أنجزت الهيئة العاملة للرقابة الماليه في العمل على تدشين سوق الكربون الطوعي، والخروج به من الحيز المحلي والإقليمي ليكون واحداً من التجارب التي يمكن أن تستخدمها مُختلف الدول، إلى جانب توحيد جهود الهيئة مع تلك التي اضطلعت بها الاقتصادات المتقدمة لدفع الجهود الرامية إلى تحقيق الحياد الكربوني على مستوى الكوكب بما يحقق الاستقرار المطلوب.
ويلعب قطاع التأمين دورًا محوريًا في دعم هذا السوق، وهذا ما أكده خبراء التأمين مشيرين إلى أن دور القطاع في ذلك يتمثل في سعي العديد من شركات التأمين إلى تحقيق الحياد الكربوني في عملياتها، وهو ما يدفعها للاستثمار في أرصدة الكربون الطوعية لتعويض انبعاثاتها الناتجة عن أنشطتها اليومية، بجانب توفير التغطيات التأمينية اللازمة لذلك.
خالد القليوبي: الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي تشكل تحديًا كبيرًا لشركات التأمين
قال خالد القليوبي، مدير عام التأمينات الهندسية والأخطار الخاصة بشركة إسكان للتأمين، إنه في ظل التغيرات المناخية المتسارعة التي تشهدها الأسواق العالمية، تتزايد أهمية الحلول المبتكرة لمواجهة هذه التحديات، ومن بينها أسواق الكربون الطوعية، موضحًا أن هذه الأسواق تتيح للشركات والأفراد فرصة شراء أرصدة كربون بهدف تعويض انبعاثاتهم الكربونية ودعم مشروعات تقلل الغازات الدفيئة، مثل زراعة الغابات واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، منوهًا عن دور قطاع التأمين في ذلك.
وأضاف أن الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي تشكل تحديًا كبيرًا لشركات التأمين، حيث يؤدي ارتفاع وتيرة الأعاصير والفيضانات والجفاف إلى خسائر مالية ضخمة، مشيرًا إلى دور أسواق الكربون الطوعية في تمويل المشروعات التي تسهم في الحد من انبعاثات الكربون وتخفيف آثار التغير المناخي على المدى الطويل، مما يساهم في تقليل المخاطر المناخية التي تواجه قطاع التأمين.
وحول الحياد الكربوني لشركات التأمين، أشار القليوبي إلى أن العديد من شركات التأمين تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني في عملياتها، وهو ما يدفعها للاستثمار في أرصدة الكربون الطوعية لتعويض انبعاثاتها الناتجة عن أنشطتها اليومية، مضيفًا أن هذا التوجه لا يدعم فقط استدامة الشركات، بل يعزز سمعتها ككيانات مسؤولة بيئيًا واجتماعيًا.
وتابع “تشهد صناعة التأمين تطورًا ملحوظًا في تقديم منتجات جديدة مرتبطة بالكربون الطوعي؛ فعلى سبيل المثال، بدأت بعض الشركات بتوفير تغطيات تأمينية لحماية الاستثمارات في مشروعات خفض الكربون أو لضمان استمرارية هذه المشروعات، كما أن هذه الابتكارات تسهم في تعزيز الثقة بين المستثمرين وتحفيز المزيد من التمويل للمشروعات البيئية”.
ونوه أنه يمكن أن تلعب شركات التأمين دورًا محوريًا في تشجيع العملاء على تبني ممارسات مستدامة، حيث تقدم الشركات تخفيضات في أقساط التأمين للعملاء الذين يستثمرون في أرصدة الكربون الطوعية أو يعتمدون حلولًا تقلل من انبعاثاتهم.
وعن التحديات والفرص، أوضح القليوبي أنه رغم هذه الفوائد، تواجه أسواق الكربون الطوعية تحديات كبيرة، أبرزها غياب التنظيم الكافي في بعض المناطق وصعوبة تقييم أرصدة الكربون بشكل دقيق، كما أن هذه التحديات تمثل أيضًا فرصة لشركات التأمين لتقديم ضمانات وتغطيات تأمينية تقلل من مخاطر الاستثمار في هذا القطاع الواعد.
وقال إن التعاون بين أسواق الكربون الطوعية وسوق التأمين يمكن أن يشكل نقلة نوعية في مواجهة التغير المناخي؛ فمن خلال هذه الشراكة يمكن تمويل حلول مبتكرة تقلل من المخاطر المناخية، وتحفيز المزيد من الشركات والأفراد على تبني ممارسات صديقة للبيئة، مما يضع العالم على طريق أكثر استدامة وأمانًا.
وتابع “بهذا، يبدو أن الكربون الطوعي ليس مجرد وسيلة لتعويض الانبعاثات، بل هو عنصر أساسي في معادلة الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وشريك قوي لسوق التأمين في مواجهة تحديات المناخ”.
وليد سيد: يجب الإطلاع على التجارب الإقليمية والعالمية لتوفير المنتجات والتغطيات التأمينية الملائمة لسوق الكربون
ومن ناحيته قال وليد سيد مصطفى، خبير التأمين الاستشاري، إن العام الماضي شهد بالفعل إطلاق أول سوق منظم لشهادات خفض الانبعاثات الكربونية الطوعية في مصر، والذي شهد تنفيذ عدد من الصفقات وبالتالي ما ترتب عن ذلك من تخفيض أطنان من الكربون.
وأضاف أن أسواق الكربون تعتبر أداة هامة لتسعير الانبعاثات الكربونية وتحفيز الشركات على تقليل بصمتها الكربونية يساعد على تحسين المناخ العام فى ضوء التغيرات المنتهية بمصر والعالم أجمع وتحسين الظروف البيئية وبالتالي المعيشية، كما أنه يسهم في تعزيز الاستثمارات في مجال مشروعات الطاقه البديله منخفضة الكربون وبالتالي دعم التحول إلى الاقتصاد الاخضر والذي يعد من التوجهات العالمية والتي ستلقي بأثرها الإيجابي على الدول التي تعاملت مع هذا الملف بالجدية والإيجابية المطلوبة.
وأشار إلى ضرورة سعي شركات التأمين للإطلاع على التجارب في الأسواق الإقليمية والعالمية لتوفير المنتجات والتغطيات التأمينية الملائمة لسوق الكربون وكذلك شروط هذه الوثائق والتغطيات، وتشجيع العملاء الداعمين لهذه السوق من خلال وضع مزايا تسعيرية وتكلفة منخفضة.
محمد الغطريفي: القطاع يدعم تحفيز الاستثمار بسوق الكربون ويحمي شركاته من تقلبات الأسعار
ومن جهته قال محمد الغطريفي، الوسيط التأميني، إن سوق الكربون هو آلية اقتصادية تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يتم تداول حقوق انبعاث الكربون، ويتم تحديد سقف لانبعاثات الكربون، وتُمنح الشركات حقوقًا (أو أرصدة كربونية) تسمح لها بإصدار كمية معينة من الانبعاثات. إذا أصدرت شركة انبعاثات أقل من حصتها، يمكنها بيع الفائض لشركات أخرى تحتاج إلى المزيد من الحقوق.
وأشار إلى أن سندات الكربون هي أدوات مالية تُستخدم لتمويل مشاريع تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون أو إزالة الكربون من الغلاف الجوي، مثل مشروعات الطاقة المتجددة أو التشجير. هذه السندات تُعد وسيلة للمستثمرين لدعم التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون مع تحقيق عائد مالي.
وحول دور التأمين في سوق وسندات الكربون، أوضح الغطريفي أن القطاع له دور محوري في دعم وتطوير سوق الكربون وذلك من إدارة المخاطر حيث توفر شركات التأمين تغطية للمخاطر المتعلقة بالمشاريع البيئية (مثل فشل المشاريع الممولة عبر سندات الكربون)، كما تساعد في تأمين البنية التحتية للطاقة المتجددة، مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية.
وأشار إلى دور القطاع في تحفيز الاستثمار بسوق الكربون، حيث تساعد أدوات التأمين في تعزيز ثقة المستثمرين في سندات الكربون والمشاريع المرتبطة بها، مما يسهم في زيادة التمويل لهذه المبادرات، كما يوفر القطاع حماية الشركات من تقلبات الأسعار؛ فسوق الكربون عرضة لتقلبات الأسعار بسبب السياسات البيئية والتغيرات الاقتصادية؛ ولكن يمكن لشركات التأمين تقديم منتجات تغطي الشركات من مخاطر تقلبات الأسعار في السوق، بجانب توفير الشركات تغطيات للكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي بما يمكن أن تؤثر على مشاريع الحد من الكربون، وتوفير التأمين تغطية لهذه الكوارث يضمن استمرارية المشاريع.
وأشار إلى أن قطاع التأمين يساهم في تشجيع الابتكار من خلال تقديم منتجات مخصصة لمشاريع الاستدامة، مما يعزز من فرص نجاح هذه المشاريع.
وأكد في ختام حديثه على أن التأمين يلعب دورًا استراتيجيًا في تطوير سوق الكربون وسنداته من خلال إدارة المخاطر وتحفيز الاستثمار، مما يعزز من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي وتحقيق اقتصاد منخفض الكربون.
محمد صلاح: 5 توصيات ضرورية لتفعيل دور القطاع ويجب الاستفادة من المبادرات العالمية
ومن جهة أخرى قال محمد صلاح منصور، باحث في التنمية المستدمة في معهد التخطيط القومي، إن قطاع التأمين المصري شريكًا محوريًا في دعم سوق الكربون الطوعي وتعزيز التحول نحو الاستدامة، وبدعم جهود اتحاد شركات التأمين والشراكات الدولية والمحلية، يمكن لمصر أن تصبح نموذجًا عالميًا في تسخير التأمين لتحقيق الاقتصاد الأخضر وأهداف التنمية المستدامة.
ونوه أنه في ظل التحولات الاقتصادية والمناخية العالمية، بات سوق الكربون الطوعي أداة مبتكرة لتقليل الانبعاثات الكربونية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ومع تبني مصر لهذا التوجه، يلعب قطاع التأمين المصري دورًا محوريًا في دعم وتطوير هذا السوق، من خلال إدارة المخاطر البيئية وتعزيز ثقة المستثمرين، بجانب قيام الاتحاد المصري للتأمين بدور رئيسي في تنظيم القطاع وتقديم حلول مبتكرة تتماشى مع الجهود الوطنية والدولية لمواجهة التغيرات المناخية.
وحول فرص السوق المصرية، أوضح صلاح أن مصر تمتلك إمكانات كبيرة لتطوير سوق الكربون الطوعي عبر مشروعات متنوعة مثل التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية)، ومبادرات زراعة الغابات واستعادة المناطق المتدهورة، ودعم التحول إلى الزراعة المستدامة، مع التزام مصر بالاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد الأخضر، وكذلك مبادرات الحكومة مثل مشروع الهواء النظيف المدعوم من البنك الدولي لخفض انبعاثات الكربون في القاهرة الكبرى ومشروعات الهيدروجين الأخضر التي بدأت مصر تنفيذها مؤخرًا.
ولفت إلى أن هناك بعض التحديات التي تواجه مصر للتوسع في هذا السوق، ومنها ضعف الوعي حول سوق الكربون الطوعي، وكذلك غياب إطار تنظيمي واضح لتنظيم السوق.
وحول دور قطاع التأمين المصري في دعم سوق الكربون الطوعي، أشار إلى أن دور القطاع يتمثل في إدارة المخاطر البيئية من خلال تقديم تغطيات تأمينية مخصصة لحماية مشاريع الكربون الطوعي، مثل التأمين ضد الكوارث الطبيعية (حرائق، سيول)، وحماية مشروعات الطاقة المتجددة من المخاطر التشغيلية.
وأضاف أن القطاع يعمل أيضًا على تعزيز ثقة المستثمرين من خلال توفير الحماية التأمينية للمشروعات البيئية بما يشجع المستثمرين المحليين والدوليين على ضخ الأموال في هذه المشاريع، بجانب تصميم منتجات تأمينية مبتكرة، حيث أن تطوير بوالص تأمينية تستهدف حماية أرصدة الكربون الناتجة عن المشاريع، مع تقديم تعويضات مرتبطة بمؤشرات المناخ (Parametric Insurance).
وتابع “يلعب قطاع التأمين دورًا محوريًا في دعم التحول نحو الاستدامة من خلال تقديم حوافز تأمينية للشركات التي تتبنى استراتيجيات خفض الانبعاثات أو تستثمر في سوق الكربون الطوعي”.
وعن دور الاتحاد المصري للتأمين في دعم هذا الدور للقطاع لتشجيع مشروعات سوق الكربون الطوعي، نوه صلاح أن الاتحاد يقوم بالتنسيق بين شركات التأمين حيث يعمل الاتحاد كمنصة لتنسيق الجهود بين الشركات الأعضاء، بجانب إطلاق مبادرات بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة لدعم مشاريع الكربون الطوعي.
وأكد على دور الاتحاد في التوعية والتثقيف، وذلك من خلال قيادة حملات توعوية تستهدف زيادة وعي المستثمرين بأهمية سوق الكربون الطوعي، مع تثقيف شركات التأمين حول تطوير منتجات مخصصة لهذا السوق، وكذلك إطلاق برامج تأمينية متخصصة عبر تطوير برامج تأمينية جماعية تستهدف تمويل وحماية المشاريع البيئية، ودعم إنشاء صناديق تأمينية موجهة لمبادرات الاستدامة.
وأشار إلى دور الاتحاد في تعزيز الشركات مع المؤسسات والمنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والبنك الدولي لتطوير حلول تأمينية مبتكرة تخدم السوق المصرية.
واستعرض صلاح بعض التجارب والنماذج العالمية الملهمة، ومنها تجربة Swiss Re حيث قامت بتأمين مشاريع الغابات في إفريقيا، مما عزز استدامة هذه المشاريع، موضحًا أنه يمكن تطبيق نموذج مماثل في مصر لتأمين مشاريع زراعة الغابات واستعادة الأراضي المتدهورة.
وأشار إلى مبادرات البنك الدولي لدعم إنشاء أسواق كربون طوعية في دول مثل كينيا وغانا بالتعاون مع شركات التأمين، كما يمكن لمصر الاستفادة من هذا النموذج لتطوير سوقها الخاص، كما استعرض التجربة الكندية في بريتيش كولومبيا حيث قدمت الحكومة تغطيات تأمينية لمشاريع زراعة الغابات بالتعاون مع شركات التأمين، مما عزز الاستثمارات البيئية، وهذا النموذج يمكن أن يلهم مصر لتطبيق سياسات مشابهة.
وحدد صلاح 5 توصيات لتفعيل دور قطاع التأمين المصري في دعم سوق الكربون الطوعي، وتتمثل هذه التوصيات في تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة، بجانب التنسيق بين اتحاد شركات التأمين، الحكومة، والمستثمرين لدعم مشاريع سوق الكربون الطوعي، وإنشاء صناديق تأمينية بيئية، وكذلك إطلاق صندوق وطني برعاية اتحاد شركات التأمين لدعم المشروعات البيئية وتعويض المخاطر، بجانب التطوير التكنولوجي عبر استخدام تقنيات مثل “البلوكتشين” لتتبع أرصدة الكربون وضمان الشفافية، وتطوير التشريعات والتنظيم من خلال صياغة إطار قانوني يحفز التكامل بين التأمين وسوق الكربون، بالإضافة إلى التدريب وبناء القدرات عبر تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لشركات التأمين لتطوير منتجات مبتكرة.
وحول إنشاء مجمعة لتأمين الاخطار الطبيعية، قال صلاح إن إنشاء مجمّع تأمين للمخاطر الطبيعية يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز مرونة الاقتصاد المصري أمام التحديات المناخية والطبيعية؛ ومن خلال التعاون بين الحكومة، شركات التأمين، والجهات الدولية، يمكن تحقيق نظام تأميني متكامل يساهم في حماية الأفراد والمجتمع ودعم التنمية المستدامة.