أعمده ومقالات دينا عبد الفتاح تكتب: «الترامبية» خطرة.. وكثير منها فانتازيا ! المنتج السياسي الحالي الذي يفرزه ترامب وإدارته فاسد وسيُحدث هزات اقتصادية واجتماعية وسياسية عنيفة بواسطة أموال الغد 18 فبراير 2025 | 12:04 م كتب أموال الغد 18 فبراير 2025 | 12:04 م دينا عبدالفتاح النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 35 لم يكن فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية في هذه المرحلة، عبثًا أو ضربًا من المصادفة التي لا نقبلها، فهو البداية والنهاية لسلسة من الممارسات العنيفة التي ترغب الإدارة الأمريكية في إذاقتها للعالم بأسره خلال السنوات المقبلة، بغطرسة القوة التي تستند إلى التلويح بالحروب واليد الطولى وإشعال الفتن وزعزعة استقرار الدول. فالحقبة التاريخية التي نعيشها ليست شبيهة بعقود مضت من السلام والتوافق على قواعد حاكمة إبان حروب وصراعات دامية ألقت بالكرة في يد الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتلعب بمفردها في مختلف الساحات السياسية كلاعبٍ وحَكَمٍ في آنٍ بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، فاليوم شبت دول برؤوسها لتعترض ليس بالكلمات وفقط، بل بالتحرك وكسر جدار الخوف أحيانًا أو إزالته من جذوره أحيانًا أخرى في ظل إخفاق سيد العالم في جميع الاختبارات الدولية. إقرأ أيضاً إدارة ترامب تسمح بتصدير الغاز المسال وتنشئ مجلسًا للطاقة حول موعد الـ 12 ظهر السبت.. «ترامب» يقذف الكرة في ملعب إسرائيل ترامب: سأتخذ موقفًا صارمًا بشأن غزة غدًا السبت فالحرب الروسية الأوكرانية، والتنين الصيني الذي وضع عينه على جزيرة تايوان إلى جانب نموه الاقتصادي المرعب على المستويات كافة، والتغييرات الجيوسياسية المفاجئة التي حدثت في العديد من الدول واندفاع العديد منها في سباق التسلح، أرعبت فرائس الإدارة الأمريكية وجعلتها تندفع لتخرج لنا هؤلاء الأشخاص في مراكز القيادة أو بمعني أدق تعيد بعضهم من جديد (فالديمقراطية تعصب الأعين في بعض الأحيان أمام حمى السيطرة والتفوق). فالتاريخ يشير إلى أنه في أوقات أزمات الحضارات التاريخية الكبرى وشعورها بالتهديد الوجودي كقوة عظمى، كان الخيار الأول والأخير يميل إلى حاكم ورجال في قمة العنف والبربرية لطحن كل دولة بعيدة أو قريبة من حدودها، وتركيع الشعوب الباحثة عن فرصة للصعود والتفوق، فالصعود من وجهتهم لأي دولة يجب أن يكون للقاع! فتصريحات ترامب وقرارته التي يضرب العالم بها حاليًا، مفادها أن الولايات المتحدة ألقت بستارها المسرحي الذي وضعته أمامنا لسنوات طويلة، من الديمقراطية والحرية ونصرتها للإنسانية ووقوفها كسلاح حامٍ للسلام، والذي كان يخفي سياستها الحقيقية لسنوات كقوة عظمى ترغب في بسط نفوذها بلغة القوة والآلة العسكرية الضخمة، لتخرج كل هذا للعلن في أيام معدودة من غطرسة وجمود وعنف في وجه ترامب العبثي ولغته الكلامية التي يحويها جنون العظمة وجنون العقل أيضًا. فالرجل البرتقالي صاحب المليارات ووكيل المصارعين سابقًا، يظن أنه يدير فندقًا أو كازينو، وجميع النزلاء يجب أن يدفعوا له ليشعروا بالراحة والمتعة والأمان في كنفه. فالمنتج الحالي في دوائر السياسة العالمية والذي يفرزه ترامب وإدارته فاسد بكل معني الكلمة، ومن ثم لن يمر مرور الكرام بل سيحدث هزات اقتصادية واجتماعية وسياسية عنيفة على كل دول العالم، وأولاها أوروبا التي عاشت وألفت الحياة تحت كنف الولايات المتحدة لعقود طويلة، ليقابلها هو بفرض رسوم جمركية والانسحاب من مؤسسات دولية مثلت وجه الغرب الباسم ووجهه الجميل كمنظمة الصحة العالمية، وتهديده الأخير بعدم إنفاق أي شيء على حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبل مضاعفة الدول الأعضاء حجم إنفاقهم عليه. ولا تزال الأقواس مفتوحة، فالسيد وضع يده على الطاولة وما زال يخبط بها بعنف ويلقي الأوامر. وهي الحالة التي زغزغت عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليخرج بتصريح ساخر يقول فيه: “أوروبا سرعان ما ستقف عند أقدام سيدها وسيهزون ذيولهم قليلاً”. عبثية ترامب لم ولن تنجو منها منطقتنا بالتأكيد، التي هي في الأساس مرتع لهم لسنوات يمارسون عليها كل أنواع الضغوط وسياسات الفوضى التي تخدم أطماعهم، وهم ليسوا حاضرين بالممارسات وفقط، بل بقواعد عسكرية هنا وهناك، وولايتهم الحادية والخمسين «الكيان المحتل الإسرائيلي” والتي يرتبط مشروعها في المنطقة ببقاء أمريكا قوة عظمى، فإذا انهارت الولايات المتحدة أو تراجعت للخلف، فإن الاحتلال الإسرائيلي لن يقوى على البقاء، وسيتتفكك من تلقاء نفسه. وتمت بروزة هذا المشهد العبثي، باختيار بينامين نتناهيو ليكون أول قيادة يستقبلها دونالد ترامب في البيت الأبيض بعد توليه السلطة، وما أعقبها من تصريحات فجة تتحدث عن ضرورة استقبال مصر والأردن مواطني غزة، تمهيدًا لإخلاء القطاع رغبة في إنشاء منتجع للأثرياء يكون تحت يد الولايات المتحدة، إذ إن غزة من وجهة نظر ترامبية أصبحت كومة من التراب والهدد ولا تصلح للمعيشة، هذا بالإضافة إلى ضرورة ضم إسرائيل الضفة الغربية. ليجد العالم نفسه وعلى جميع المستويات أمام محتال كبير يستضيف محتالًا آخر، يخططان لعملية سرقة وتطهير عرقي على الهواء مباشرة، كأن العالم بشعوبه العريقة خريطة صماء بلا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل. التصريحات الترامبية تشير بالخطر المحقق، الذي لا يحتمل السكوت أو الخضوع أو حتي التلكؤ في أخذ القرارات من جانب المجتمع الدولي من ناحية، ومن جانب المنطقة العربية على الناحية الأخرى، فخيوط اللعبة كاملة لم تعد في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وما صلح في الماضي لن يصلح حاليًا وسط تنامي وعي الشعوب والتفافها حول قياداتها، وما أحدثته الآلة الأمريكية الإسرائيلية من جرائم في قطاع غزة زلزلت من وعي المجتمع الدولي تجاههم، ورتبت بعناية الصورة الحقيقية للنازين الجدد الذين يكرهون العرب والمسلمين ويعدونهم العدو الحقيقي الذي ينبغي إزالته وسحب أراضيهم الغنية والوفيرة بالخيرات، فترامب لم يُخفِ ذلك بل قاله مرارًا وتكرارًا في أحاديثَ سابقةٍ قبل توليه السلطة. فالرجل الفذ شبّه إسرائيل وضآلة حدودها بسن قلم على مكتبه الواسع في البيت البيضاوي. ومن ثم الدول العربية أمام منعطف تاريخي، يجب فيه الانتباه جيدًا والتوحد على أهداف قومية قوية، وأيديولوجيات ترتكن للقوة وليس شيئًا أخر أمام هذه الهمجية الترامبية، فالتصريحات لن تثني هذا الرجل عن مخططاته وإداراته التابعة، ولكن الأمر يتعلق بالمصالح الأمريكية في المنطقة وكيفية تهديدنا لها كعرب بالطرق السياسية والاقتصادية والعواقب الوخيمة التي يمكن أن تتعرض لها إذا ما تم تمرير هذه المخططات. كما أن تحرك المجتمع الدولي الحالي والرافض في الأساس لسياسات ترامب، يجب استغلاله لصالحنا ودعوة الأمم المتحدة لاجتماعات عاجلة، وإجراء رحلات للقيادات السياسية للدول العظمى للتوافق على اتجاهات محددة أمام هذا الطاعون الترامبي الذي يهدد السلم والأمن الدوليين، ولا شك أن هذه التوافقات يجب أن تحددها لغة المصالح ولا غير، فالعالم ليس جنة الله في الأرض، والجميع يبحث عن مصالحه الاقتصادية قبل كل شىء. فالدولة المصرية تؤدي ما عليها في التوقيت الحالي من تحركات محمودة للقيادة السياسية تجاه هذه السياسات، بل إن مصر عطلتها قبل تنصيب ترامب نفسه، برفض خطة التهجير لسكان قطاع غزة رغم جميع الضغوط التي مورست، وقد نجحت القيادة السياسية في ذلك وتسطر هذا النجاح بصمود الشعب الفلسطيني وزحفه التاريخي من جنوب القطاع للشمال حيث ما زال الرهان الأول للقضية الفلسطينية هو الشعب الذي يجهل ترامب وأعوانه تاريخه النضالي وجيناته التي لا تعرف الاستسلام، ولنا في مشاهد تسليم الرهائن الإسرائيليين ألف دليل. خيوط اللعبة نُسجت، ومن ثم يجب أن نتقنها، فأوروبا حاليا والصين وروسيا، خطوا خطواتهم الأولى تجاه ممارسات الإدارة الأمريكية، وسيردون بالمثل وسيصعّدون خلال الأيام المقبلة، وعلى طريقتنا العربية يجب أن نتعامل مع هذا الاستبداد الأمريكي بكل مقوماتنا وقدراتنا التي يغذيها تنوع ثقافتنا وقدرات شعوبنا اللا محدودة، وذلك بخطوات جادة تنطلق أولًا من فهمنا لطبيعة هذا الرجل، الذي يحب الاستعراض سواء بالتصريح أو المال أو الصورة أو حتى الرقص أحيانا أمام الكاميرات. فإذا كانت هناك لُعبة يُتقنها ترامب، فهي لعبة جذب الانتباه وتوجيه الرأى العام لغير ما يرغب في تحقيقه، فوراء تصريحاته دائمًا لعبة أخرى تقام في الخفاء، وهذه الطريقة تخضع لها المبالغة في التصريحات والحديث عن أحلام وطموحات سياسية واهية وفارغة من مضمونها مغلفة بالكثير من الفانتازيا، للوصول لخطوة ممنهجة وترك الخصم يقدم بعض التنازلات المرضية، وهو ما يجب أن ننتبه له جيدًا بعدم ترك فرصة لأى حلول وسطية، وقد بدا في قدر كبير من التصريحات للدولة المصرية والأردن والسعودية أنهم كاشفون مدى حجم البالونة الترامبية التي تم إلقاؤها على المنطقة. فهؤلاء، وأقصد هنا ترامب وأعوانه، عمَّ يتحدثون؟ فكيان الاحتلال الإسرائيلي يتواجد في منطقة منبوذا من كل أطرافها باعترافات قياداتهم، وما زالوا يتحدثون عن تطبيع علاقات مع الدول العربية، وهم في الوقت نفسه يمارسون كل أشكال الجرائم العنصرية والإنسانية في حق شعب أعزل، كما أنهم أصبحوا منبوذين في العالم أجمع، وليس المنطقة فقط، بعد الجرائم التي تمت ممارستها، والتي استنكرتها أغلب الدول وواجهوها بدعوات محاكمة دولية أمام المحاكم من دول مثل جنوب أفريقيا وانتقادات واسعة من دول أوروبية ولاتينية وغيرها. وهنا أصبح العرب في حاجة ماسة لإعادة ترتيب أوراقهم وفق المعطيات الجديدة، وأن يدركوا أن وحدتهم اليوم- من دون شعارات- هي مسألة وجودية لهم جميعاً، خاصة بعد أن ضعفت أغلب الدول العربية وأنهكتها الصراعات وأصبحت بمثابة فريسة سهلة للعدو الصهيوني الذي ما زال يجدد حلمه المستحيل ببناء دولته من النيل للفرات. فهذا لبنانُ أصبح منهكًا تمامًا وفي مرمى صواريخه، وهذه سوريا التي تسلمها «الشرع» وأعوانه، في إطار صفقة كبرى، قد تظهر عناصرها مستقبلا إذا ما أعلنت حكومة الأخير رسميا استعدادها لاستقبال الفلسطينيين في أراضيهم! ناهيك عن ليبيا والعراق والسودان واليمن وغيرها، لذا من تبقي من قواتنا العربية ومن دولنا التي ما زالت متماسكة لا بد أن تتحد، معاً، اتحادًا حقيقيًّا، أمام هذا العدو الغاشم، وهذا الرئيس المتغطرس الذي يقود واشنطن ويقف بكل قوته خلف الحلم الصهيوني القائم على الاستبداد والاستيطان وتكوين شرق أوسط جديد يحقق أهدافهم، وهذا سيظل بعيدًا عن متناولهم ونطاق قوتهم مهما بلغوا من قوة، بإذن الله. ورُبَّ ضارةٍ نافعة، فهذا الترامبي نجح خلال أيام معدودة في توحيد الكثير من الصفوف العربية على أهداف مشتركة، وبنت تصريحاته السوداء جدارًا كبيرًا من الوعي لدى الكثير من المجتمعات العربية، خاصة في مصر، الأمر الذي يمكن رصده على منصات التواصل الاجتماعي في الكثير من المنشورات التي تبعث على الهمة، وتعبر عن الإرادة المصرية القوية والتفاف الشعب حول القيادة السياسية أمام هذه المخططات العبثية. وتظل مصر الركن الحصين ومنبع القوة للمنطقة العربية، وستكون الدرع الحامية لها أمام هذه السياسات، فاللعبة لا تزال في بداياتها ولا توجد صفارة تعطي إشارة النهاية. حفظ الله مصر ومنطقتنا العربية وشعوبها.. وأنعم علينا بالسلم والخير. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/prfy الرئيس الأمريكيالصراع العربي الإسرائيليالولايات المتحدةترامبدونالد ترامب