دينا عبدالفتاح تكتب: بعد حسم قضية دير سانت كاترين .. من يعيد إلى مصر تراثها المسروق؟! بواسطة دينا عبد الفتاح 16 أكتوبر 2025 | 10:40 م كتب دينا عبد الفتاح 16 أكتوبر 2025 | 10:40 م دينا عبدالفتاح رئيس تحرير أموال الغد النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 737 في هذا الشهر، تُطوى صفحة من صفحات التاريخ حين تُحسم قضية دير سانت كاترين في سيناء باتفاق ودي بين مصر واليونان والكنيسة الأرثوذكسية، أنهى خلافًا استمر شهورًا حول بعض الأراضي والمباني التابعة للدير. القضية التي بدأت بقرار قضائي يطالب الرهبان الأرثوذكس بإخلاء مساحات قال القضاء إنها خارج حدود الدير، تحولت سريعًا إلى قضية ثقافية ودينية ذات طابع عالمي، لما يحمله هذا المكان من رمزية روحية وتاريخية كأحد أقدم الأديرة في العالم وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. الاتفاق الجديد نصّ على أن يحتفظ الدير بطابعه الديني والروحي إلى الأبد، وأن تبقى السيادة المصرية الكاملة على الأرض دون مساس، بينما تواصل الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية دورها الروحي في إدارة شؤون الرهبان. بهذا الاتفاق، تنتهي أزمة طويلة وتبدأ مرحلة جديدة عنوانها التسامح والتفاهم، تعيد إلى الأذهان الصورة الحقيقية لمصر: بلد يعرف كيف يحمي تنوّعه، ويحوّل الخلاف إلى حوار، ويثبت أن القوة الحقيقية لا تكون في الصدام، بل في القدرة على احتواء الجميع. إقرأ أيضاً دينا عبدالفتاح تكتب: فرضية المواجهة العسكرية المصرية–الإسرائيلية.. وسيناريوهات الاقتصاد في زمن الحرب جبل الديون العالمي يقترب من 338 تريليون دولار… واقتصادات كبرى وصغرى تمشي علي حبل مشدود دينا عبدالفتاح تكتب: استثمار أجنبي أم استعمار ناعم؟ الوجه الخفي لحركة الأموال الآن هذه الروح ليست وليدة اليوم، بل ممتدة في التاريخ المصري منذ آلاف السنين. مصر التي احتضنت الأديان جميعًا على أرضها، هي نفسها التي تبني كنائس ومساجد وجوامع بجوار بعضها دون خوف أو صراع، لأنها تؤمن أن الاختلاف في جوهره رحمة وليس تهديدًا. ودير سانت كاترين ليس مجرد موقع ديني، بل شاهد حيّ على عبقرية هذا التنوّع الذي علّم العالم أن التعايش ممكن، وأن السلام لا يحتاج إلى شعارات بقدر ما يحتاج إلى إرادة صادقة. ولعلها ليست مصادفة أن يأتي هذا الاتفاق في العام ذاته الذي يشهد افتتاح المتحف المصري الكبير، أكبر مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، ونافذة جديدة تُطل منها مصر على العالم. فبينما تؤكد مصر اليوم على قدرتها في حماية دير صغير في عمق صحراء سيناء، فإنها في الوقت ذاته تفتح أبواب المتحف المصري الكبير لتقول للعالم: هذه هي مصر… بلد لا يحمي تراثه فقط، بل يحمي تراث الإنسانية كلها. افتتاح المتحف المصري الكبير ليس حدثًا أثريًا فحسب، بل رمزًا عالميًا يؤكد أن هذه الأرض لا تزال مهد الحضارة وراعية التاريخ. لكنه أيضًا لحظة يجب أن يتوقف فيها العالم أمام نفسه ليسأل: ماذا عن آلاف القطع الأثرية المصرية التي خرجت من أرضها عبر القرون؟ كيف يمكن للعالم أن يحتفل بالحضارة المصرية في متاحفه، بينما يرفض إعادة ما أخذه منها؟ الحقائق تقول إن مصر كانت أكثر دول العالم تعرضًا لنهب تراثها. فمعظم ما تملكه المتاحف الكبرى من آثار مصرية خرج في فترات الاستعمار أو عبر بعثات استكشافية استحوذت على المكتشفات باسم “العلم”. خرج حجر رشيد إلى بريطانيا، وذهبت رأس نفرتيتي إلى برلين، وتفرقت المسلات المصرية بين باريس وروما ونيويورك. وحتى اليوم، تُعرض هذه القطع في قاعات المتاحف الأجنبية كأنها ملك مشروع لتلك الدول، بينما أصحابها الحقيقيون ينظرون إليها من بعيد. وما زاد من مأساة هذا الوضع أن القانون الدولي نفسه حصَّن هذه السرقات، حين أقرت اتفاقية اليونسكو عام 1970 بحظر تهريب الممتلكات الثقافية خارج أوطانها، لكنها لم تطبق بأثر رجعي. أي أن كل ما نُهب قبل ذلك التاريخ أصبح محميًا “قانونًا”، وكأن العالم يقول: نعم، كانت هناك سرقة، لكنها قانونية لأنها حدثت قبل أن نمنعها! وهكذا تحوّل القانون الذي أُريد به حماية التراث إلى مظلة تُغطي جرائم الماضي. لكن الأخلاق لا تُقاس بالتواريخ. فهل يتغير معنى السرقة إذا وقعت قبل صدور القانون؟ وهل يصبح التراث مشروعًا لأن اللص كان سابقًا للاتفاقيات؟ إن الضمير الإنساني يسبق كل تشريع، والعدالة الحقيقية لا تُقاس بالبند القانوني بل بالفعل الأخلاقي. حتى تلك القطع التي خرجت تحت مسمى “الهدايا الرسمية” لا تختلف في جوهرها عن المسروقات، لأن من أهدى لم يكن يملك، ومن تسلَّم كان يعلم أنه لا يملك الحق في التملك. فكيف تكون الهدية مشروعة إذا كان المهدي مغتصبًا؟ وكيف تكون الملكية صادقة إذا كانت مبنية على باطل؟ إن تلك “الهدايا” كانت في الحقيقة صفقات سياسية مغلفة بالحرير الدبلوماسي، لكنها تبقى في نظر التاريخ أعمال استحواذ لا تختلف عن النهب المسلح. منذ متى يُباع التراث أو يُشترى؟ التراث ليس سلعة في سوق، ولا مملوكًا لفرد أو لحاكم أو لمتحف، بل هو ذاكرة أمة وهوية حضارة. كل حجر خرج من مصر يحمل حكاية، وكل تمثال نُقل منها هو جزء من روحها التي لا تقدر بثمن. فمن يملك أن يبيع روح وطن؟ ومن يملك أن يشتري ذاكرة إنسانية خالدة؟ لقد حاول العالم أن يبرر لنفسه تلك الجرائم باسم “الاكتشاف العلمي”، لكنه تناسى أن الاكتشاف لا يبرر الاستحواذ. وحين يحتفل الغرب اليوم بقطع من آثارنا، فهو في الحقيقة يحتفل بصفحة مسروقة من كتاب الحضارة. فالقانون قد يحمي المقتنيات في المتاحف، لكن الضمير لا يمكن أن يحمي الزيف. إن مصر التي تحمي ديرًا صغيرًا في الجبل وتحافظ على طابعه الديني، هي نفسها التي تطالب بحقها في استعادة آثارها المنهوبة من متاحف العالم. مصر التي تمد يدها بالحوار في قضايا الدين، تمدها بالمنطق في قضايا التراث. هي لا تطلب أكثر من العدالة، ولا تسعى إلى الانتقام، بل إلى إنصاف التاريخ نفسه. وفي النهاية، لا يغير التاريخ من الحقيقة شيئًا. فالذي باع لا يملك، والذي اشترى لا يستحق، والذي أهدى تصرف في ما لا يملكه. التراث لا يُهدى ولا يُباع، لأنه ملك للأرض التي أنجبته والشعب الذي صنعه. لقد آن الأوان أن يُعيد العالم النظر في ضميره قبل أن يقرأ نصوص قانونه، وأن يفهم أن ما خرج من مصر لا يخص المتاحف التي تحتفظ به، بل يخص أمةً علَّمت البشرية كيف تُشيّد الحضارة وتكتب الخلود. أعيدوا إلينا آثارنا، وكفى تلويثًا للحقائق. فالقوانين قد تُبرر، لكن الضمير لا يُخدع، والتاريخ لا يُنسى، ومن أراد أن يكون صادقًا مع الإنسانية، فليبدأ بردِّ الحق إلى أصحابه. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/cmyw الآثار المصريةالإعلامية دينا عبد الفتاحالتراث المصريقضية دير سانت كاترين