دينا عبد الفتاح تكتب: بين الإشادة والابتزاز.. 58 يومًا تكشف وجه صندوق النقد أمام اللاءات المصرية الصندوق يناقض نفسه في تقريرين.. فهل تغيّر الاقتصاد المصري، أم تغيّرت حسابات السياسة الدولية؟ بواسطة دينا عبد الفتاح 19 يوليو 2025 | 6:15 م كتب دينا عبد الفتاح 19 يوليو 2025 | 6:15 م دينا عبد الفتاح النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 15 في عالم يزداد فيه تداخل السياسة بالاقتصاد، بات من الضروري قراءة تقارير المؤسسات الدولية بعين فاحصة، تتجاوز الأرقام والجداول، لتلتقط اللغة، والظرف، والتوقيت. وبين تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في 17 مايو 2025، ونظيره الذي صدر في 15 يوليو من العام نفسه، تقف مصر نموذجًا حيًّا على ما يمكن تسميته “ازدواجية التقييم الدولي”، حين تُصبح الإصلاحات مرهونة بمواقف الدول، لا بأدائها الاقتصادي. في تقريره الصادر عقب مهمة المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح المصري، نشر صندوق النقد الدولي تقييمًا بدا أقرب إلى بيان دعم سياسي-اقتصادي للحكومة المصرية. جاء في التقرير: إقرأ أيضاً صندوق النقد: مصر تستهدف 3 مليارات دولار من حصيلة الطروحات في 2025/2026 صندوق النقد: مصر تحتاج 5.8 مليار دولار لتعزيز احتياطاتها الدولية في 2025/2026 صندوق النقد: مصر تعتزم إطلاق استراتيجية متوسطة الأجل لإدارة الدين العام بحلول ديسمبر 2025 أن الاقتصاد المصري يُظهر علامات تعافٍ تدريجي، مع توقعات نمو تصل إلى 3.8% خلال السنة المالية. أن السياسات النقدية والمالية أصبحت أكثر انضباطًا، بعد تراجع التضخم من الذروة، وتماسك الجنيه المصري أمام الدولار. أن استثمارات القطاع الخاص آخذة في التوسع، إذ ارتفعت نسبتها من 38.5% إلى أكثر من 60% في بعض القطاعات. أن الحكومة المصرية حققت تقدمًا في برنامج الخصخصة، وأن هناك “زخمًا سياسيًا” لدعم الإصلاحات. أشاد التقرير أيضًا بجهود الدولة في تقليص دعم الطاقة، وإعادة هيكلة المالية العامة، وتحقيق بعض التوازن في مخصصات الحماية الاجتماعية. ببساطة، كان الخط العام للتقرير: “مصر تسير في الاتجاه الصحيح، والمجتمع الدولي يثق في خطواتها”. في التقرير الصادر يوم 15 يوليو، تغيّرت لهجة الصندوق بشكل لافت. فجأة، انتقل التوصيف من “الإصلاح الواعد” إلى الحديث عن “تقدم متفاوت”، ومن الإشادة ببرنامج الخصخصة إلى وصفه بـ”المتوقف فعليًا”، ومن دعم السياسات المالية إلى التحذير من انفجار الدين العام خلال السنوات المقبلة. من أبرز ما جاء في التقرير: أن القطاع العام لا يزال يسيطر على قطاعات حيوية، في مقدمتها الصناعة والسياحة واللوجيستيات، وهو ما يعيق دخول المستثمرين الجدد. أن إيرادات الخصخصة انخفضت بشكل حاد، من التوقعات السابقة التي بلغت 3 مليارات دولار إلى ما دون 600 مليون فقط في 2024، وهو ما اعتُبر إخلالًا بالتعهدات. أن الدين الخارجي المصري مرشح للارتفاع من 162 مليار دولار إلى أكثر من 202 مليار خلال خمس سنوات، ما يضع البلاد تحت “ضغط سيادي كبير”. أن هناك ضعفًا في الشفافية والرقابة المالية، خاصة في الكيانات شبه الحكومية (مثل الهيئة العامة للبترول وهيئة المجتمعات العمرانية). كما طالب التقرير بوقف الإقراض المفرط من البنك المركزي للمصارف الحكومية، واعتبره خطرًا على استقرار الأسعار وسعر الصرف. وضع التقرير مصر في خانة الدول ذات الإصلاح “المتردد”، ملوحًا صراحة بأن استمرار الدعم الدولي لن يكون مضمونًا ما لم تُتخذ “إجراءات هيكلية فورية وجذرية”. ما الذي تغيّر في 58 يومًا؟ اقتصاديًا: لا شيء يُبرّر هذا الانقلاب الحاد في التقييم. معدلات النمو لم تتدهور. التضخم استمر في التراجع. الجنيه المصري حافظ على استقراره. الحكومة لم تتراجع عن برنامج الإصلاح بشكل علني أو ملموس. إذًا، ما الذي تغيّر؟ الإجابة ليست في هذه السطور، بل في صفحات الجغرافيا السياسية. ففي الفترة بين التقريرين، اتخذت مصر سلسلة من المواقف السيادية، لم تلقَ استحسان بعض القوى الغربية: رفضت القاهرة، بشكل قاطع، أي مخططات لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، وأكدت أن ذلك “خط أحمر لا تفاوض عليه”. تحفظت على المشاركة في التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن في البحر الأحمر، واشترطت أن يكون التحرك العسكري إقليميًا وبشروط مصرية. واصلت تنويع شراكاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا والهند، في خطوات لا تروق لِصقور المؤسسات الغربية. كلها قرارات سيادية، لكنها- فيما يبدو- استُقبلت كإشارات تمرد ناعم تستحق “تصحيحًا” في التقييم المالي. صندوق “النقد” الدولي، رغم كونه مؤسسة اقتصادية فنية، بات في نظر كثيرين أداة ضمن أدوات السياسة الخارجية للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.. فبينما يتغاضى الصندوق عن إخفاقات بعض الحلفاء في تنفيذ برامجهم، يُلوّح بالعقوبات أو يبدّل لهجته تجاه دول أخرى وفقًا لمواقفها الجيوسياسية، لا الاقتصادية فقط. ما حدث في تقييم مصر خلال 58 يومًا، يُعد نموذجًا صارخًا على هذا الانزلاق، لم يعاقب الصندوق مصر على فشل اقتصادي، بل على نجاحها في حماية قرارها الوطني. لم يُراجع الأرقام فقط، بل راجع تموضعها السياسي في خريطة الشرق الأوسط. إذا كانت مصرـ بكل ما تمر به من تحديات اقتصاديةـ تُنتقد على موقفها السيادي، فمن الذي يجب أن يُحاسَب؟ ليس من يرفض التهجير، بل من يحاول تمريره. ليس من يسعى للحياد، بل من يشترط التمويل بالمواقف. ليس من يُدير اقتصاده بشفافية نسبية، بل من يُسيّس المؤسسات الدولية باسم الحياد. إن من يستحق المساءلة هو صندوق النقد نفسه، الذي بات اليوم أداة سياسية مفضوحة تُستخدم لخدمة مصالح أمريكا وحلفائها، دون احترام لدوره المفترض كمؤسسة عالمية مستقلة. وهذا لا يطعن فقط على مصداقيته، بل يكشف حجم الفوضى وسقوط الهيبة الأخلاقية للمؤسسات الدولية الكبرى، في عالمٍ باتت فيه السيادة تُهْمَة، والتمويلُ مكافأةَ الخضوع. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/pai1 الاقتصاد المصريالتعاون بين صندوق النقد الدولي ومصرتوقعات الاقتصاد المصري 2025صندوق النقدصندوق النقد الدوليصندوق النقد الدولي ومصر