أعمده ومقالات ثقوب في رداء الموازنة العامة بواسطة أحمد جلال 15 يونيو 2019 | 10:52 ص كتب أحمد جلال 15 يونيو 2019 | 10:52 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 7 أسباب وجود ثقوب فى رداء الموازنة العامة كثيرة، وعواقبها وخيمة. وتتسع هذه الثقوب عندما تتخلى الحكومة عن تطبيق أحد مبادئ المالية العامة الراسخة، وهو «وحدة الموازنة»، أى عندما تتعدد جهات الإنفاق وتحصيل الإيرادات والاستدانة خارج الموازنة. لاستجلاء هذه القضية، هل لدينا ثقوب فى الموازنة العامة حاليا؟ وما هى توابعها؟ وماذا توصى به خبرات الدول الأخرى لرتق رداء الموازنة؟ إجابة السؤال الأول هى «نعم»، ومن الثقوب ما هو قديم ومعروف ومبرر، ومنها ما هو جديد وغير مألوف وغير مبرر. من الثقوب القديمة والمعروفة والمبررة أن موازنة الحكومة المركزية لا تشمل عادة ما يحدث على مستوى المحليات، والشركات والهيئات الاقتصادية والخدمية العامة، والبنوك العامة، والتأمينات الاجتماعية، رغم مسؤولية الحكومة عن هذه الوحدات بصفتها المالك، أو الضامن، أو الداعم. لهذا السبب عادة ما تلجأ الحكومات لقياس صلابة موقفها المالى باستخدام تعريفات أكثر شمولا لعجز أو فائض الموازنة والدين العام، تفاديا للمفاجآت وتعزيزا لرشادة السياسة المالية. فيما يتعلق بالثقوب الجديدة وغير المألوفة وغير المبررة، فأكثرها وضوحا ذلك الصندوق السيادى الذى تم إنشاؤه حديثا لإدارة أصول الدولة، وجار الآن البحث عن مدير له. أهداف هذا الصندوق نبيلة، لكن المعروف أن الصناديق السيادية يتم إنشاؤها فى الدول التى تتمتع بوفرة غير عادية فى الموارد الطبيعية، مثل البترول والغاز الطبيعى، لاقتسام الثروة عبر الأجيال. المثال الآخر، وإن كان مختلفا فى أثره على الموازنة، هو «صندوق الاستثمار القومى الخيرى للتعليم»، المزمع تكوينه كآلية لتوفير تمويل مستدام من المجتمع الأهلى لدعم وتطوير التعليم. هنا أيضا الهدف نبيل، لكن هل يعنى إنشاؤه تخليا أو اعترافا من الدولة بعدم قدرتها على مساندة هذا القطاع المهم؟ وهل هذا هو الأسلوب الأفضل لإشراك المجتمع الأهلى فى تمويل التعليم؟ للعلم، هذا النموذج غير معمول به فى الدول الأخرى، والمألوف أن تقوم الجامعة، أو المؤسسة البحثية، أو المستشفى بإنشاء «وقف» لتمويل نشاطها من عوائده. خلق نظم موازية ليس حلا، ولنا فى تجربة بنك الاستثمار القومى مثالا لا يحتذى به، لكن هذا موضوع يطول شرحه. من منظور السياسة المالية، تعدد الثقوب فى الموازنة ينتج عنه صعوبة قياس الملاءة المالية للدولة. كما أن تفاقم ديون المؤسسات العامة دون قدرة على الوفاء بها من الممكن أن يؤدى إلى مفاجآت غير سارة فى المستقبل. وأخيرا، وليس آخرا، لا شك فى أن تشرذم الموازنة العامة يضعف من قدرة وزارة المالية على القيام بدورها فى إنعاش الاقتصاد عندما يتباطأ، ومحاربة التضخم عندما يعمل الاقتصاد بأعلى من طاقته. وهنا تحضرنى قصة دالة عندما كنت فى وزارة المالية، وكانت دولة الإمارات قد أرسلت مبعوثا للتفاوض مع الحكومة حول أوجه إنفاق الدعم الإماراتى. فى هذا الإطار، سألنى رئيس الوزراء، حازم ببلاوى، فى أحد الاجتماعات عما تريده المالية؟ وكان ردى: لا شىء سوى التأكد من دخول كل المنح التى تحصل عليها الوزارات فى الموازنة كإيراد، وأن تخرج منها كمصروف، وكان مبدأ وحدة الموازنة حاضرا فى ذهنى. ماذا تفعل الدول لتجنب خلق ثقوب فى الموازنة؟ الدول التى تدير اقتصاداتها بشكل حصيف تعمل على تطبيق مبدأ وحدة الموازنة، وقد تضع سقفا للدين العام، حتى وإن لم يكن فى شكل أذون أو سندات على الخزانة العامة. كما أنها تترك قيادة السياسات الاقتصادية على المستوى الكلى لوزارة المالية، وتسند قيادة السياسة النقدية للبنك المركزى. ما لا يقل أهمية عن هذا وذاك، لا تبتكر هذه الدول صناديق سيادية إلا إذا كانت غنية بالموارد الطبيعية مثل الكويت والسعودية والنرويج. مسؤولية التصرف فى الأصول العامة تقع على عاتق الوحدات ذات الوصاية عليها. كما أن إنشاء صندوق أهلى لدعم التعليم لا يتم على المستوى القومى، والخلط بين الشأنين العام والخاص ليس فى صالح أحد. فى الختام، قد يكون من المفيد التذكير بأن دور وزارة المالية هو تحقيق الاستدامة المالية، ودفع النمو الاقتصادى إلى الأمام، وتحقيق العدالة الاجتماعية. تعدد الثقوب فى رداء الموازنة يحد من قدرة الوزارة على القيام بهذه المهام. ومن الأجدى لنا أن نعمل على سد هذه الثقوب، وليس ابتكار ثقوب جديدة. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/1ppi