دينا عبدالفتاح تكتب: فرضية المواجهة العسكرية المصرية–الإسرائيلية.. وسيناريوهات الاقتصاد في زمن الحرب بواسطة دينا عبد الفتاح 29 سبتمبر 2025 | 1:19 ص كتب دينا عبد الفتاح 29 سبتمبر 2025 | 1:19 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 113 120 مليون إنسان على خط النار .. وأولوية قصوى لميزانية السلاح والجيش العملة تتدهور.. الطبقة المتوسطة تتآكل، الخدمات تختنق، ورؤوس الأموال تهرب إقرأ أيضاً دينا عبدالفتاح تكتب: في الصراع على الميّه والأكل.. مين الأحق؟ جبل الديون العالمي يقترب من 338 تريليون دولار… واقتصادات كبرى وصغرى تمشي علي حبل مشدود دينا عبدالفتاح تكتب: استثمار أجنبي أم استعمار ناعم؟ الوجه الخفي لحركة الأموال الآن هذا المقال يقدم سيناريو افتراضيًا يستند إلى الواقع الاقتصادي والسياسي الحالي، ويهدف إلى استشراف ما قد يحدث إذا انزلقت مصر إلى مواجهة عسكرية مباشرة. ليس تقريرًا عن وقائع جارية، بل تحليل تقديري يفتح نقاشًا حول التكلفة المحتملة لاقتصاد الحرب على الدولة والمجتمع. غزة تشتعل منذ أسابيع طويلة والقصف لا يتوقف، بينما تتكدس قوافل الإغاثة على الطرق المؤدية إلى سيناء، ويزداد الجدل حول المعابر بين من يرى أنها خط سيادة وأمن، ومن يعتبرها بوابة إنسانية يجب أن تبقى مفتوحة. القاهرة تجد نفسها بين ضغوط خارجية تمارسها القوى الكبرى لفرض ترتيبات أمنية، وضغوط داخلية تطالب بالحفاظ على الكرامة الوطنية. ومع تكرار الحوادث على الحدود يتقلص هامش المناورة وتقترب البلاد من مواجهة مفتوحة. في حال اندلاع حرب، فإن أول قرار اقتصادي سيكون إعادة ترتيب الموازنة. دوليًا، تتوزع الموازنات العامة في أوقات السلم عادةً على نحو 5 إلى 10% للدفاع، 15 إلى 20% للتعليم، 10 إلى 15% للصحة، ونسب متفاوتة بين البنية التحتية والدعم الاجتماعي وخدمة الدين. لكن في اقتصاد الحرب، تتبدل المعادلة بالكامل؛ إذ قد تقفز ميزانية الدفاع إلى ما يقارب نصف الإنفاق العام، بينما تتقلص حصص التعليم والصحة إلى الحدود الدنيا لتأمين استمرار المرافق الأساسية فقط، وتُوقف معظم المشروعات القومية. الدعم الاجتماعي يُوسع قليلًا لمواجهة موجات الغلاء لكنه لن يغطي جميع الاحتياجات، ويظل التركيز على ما يضمن الحد الأدنى من الأمن الغذائي. منذ اللحظة الأولى، تبدأ الضغوط النقدية في الظهور. الطلب على الدولار يزداد لتغطية استيراد الوقود والقمح والدواء، بينما تتراجع التدفقات من السياحة وقناة السويس إذا تعثرت الملاحة وارتفعت تكاليف التأمين. الجنيه يتراجع تدريجيًا، والفجوة بين السعر الرسمي والسوق غير الرسمية تتسع، ما يضع الأسر تحت ضغط مباشر. الرواتب تفقد قيمتها سريعًا، والمدخرات تتآكل، والأسعار تعيد رسم حياة الناس من الخبز إلى المواصلات. قطاع الطاقة سيصبح ساحة أولويات قاسية. الجيش والمستشفيات ومحطات المياه والاتصالات يحصلون أولًا على حصصهم من الوقود والكهرباء، وما يتبقى يوزع على الأحياء وفق خطط تقنين معلنة. طوابير البنزين تطول، وانقطاعات الكهرباء تصبح جزءًا من اليوم، والمصانع تخفض إنتاجها أو تغلق خطوطًا كاملة بسبب نقص الغاز أو تأخر وصول المواد الخام. تأثير الحرب سيمتد إلى البحر الأحمر وقناة السويس. أي ارتفاع في المخاطر البحرية أو تحويل مسارات السفن عبر رأس الرجاء الصالح سيقلل العائدات من القناة، وهو ما سيضاعف أزمة العملة الأجنبية ويزيد صعوبة استيراد السلع الأساسية. الموانئ ستشهد تكدسًا متكررًا، والجمارك ستشدد القيود على السلع غير الضرورية، بينما تقتصر الأولويات على الغذاء والوقود والأدوية وقطع الغيار للمرافق الحيوية. على موائد المصريين يظهر الوجه الأكثر وضوحًا لاقتصاد الحرب. بطاقات التموين تتحول إلى نظام أكثر صرامة بالاعتماد على التكنولوجيا لضبط الحصص، لكن الحصص نفسها تنكمش ويطول زمن الانتظار. السوق غير الرسمية تنمو وتبيع بأسعار مضاعفة، فيما تظهر مبادرات تكافل مثل المطابخ المجتمعية في المدن، والزراعة المنزلية أو القروية لتغطية بعض الاحتياجات. سوق العمل يتعرض لاضطراب كبير. غياب أعداد من الرجال في الجبهة سيؤدي إلى دخول النساء والشباب بشكل أوسع إلى المصانع والحقول، لكن ذلك لن يمنع زيادة البطالة مع تباطؤ الاقتصاد وإغلاق منشآت صغيرة. تظهر أنماط عمل مؤقتة وهشة، والأسر تعتمد على أكثر من مصدر دخل. الأجيال الشابة تدفع ثمنًا إضافيًا، حيث تتأثر جودة التعليم والتدريب وفرص بناء المهارات، وهو ما ينعكس على المستقبل الاقتصادي للبلاد. القطاع الصحي سيتعامل مع ضغوط متزايدة. المستشفيات تخصص أجنحة كاملة للجرحى وتؤجل العمليات غير الطارئة، بينما تتراجع إمدادات الأدوية المستوردة. تظهر بدائل محلية لكنها ليست كافية لتغطية النقص. من الناحية التعليمية، سيبرز التعليم الرقمي كخيار بديل يقلل من استخدام المدارس كملاجئ أو مخازن، ويوفر الأمان للطلاب عبر بقائهم في المنازل، كما يخفف الضغط على المواصلات والتنقلات اليومية. لكن هذا الحل سيواجه تحديات مثل انقطاعات الكهرباء وضعف الإنترنت وتكلفة الأجهزة، مما يجعله خيارًا محدود التطبيق لكنه يظل أفضل المتاح لضمان استمرار العملية التعليمية. القطاع المالي يدخل مرحلة استثنائية. البنوك تُلزم بشراء أدوات دين مرتبطة بالحرب، وسيُفرض المزيد من الرقابة على حركة الأموال. الشركات الصغيرة والمتوسطة ستواجه صعوبات في الحصول على التمويل والمواد الخام. القطاع الخاص عمومًا سيشهد تراجعًا في النشاط، مع احتمال إفلاس بعض المؤسسات. المجتمع بدوره يتأرجح بين التضامن والتوتر. مبادرات المساعدة المتبادلة تنتشر، لكن شعورًا بالظلم قد ينمو مع اتساع الفجوة بين من يملك القدرة على الوصول للسلع عبر علاقات أو مال، ومن يُترك للطوابير. تظهر لغة جديدة في الحياة اليومية: الأولوية، التقنين، التعبئة. ثقافة الادخار وإعادة الاستخدام تعود بقوة، ويصبح الاستهلاك مقيدًا بالضرورة فقط. ومع استمرار الحرب، تتراكم أعباء ثقيلة على المدى الطويل. الدين العام يتضخم بفعل القروض الطارئة وأدوات الدين، وتصبح شروط المقرضين جزءًا من الواقع الاقتصادي والسياسي لسنوات. ملف إعادة الإعمار يفتح مبكرًا قبل توقف القتال: طرق تحتاج لإصلاح، مرافق منهكة، ومدارس ومستشفيات بحاجة للتجديد. استعادة ثقة المستثمرين الأجانب ليست قرارًا سريعًا، بل مسار طويل يحتاج إلى استقرار وشفافية ومصداقية في إدارة المال العام. وسط هذا كله، تدور معركة التمويل. تُطرح شهادات استثمار للمصريين في الداخل والخارج لتشجيع تحويل مدخراتهم بالعملة الصعبة، وتُعرض أدوات ادخار وطنية باعتبارها مساهمة في “دعم الدولة”، بينما تُطرق أبواب المؤسسات الدولية للحصول على قروض طارئة مشروطة بإصلاحات صعبة. الدعم الإقليمي قد يوفر ودائع أو مساعدات عاجلة، لكنه غالبًا سيكون له ثمن سياسي. الاستثمارات الأجنبية ستتراجع، باستثناء القطاعات الحيوية كالزراعة والأدوية والخدمات اللوجستية، حيث يبحث المستثمرون عن عوائد سريعة بضمانات قوية. وبرغم الصورة القاتمة التي يرسمها سيناريو الحرب، تبقى هناك مساحات يمكن أن تُستثمر لتخفيف وقع الأزمة على المجتمع. من شأن تطوير نظم الدعم الاجتماعي أن يقلل من الهدر ويوجه المساعدات بشكل أكثر عدالة إلى الفئات الأشد احتياجًا. الطبقة المتوسطة، التي تمثل عمود التوازن في أي مجتمع، ستحتاج إلى إجراءات تحفظ قدرتها على الصمود، ولو بحدود ضيقة. أما القطاع الخاص، فيمكن أن يلعب دورًا في مشروعات صغيرة سريعة الأثر، تعزز الأمن الغذائي وتوفر خدمات أساسية في الصحة والطاقة، بما يساعد على سد فجوات عاجلة ويمنع الانهيار الكامل للخدمات. الخلاصة أن المواجهة العسكرية المصرية–الإسرائيلية، إذا وقعت، لن تكون مجرد مواجهة على الحدود، بل اختبار شامل للاقتصاد والمجتمع. اقتصاد الحرب لا يُقاس فقط بما تنفقه الدولة على السلاح، بل بما يخسره المواطن من غذاء وخدمات ومدخرات. النجاح لن يُحتسب في ساحة المعركة وحدها، بل في قدرة الدولة على إدارة المال والموارد بشفافية وعدالة، وفي قدرة المجتمع على التحمل دون أن تنهار خيوطه. التحدي الحقيقي هو كيف تمنع الدولة حرب الحدود من أن تتحول إلى حرب داخل البيوت. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/1ph3 الإعلامية دينا عبد الفتاحالحرب مع اسرائيلحرب غزةمقالات دينا عبد الفتاح