الشركات العقارية تختلف عن نظرائها في باقي القطاعات نتيجة الدورة النقدية للشركات والتى تستغرق وقتا لكي تسجل مبيعاتها وتسليماتها لسنوات على قوائمها المالية.

وذكر “جاد” أنه بالنظر لكبري الشركات العقارية المتواجدة فى السوق حققت نسبة نمو فى الإيرادات بلغت نحو 26% خلال فترة 9 أشهر، كما أن هناك نمو في الأرباح  بنحو 21%  على أساس سنوي.

تخوف المستثمرين

مريم السعدني محلل قطاع العقارات بنك الاستثمار إتش سي، توقعت ارتفاع حجم نمو المبيعات العقارية من الوحدات السكنية خلال النصف الثاني من العام بنسبة تتراوح من 12% إلى 15%، بدعم توجة المستثمرين إلى القطاع العقاري كونة الملاذ الآمن ضد مخاطر تقلبات العملة خلال الوقت الراهن.

أضافت أن الشركات العقارية حققت مبيعات قياسية خلال النصف الأول نتيجة ارتفاع أسعار الوحدات لا العدد المبيع، بسبب انخفاض الطروحات المعروضة من المطورين العقاريين، وتابعت قائلة: “خلال الفترة المقبلة سوف تظهر تأثيرات الاقتراض في عمليات التخطيط والبناء، والتي من شأنها أن تشكل ضغطاً كبيراً على ميزانيات هذه الشركات، ما قد يدفعها لاحقاً إلى بيع العقارات بأسعار متدنية لتوفير السيولة من أجل سداد التزاماتها، بينما بالنسبة للشركات التي حصلت على تمويلات قبل ارتفاع الفوائد استفادت بالفعل من التسعير الحالي للعقارات”.

وأشارت “السعدني” إلى أن المعوقات التى تواجه الشركات العقارية منها زيادة التكلفة الإنشائية نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء وارتفاع التكلفة التمويلية على الاقتراض دفعت المطورين إلى اللجوء إلى توريق المستحقات أكثر من الاقتراض من البنوك، ما ضغط على هوامش التشغيل لديهم على مدار 2022، كما من المتوقع أن يستمر حتي نهاية العام الجاري 2023.

ولفتت إلى أن توجه المطورين لافتتاح مكاتب خارجية خطوة قوية لجذب المزيد من المتعاملين الأجانب وتوفير العملة الصعبة لدعم خططها التوسعية، سيما بعد موافقة مجلس الوزراء على إصدار قانون بما يسمح لغير المصري بتملك العقارات، مبنية كانت أو أرضا فضاء، بغرض السُكنى، على أن يُسدد الثمن بالعملة الأجنبية عن طريق التحويل من الخارج إلى أحد البنوك المملوك أسهمها بالكامل للدولة، وفقاً للقواعد والشروط والضوابط التي يصدُر بها قرار من محافظ البنك المركزى.