غير مصنف عودة إيران بواسطة عمرو الشوبكي 16 يوليو 2015 | 12:39 م كتب عمرو الشوبكي 16 يوليو 2015 | 12:39 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 2 نجحت إيران فى إبرام اتفاق رسمى مع الدول الست الكبرى حول ملفها النووى، وأسدل الستار على مفاوضات استمرت 21 شهرا وانتهت يوم الثلاثاء الماضى فى العاصمة النمساوية فيينا. وقد أجمع وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، والممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى فيديريكا موجيرينى، على اعتبار الاتفاق النووى حدثا تاريخيا وصفقة جيدة. وأشارت موجيرينى إلى أن الاتفاق ينص على سلمية البرنامج النووى الإيرانى، وعلى حزمة من التدابير التى تضمن ألا تسعى إيران إلى إجراء بحوث أو تطوير برامج تمكنها من الحصول على سلاح نووى. وذكرت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية أن نص خطة العمل المشترك الشاملة وملحقاتها الخمسة، ستقدم خلال الأيام القادمة إلى مجلس الأمن من أجل تبنيها. ووصفت نص الاتفاقية بأنه تقنى ومفصل ومعقد، وأن هذا الاتفاق ليس نهاية المطاف، بل هو بداية لمرحلة جديدة من التعاون المشترك بين إيران والأطراف الدولية. وأشاد الرئيس الأمريكى باراك أوباما بالاتفاق بوصفه خطوة نحو عالم «أكثر تفاؤلا» وقال إنه سيستخدم حق النقض ضد أى تحرك لرفضه، بينما قال الرئيس الإيرانى حسن روحانى إن الاتفاق يثبت أن «الحوار البناء يؤتى ثمارا». فى حين أيدت دول الخليج ومعظم الدول العربية الاتفاق بشكل فاتر، ولم تخف السعودية قلقها من تداعيات الاتفاق ومن الدور الإيرانى السلبى فى المنطقة من خلال تصريحات غير رسمية، فى حين أدان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومسؤولون إسرائيليون كبار آخرون الاتفاق، ووصف الأول- الذى شبه إيران بتنظيم الدولة الإسلامية- الاتفاق بأنه «خطأ تاريخى مذهل». وبمقتضى هذا الاتفاق سيتمكن المفتشون الدوليون من الدخول إلى جميع المواقع النووية المشتبه بها، ولن تكون هناك زيارات مفاجئة، كما أن حظر الأسلحة على إيران سيبقى قائماً لخمس سنوات، وعلى الصواريخ ثمانى سنوات. وسيكون بوسع إيران إجراء أعمال بحث وتطوير تتعلق باليورانيوم لاستخدامه فى أجهزة طرد مركزى متطورة خلال أول عشر سنوات من الاتفاق النووى بين الطرفين، كما ستواصل أعمال البحث والتطوير الخاصة بالتخصيب على نحو لا يتيح تراكم يورانيوم مخصب. وتعهدت إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزى المستخدمة لتخصيب اليورانيوم بمقدار الثلثين لمدة 10 سنوات. ومن المتوقع أن يترتب على هذا الاتفاق رفع العقوبات المفروضة على طهران تدريجياً اعتباراً من أوائل العام المقبل، وينص على إعادة فرضها فى حال إخلال الجمهورية الإسلامية بالتزاماتها. والحقيقة أن النجاح الذى حققته إيران من وراء هذا الاتفاق مزدوج، فهو من ناحية أوضح للغرب أن هناك وجهاً آخر غير دعم الميليشيات الطائفية والخطاب الثورى، وهو أمر أشاد به كثير من الدبلوماسيين الغربيين فى جلساتهم الخاصة وأحيانا العلنية حين علقوا مرات كثيرة على مهارة وكفاءة المفاوضين الإيرانيين، كما أنه ساهم من ناحية أخرى فى تغيير المعادلات السياسية الداخلية التى قامت على مدار أكثر من 35 عاما على تخوين أى علاقة مع الغرب (قوى الاستكبار العالمى)، وظلت كلمة تفاوض مدانة فى الثقافة السياسية الإيرانية باعتباره نظاما ثوريا جاء ليغير معادلات الكون ويواجه الشيطان الأكبر (أمريكا) وانتهى به الأمر إلى لاعب إقليمى يوظف ميليشياته الطائفية فى أكثر من بلد عربى للحفاظ على نفوذه وأوراقة الإقليمية حتى لو كان على حساب مئات الآلاف من السوريين والعراقيين واليمنيين. والحقيقة أن اعتراف المجتمع الدولى بقوة إيران، وفى نفس الوقت فرضه قيودا حقيقية على طموحتها النووية، يعنى انتقالها من دولة ممانعة خارج المنظومة العالمية إلى دولة ممانعة من داخلها، وهو فارق كبير، يمكن مقارنته بالفارق بين حزب سياسى معارض شرعى يسعى للتغيير من خلال الأطر القانونية والدستورية وبين جماعة احتجاج ترفض هذه الأطر. والمؤكد أن مسألة وجود معارضة من داخل المنظومة العالمية أمر تكرر فى تجارب كثير من دول العالم، خاصة دول الجنوب فعرفته مصر عبدالناصر وعرفته البرازيل الاشتراكية وفنزويلا وجنوب أفريقيا ودول آسيوية وأفريقية كثيرة، وهى تجارب تختلف عن تجربة صدام حسين حين غزا الكويت أو القذافى حين حارب المنظومة الدولية بالإرهاب. ستنتقل إيران ما بعد الاتفاق لتكون لاعبا يؤثر ويتأثر بهذه المنظومة العالمية وهو بالحتم تحول كبير وتاريخى وتأثيره أكبر من تأثر الاتفاق النووى نفسه لأنه سيعنى من الناحية العملية فتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليا نحو الاعتدال. وعلينا تأمل فرحة الشباب الإيرانى بهذا الاتفاق الذى عنى، فى جانب منه، سعادة بانفتاح إيران على العالم، وليس فقط انتصارا وطنيا وتجنبها الدخول فى حرب مدمرة مع الغرب، وانتقالها من مرحلة كان طموحها النووى مهددا بالتدمير إلى مرحلة احتفظت فيها ببنيتها النووية دون تطوير وبعيدا عن القنبلة النووية. الاتفاق مع الغرب يمثل نظريا خطوة نحو اعتدال إيران، ولكنه فى نفس الوقت سيفتح أمامها الباب لظهور جديد (أقوى) على الساحة الإقليمية والدولية، وأن محاولات بعض العرب تخويف العالم من إيران بالعويل والتحريض تعويضا عن العجز الداخلى، وغياب مشروع سياسى عربى قادر على التفاعل النقدى معها وحصار طموحاتها الإقليمية بطموح عربى آخر مواز أمر لم يعد يجدى. إيران تقدمت لأنها بنت نموذجا داخليا حافظت عليه وطورته رغم أخطائه ومثالبه الكثيرة، أما نحن فلم ننجح أن نكون ثوارا يمكن أن يدفعوا ثمن بناء نظام ثورى ممانع ليس بالشعارات والهتافات، إنما مثل ما دفعت إيران عمليا على مدار 35 عاما من حصار دولى، أو إصلاحيين يمكن أن يبنوا تجربة ديمقراطية متدرجة ونظما سياسية تتسم بالكفاءة والمهنية. علينا أن نبنى نموذجا فى الداخل له هدف ورسالة تخصنا حتى نستطيع أن نؤثر فى العالم. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/uml0