التوسع في المدن الذكية والتمهيد للجيل الخامس أبرز ركائز تعظيم صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات

تولي الدولة المصرية اهتماما ملحوظا خلال السنوات الأخيرة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، باعتباره إحدى الركائز الأساسية لاستراتيجية التطوير وإعادة الهيكلة التي تنتهجها الدولة خلال الفترة الراهنة وخطة تحديث وابتكار ونقل الدولة من المرحلة التقليدية في عملياتها اليومية إلى إدخال التكنولوجيا فى جميع تعاملاتها سواء على صعيد الاتصالات ونقل البيانات أو الترابط بين باقي القطاعات المختلفة.

وفي ظل الإدراك الكامل بأهمية توجيه المزيد من الاستثمارات لتحقيق التحول الى مجتمع رقمي متكامل، كثفت الدولة استثماراتها بهذا القطاع من خلال إطلاق مبادرة «مصر الرقمية» وتخصيص الدولة استثمارات مستهدفة فى العام المالي 2022/2023 بحوالى 22.8 مليار جنيه بنسبة نمو تصل إلى 22٪.

وعلى غرار ذلك تصدّر القطاع القائمة الأكثر نموًا على مدار السنوات الثلاث الماضية، مسجلًا نموًا بواقع 16.3% فى العام المالى 2021/2022 ليصبح الأعلى نموًا بين قطاعات الدولة المختلفة، مقارنة بالعام المالى الذى يسبقه والذي بلغ معدل النمو خلاله نحو 16.1%؛  فيما بلغ معدل نمو القطاع فى العام المالى 2019/2020 نحو 15.2%، كما جاء قطاع الاتصالات فى المقدمة من حيث عدد الصفقات وقيمتها فى إطار نشاط الاستحواذ والاندماج بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال النصف الأول من عام 2022.

وفي ظل هذه التطورات، رصد بعض محللي بنوك الاستثمار أبرز السيناريوهات المتوقعة لأداء القطاع خلال العام المقبل، وأهم العوامل الداعمة لتعزيز النمو، إضافة إلى الخطط المتوقع أن تعتمد عليها الشركات في مواجهة التقلبات والتغيرات الأخيرة على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري والحفاظ على حصتها السوقية سواء من خلال تقديم المزيد من الخدمات للعملاء الحاليين واستقطاب شريحة جديدة، مع التركيز على تنويع استثماراتها وتوسيع نشاطها في بعض المجالات الأخرى لا سيما قطاع الخدمات المالية غير المصرفية.

وتوقع المحللون أن يسهم إنشاء المدن الذكية الجديدة وإدخال شبكات الجيل الخامس، في تعزيز معدلات نمو القطاع، بالتزامن مع تنفيذ الحلول اللازمة لمضاعفة حجم هذه الصناعة بصورة مطردة؛ لكي تكون قاطرة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة في مصر.

زيادة حدة المنافسة

برايم: اللجوء لرفع أسعار الخدمات وتنويعها سبيل الحفاظ على قاعدة العملاء الحاليين واستقطاب جُدد

قال عمرو الألفي، رئيس وحدة البحوث ببنك الاستثمار برايم، إن قطاع الاتصالات يمثل الركيزة الأساسية لأي  بلد في عملية التطور والتقدم، وهو ما عملت عليه الدولة المصرية خلال الآونة الأخيرة عن طريق إدخال التكنولوجيا في جميع التعاملات اليومية والمؤسسية للأفراد في إطار خطة التحول إلى منظومة رقمية تساعد الدولة في بناء بيئة استثمارية أكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والخارجية لما تتسم به من مرونة وتطور.

وأشار إلى ارتفاع استخدام التكنولوجيا فى جميع المجالات وزيادة عدد المستخدمين بجانب زيادة عدد الاتفاقيات المختلفة بين شركات الاتصالات خاصة المتعلقة بنقل البيانات بين مختلف الدول عن طريق الكابلات البحرية ما يعد خطوة كبيرة إيجابية لوضع مصر على الخريطة العالمية فى نقل البيانات باستخدام أحدث الأنظمة.

ورصد السيناريوهات المتوقعة لتعامل شركات الاتصالات مع ارتفاع التكلفة الاستثمارية خلال الوقت الراهن بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل بضغط تفاقم معدلات التضخم وتذبذب قيمة العملة أمام الدولار، متوقعًا لجوء الشركات إلى سبيلين، أولاهما عبر زيادة أسعار الخدمات المقدمة للمستهلكين وهو ما يتطلب موافقة الجهاز القومي للتنظيم والإدارة قبل رفع أي خدمة، ما يستغرق وقتا طويلا للحصول على الموافقات اللازمة، والطريقة الثانية تتمثل في تنويع الخدمات المقدمة على صعيد شركات المحمول أو نقل البيانات لمجابهة التكلفة الاستثمارية المرتفعة.

وأوضح أن شركات الاتصالات تعتمد بشكل كبير على الجانب التشغيلي في تقديم خدمات للمستهلكين وكونها سلعة محلية مستهلكة بين المتعاملين على عكس باقي القطاعات التي تعتمد على العملية التصديرية، لذلك تتمثل العقبة أمام شركات الاتصالات في التكلفة الاستثمارية للمشاريع والتي تعتمد على استيراد جميع الأدوات المختلفة من شبكات وأجهزة اتصال وهو ما يزيد من الأعباء النقدية على الشركات فى عملياتها التوسعية المختلفة.

نقلة نوعية

عربية أون لاين: زيادة الثقافة التكنولوجية للأفراد تشعل حدة المنافسة بين شركات الاتصالات

قال مصطفى شفيع، رئيس وحدة البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن قطاع الاتصالات شهد خلال السنوات الأخيرة

نقلة نوعية ساعدت بشكل كبير فى إحداث التنمية للاقتصاد المصري معتمدة على ثورة التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي الذي تسعى إليه الدولة ضمن رؤيتها 2030، وذلك على غرار التطور والاهتمام الدولي بالاعتماد على التكنولوجيا في المجالات كافة .

وأشار إلى أحدث البيانات الصادرة عن  الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات والتي كشفت عن وصول عدد المحافظ الإلكترونية التابعة لشركات المحمول إلى 21.6 مليون محفظة بزيادة قدرها 4% مقارنة بالربع الثاني خلال العام نفسه، وبلغ إجمالي عدد المعاملات الإلكترونية من خلال المحافظ الإلكترونية التابعة لشركات المحمول 124.6 مليون معاملة خلال الربع الثالث بزيادة قدرها 22% مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يبرهن على مدى سرعة النمو وزيادة ثقافة التوجه نحو التكنولوجيا الرقمية للمستهلكين، وعلى الجانب الآخر يشعل المنافسة بين الشركات من أجل تطوير وتحديث خدماتها لاقتناص أكبر عدد من المستهلكين بالسوق، سواء من خلال الحفاظ على قاعدة العملاء الحالية أو استقطاب شريحة جديدة.

وفي السياق نفسه رصد شفيع أبرز السبل التي لجأت لها شركات الاتصالات في الفترة الأخيرة للحفاظ على حصتها السوقية بالقطاع من خلال تعديل هويتها وهيكلها الإداري عبر استحداث أنظمتها وقدراتها البشرية والتشغيلية وتنويع خدماتها، مشيرًا لاتصالات مصر التي أطلقت في نهاية يونيو الماضي علامتها التجارية الجديدة «& e» وذلك في إطار تحول الشركة إلى مجموعة متكاملة تعمل على تمكين المجتمعات وتسريع وتيرة التحول الرقمي، بالتزامن مع تنفيذ عدد من الشراكات مع العديد من العلامات التجارية الكبرى في السوق المحلية بالقطاعات المختلفة، آخرها مع شركة المنيوز فى ضوء خطتها الجديدة لبحث سبل الاستثمار في أسواق ومجالات جديدة .

وعلى صعيد صفقة بيع حصة المصرية للاتصالات في فودافون مصر التي استقطبت اهتمام أطراف السوق خلال الأيام الأخيرة الماضية، قال شفيع إن شركة المصرية للاتصالات تعد محركا أساسيا في السوق المحلية للقطاع على الصعيدين المحلي والعالمي، لافتا إلى أن “حصتها  في فودافون مصر تعود عليها بأرباح مرتفعة، لذلك من الصعب أن تتخلى عن هذه الحصتة”، وفي حال إتمام الموافقة على بيع الحصة، يجب أن تحدد قيمة الصفقة إلى أي مدى سوف يتم توجيهها، هل من خلال ضخها فى ميزانية الدولة لجذب العملة الصعبة، أم توجيهها لاستثمارات الشركة، وهو ما يحدد مدى الاستفادة من إتمام تلك الصفقة على المدى البعيد.

توجهات الدولة

وتطرق محمد أنيس محلل الاقتصاد الكلي لسياسة الشركات الراهنة لمواكبة توجهات الدولة وخطتها لتنفيذ رؤية 2030 عبر التوجه نحو الاقتصاد المستدام والتحول للاعتماد على بدائل الطاقة النظيفة، مُشيرًا لمذكرات التفاهم المبرمة على هامش استضافة مؤتمر المناخ COP 27 بين كل من شركة فودافون مصر وأورنج مصر مع هيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة؛ للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل شبكتها، إضافة لاتفاقية التعاون المبرمة بين شركة اتصالات مصر مع شركة Amarenco Solariz Egypt  بهدف تحويل محطات المحمول لشركة اتصالات مصر للعمل بالطاقة الشمسية.

وأشار إلى ارتفاع مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتصنيع المنتجات الإلكترونية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي فى مصر 4.7% خلال العام المالى 2022-2021 مقارنة بنحو 3.2 % خلال العام المالى 2017 – 2018، ما يعزز جميع التوقعات الرامية لزيادة مساهمة القطاع مسجلًا أعلى معدلات النمو بالمدى القريب.

ولفت أنيس إلى أن صناعة التكنولوجيا المالية والشركات الناشئة تعتبر واحدة من القطاعات المستجدة بالسوق المصرية والتي تمتلك فرصا واعدة بالنمو لا سيما في ظل الاهتمام المحلي والدولي بها، باعتبارها المحرك الأساسي لاقتصاد الدولة، وهو ما يترجمه حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكيانات الناشئة في هذا القطاع  والتي ارتفعت من 190 مليون دولار في عام 2020 إلى 490 مليونا في عام 2021، مع توقعات رامية لارتفاعها إلى 850 مليون دولار بحلول نهاية العام الجاري 2022.

وأوضح أن صناعة تكنولوجيا المعلومات في مصر ما زالت تمتلك مساحة كبيرة للمنافسة بين الشركات وزيادة عدد اللاعبين في السوق، لا سيما فيما يتعلق  بسد حاجة الأنشطة التي تقوم بها الحكومة خلال الوقت الحالي خاصة بالتزامن مع خطة الانتقال الكامل إلى العاصمة الإدارية، لافتا إلى إستراتيجية الحوسبة السحابية الحكومية والتي تسعى لتحسين كفاءة الحكومة وأدائها، من خلال العمل على توفير المساحات التخزينية الکبيرة لاستيعاب أوعية المعلومات التقليدية، والإلکترونية على السواء، مما يساعد على تقديم القيمة المثلى من خلال زيادة الكفاءة التشغيلية والاستجابة بشكل أسرع للاحتياجات المتكاملة، موضحًا أن نموذج الحوسبة السحابية يدعم الوكالات الحكومية التي تعاني الحاجة لتوفير خدمات سريعة للغاية موثوقة ومبتكرة .

وفي ظل التقلبات الاقتصادية التي تفرض وطأتها على  القطاعات، قال أنيس إن شركات الاتصالات تستطيع أن تغطي تكاليفها الاستثمارية خلال الفترة المقبلة بدعم العوائد المتوقعة من عملياتها التشغيلية المختلفة، موضحًا أن الشركات تواجه خلال الوقت الحالي أزمات متعلقة بارتفاع المعدات التشغيلية لدعم خططها التوسعية بسبب ارتفاع سعر الدولار وزيادة أسعار العمليات الاستيرادية، إلا أن شركات الاتصالات سوف تحصل على عائد كبير من هذه العمليات فور الانتهاء منها بسبب زيادة عدد المستخدمين والمستهلكين للقطاع التكنولوجي والمعلوماتي وبالتبعية سوف يرتفع العائد المتوقع من هذه المشروعات الجديدة، ما يسهل من تقليل تكلفة الاستثمارية وبالتالي تحقيق الربحية على المدى المتوسط.