أعمده ومقالات الحياة فى الاستثناء بواسطة مصطفى حجازى 3 يونيو 2020 | 2:04 م كتب مصطفى حجازى 3 يونيو 2020 | 2:04 م مصطفي حجازي النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 21 ونستون تشرشل، الزعيم السياسى الأشهر فى تاريخ بريطانيا، قال متهكماً ذات يوم «إن الديمقراطية هى أسوأ شكل للحكم باستثناء كل أشكال الحكم الأخرى التى تمت تجربتها».. بل زاد فى نقده يوم خسر الانتخابات، وهو قائد النصر المؤزر، قائلاً «إن أقوى حجة ضد الديمقراطية هى محادثة قصيرة مع ناخب متوسط الثقافة»..! أكاد أجزم أن ذلك لم يكن رأى تشرشل وحده من دون أقطاب السياسة البريطانية الآخرين، من حزبى الحكم والمعارضة.. ولكن وإن بدا هذا رأيهم المستقر، لم ير دهاة السياسة هؤلاء سبيلاً آخر لاستقرار المجتمع- قبل استقرار حكمهم- غير أن يمارس المواطن وعيه وحقه فى بعض حريته.. وعلى رأس تلك الحريات اختيار منهج حكمه والاحتساب على من يحكمه. عرف هؤلاء الحكماء أنه بغير القبول بالديمقراطية- ولو كراهة- تكون الحياة هى «حياة فى الاستثناء».. و«الاستثناء» فى شأن استقرار الأوطان مكلف. والشىء بالشىء يذكر.. فمصر بإرثها الديمقراطى القديم- ظاهراً- وإن مازالت فكرة الديمقراطية فيها مراوغة بائسة تائهة.. تتكرر فيها مقولة مشابهة ولكنها أكثر قسوة ومباشرة وتخصيصاً لحالنا كمصريين. ففى عام ١٩٥٤.. وإبان أزمة الفرسان الشهيرة، التى وصلت بها ثورة يوليو إلى مفترق طرق، إما «الديمقراطية والعودة للحياة النيابية والمدنية».. أو «الاستمرار تحت حكم الفرد باسم الثورة»..حين وُضعت الثورة والديمقراطية كطرفى نقيض.. وكأنهما اختياران ينفى أحدهما الآخر بالضرورة.. يذكر خالد محيى الدين، فى كتابه «والآن أتكلم».. أن جمال عبدالناصر قال فى اللقاء العاصف مع ضباط الفرسان «إن شعبنا لا يمكنه تحمل مسؤولية الحرية، وقد سبق للإقطاعيين أن اشتروا أصوات الناخبين».. وأردف ناصر قاطعاً: « إن الشعب الذى لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية الحرية، لا يمكنه أن يستمتع بالحرية». نعم قالها جمال عبدالناصر وآمن بها وأسس لها، وهو أبرز من حمل هَم القضايا الكبرى لهذا الشعب.. وهو صاحب مقولة إن الشعب هو القائد والمُعلم..! وكى لا ننزلق نحو المنهج التقليدى الذى يزايد على مثل تلك المقولات بالمراوحة بين تطرفين.. فإما الإمعان فى تبكيت الشعوب والتدليل على قصورها وضعف أهليتها.. أو تمجيد الشعوب فى المطلق دغدغة للمشاعر ونفاقاً للعامة.. ومن باب الواقعية السياسية.. لا المثالية ولا الرومانسية السياسية.. دعونا نحمل مقولتى تشرشل وناصر- كُلا فى سياقها- على كون كليهما يحمل من الصواب ما لا يمكن التعمية عليه أو إنكاره بالكلية..! نعم.. قد يكون الناخب العادى محدوداً أو ضحل الثقافة.. قد يكون عرضة للتدليس تتنازعه الآراء والأهواء.. والناخب الفقير قد يحمله شظف العيش على أن يتنازل عن صوته ومستقبله لمن يساومه عليه أو يقهره عليه أو يشتريه منه..! إذا تلك هى معضلة الديمقراطية- كما يريدها البعض- بكل المباشرة دون تجميل أو تخفيف.. إنه وعى الناخب الغائب.. إنه فقدان الإرادة وتشوشها.. إنها التبعية العمياء خوفاً أو جهلاً.. ألا يريدها البعض كذلك؟!.. فليكن ولنرى..! ولكن لنذكر ببعض الحقائق فى مصر بالضرورة.. مادمنا فى معرض البراجماتية والمصارحة. أولا لم يكن الفيض الإعلامى ولا تلك المظاهرات المفبركة ( وفقا للكتاب ذاته)، والتى خرجت تهتف ضد الديمقراطية عام ١٩٥٤ هو ما انتصر لتوجه دعاة الديكتاتورية.. وحرم الشعب المصرى من مشاركة لائقة فى حكم نفسه.. مشاركة كانت كفيلة بحفظه من زلات وكوارث ما كانت لتحدث لو لم يغيب الشعب اختياراً أو قهراً.. ولكن ما كتب لذلك التوجه فرصة البقاء كان إرادة شعبية – يحدوها منطق – سمحت به وباركته حتى وإن كان معوجاً..! فلولا «طبقة وسطى» اكتوت بفساد بعض أحزاب ما قبل الثورة، فأعلنت ازدراء فكرة الحزبية بانفعال عاطفى أكثر منها تعقل ومنطق.. ولولا «فلاحين» أوشكوا أن يستمتعوا بثمار إصلاح زراعى.. جعلت كل كلمة أخرى غير كلمة الثورة تبدو ملتبسة حتى ولو كانت الحرية.. جعلت كل كلمة أخرى تعنى فقدان الأرض من جديد.. ولولا «عمال» تلمّسوا طريقا للحفاظ على بعض من الكرامة والمكتسبات.. لولا هؤلاء جميعاً لما كان للتوجه الضال – القائل بأننا شعب لا يقوى على الحرية ولا يستأهلها – أن يلتقط أنفاسه، ناهينا عن أن يسود.. لو قرر هؤلاء غير ذلك – كل كما ارتأى مصلحته – لاختلفت الأمور تماماً..! كل هؤلاء كان قرارهم بالانسحاب – من السياسة حتى حين – هو قرار مشاركة فى الحكم بالوكالة وعلى مشروطية الثقة فى رجل توسموا فيه ذلك وهو جمال عبد الناصر.. وكان ذلك بالعاطفة قبل العقل ولـ«جمال» لا لغيره. أيضاً التصور بأن انسحاب الناس – المؤقت والمشروط – من الشراكة هو انسحاب من الحياة.. هو تصور قاصر واهم..! فإن حوصرت قدرة الناس على الشراكة فى صناعة القرار.. بقيت قدرتهم على إجهاض أو إنفاذ ذلك القرار بين أصبعيهم.. ولكنها تحركت من خانة المسؤولية إلى خانة الفوضى..! لن يستقر مجتمع إلا على اتزان «مسؤولية أمام صلاحية».. أى «حق يقابله واجب».. وبقدر استطراق الحق أمام الواجب يتزن المجتمع ويهدأ.. أما سحب الحقوق والصلاحيات من الناس – قهراً أو استدراجاً- يخلق سكوناً حرجاً يغلف فوضى عارمة تغلى وهى مكتومة..! عودة مرة أخرى إلى تشرشل وصحبه.. لم يكن امتثال هؤلاء للديمقراطية من باب كونهم ملائكة أو بشرًا أسمى.. ولكن لكونهم بشراً أكثر واقعية كالمريض الواعى الذى يعرف أن فى مر الدواء حلو الشفاء. عرف هؤلاء أنه حتى ولو كانت السلطة بأيديهم، فإن حكم الشعب ماضٍ فيهم وفى إعطاء تلك السلطة معناها أو إجهاضها من كل معنى.. عرفوا أن الكبت والقهر قد يحاصر ظاهر الفوضى ولكنه أبداً لا يدرأها، بل ينشئها ويغذيها.. عرفوا أن التنازل المحدود عن بعض من مطلق السلطة تحت مراقبة وشراكة المجتمع، أقل مرارة وعنتاً من خطورة إنفاق الوقت والجهد فى التلفت والملاحقة واستعداء كل قطاعات الشعب.. عرفوا أنه لا سبيل لإطلاق طاقات الشعوب بغير ملكية لوطن.. ولا ملكية لوطن بغير شراكة فى تقرير حركة الحياة فيه.. ولو برمزية صوت فى صندوق انتخاب يأتى كل بضعة أعوام. الديمقراطية ليست منظومة ملائكية لا طعن فيها.. بل هى منظومة إنسانية مليئة بالمثالب والمطاعن.. ولكنها وهى كذلك، تبقى هى القاعدة العاقلة وغيرها هو الاستثناء والجنون. الديمقراطية ليست هدفاً لذاتها.. ولا الشراكة فى الحكم هدفًا لذاته.. ولكنهما أقل السبل فساداً وعنتاً وخطورة لتحقيق الهدف الأسمى.. «مجتمع مستقر عادل.. وطن ذو قدر.. وشعب آمن». فَكِّرُوا تَصِحُّوا.. نقلا عن المصري اليوم اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/2xqq