أعمده ومقالات الفرصة في قاع المحيط ! بواسطة دينا عبد الفتاح 31 ديسمبر 2019 | 4:09 م كتب دينا عبد الفتاح 31 ديسمبر 2019 | 4:09 م دينـا عبـد الفتــاح النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 15 في عالم ملىء بالصراعات الاقتصادية، والتنافس على الثروات أيا ما كانت، والعبور خارج الحدود للبحث عن فرصة في قاع المحيط !. يبدو أننا أمام صراع من نوع خاص يمكن أن يشار إليه ضمنياً بالحرب العالمية الثالثة. فالحروب التجارية حالياً تبدو أكثر شراسة لأنها تدفع دول نحو المجهول ببطء، وتنفذ سياسات الدول الأكثر قوة على ضعاف الدول وهي لا تحرك ساكناً أو حتى يكون عندك فرصة للتعليق. وفي أوضاع كهذه يجب على الدولة المصرية أن تضرب بأدواتها خارج الحدود، وتزرع معداتها ومنتجاتها في الدول المحيطة، فالمصالح والمنافع “قوة” أكبر من دانات المدافع في أوقات كثيرة، فلغة السياسة والاقتصاد تأتي فيها قبل وقوع الحرب لا بعدها ! وهذا التوجه يجب أن يتحوط داخلياً بتجربة الإصلاح الاقتصادي للدولة والتي نجحت فيها على كافة المستويات في ضبط السياسات المالية والنقدية والاستثمار على نطاق واسع في البنية التحتية، وبسياسات تؤمن بأن وضع خطط التقشف في ميزانياتنا وتدوير السلع لم تعد تجدي نفعاً في أوضاع اقتصادية عالمية تتحرك فيها دورة التكنولوجيا على قدم وساق وتشهد مرحلة تحول المشروعات الضخمة إلى مشروعات بالغة الضخامة. فالتفكير العقيم لن يجدي نفعاً في 2020، ولكن كيف تكون المحددات الرئيسية؟ يظل قطاع الخدمات هو الرهان الرئيسي لمصر ولكثير من الدول منذ بدايات الثورة الصناعية الثانية لمستوى تقدمها وتطور اقتصادياتها، حيث ساهمت خدمات السياحة والنقل والسفر والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتشييد والبناء والخدمات المالية في تطور التبادل التجاري وتحسن مستويات التصنيع وتنويع الإنتاج والابتكار، إضافة إلى الإسهام بقوة فى دفع عجلة التنمية المستدامة، وهذا الدور الكبير لم يعد محل خلاف بين الاقتصاديين كما كان عليه الوضع قبل سنوات. وتمكن قطاع الخدمات من تحقيق تطور كبير خلال السنوات الماضية، فوفقاً لتقرير منظمة التجارة العالمية 2019، بلغت مساهمة القطاع في الناتج العالمي 65% ترتفع هذه النسبة في الاقتصاديات المتقدمة إلى 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وتنخفض إلى 50% في الدول النامية التي تمتلك فرصاً كبيرة لتعزيز أداء هذا القطاع مستقبلاً. وعلى المستوى المحلي يُعد قطاع الخدمات الأبرز في تشكيل الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت أقصى قيمة لمساهمته 65% عام 1999، إلا أنه شهد تراجعاً حاداً في أعقاب 2011، وما تبعها من أحداث لتنخفض نسبته إلى 27%، وبدأ القطاع في استعادة عافيته ليسجل 37% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015، وتستهدف الدولة الوصول بمساهمة القطاع إلى 65% وفقاً لرؤية 2030. وفقاً لهذه الأرقام يبدو أننا أمام فرصة واضحة يجب اقتناصها والعمل عليها من كافة أجهزة الدولة، وتشكيل ما يسمى بـ”الهوية الجديدة” التي تحدد أننا دولة خدمات بالدرجة الأولى، حيث تتلائم مع معطياتنا وعناصر القوة التي نمتلكها من عنصر بشري وموقع جغرافي وأيضا تنوع وتوافق في السياسات مع عدد كبير من الدول الخارجية بما يسهل لنا المنافسة وغزو أسواقها . فالأيدلوجية الخاصة بالسياسة الخارجية التي نمتلكها حالياً تشكل باب مفتوح للتعامل مع الجميع وهذه ميزة نسبية يجب أن نحافظ عليها، وأن نستثمرها في تنظيم حملات تسويقية أكثر قوة تظهر عناصر قوتنا بشكل استثنائي. لكن ما ينقصنا حقيقة في هذا الملف هو “التكامل” والتحرك في موجات متتابعة بين كافة الأجهزة وشركاءنا من القطاع الخاص المحليين والأجانب، وأيضاً إحتياجنا الضروري إلى عملية تطوير في نوعيات الخدمات المقدمة من خلال “ربط الخدمة بجودتها”، ويظهر ذلك جلياً في قناة السويس التي عانت لسنوات طويلة من افتقادها للمقومات التي تؤهلها للمنافسة كمرفق حيوي يمكن أن يقدم خدمات لوجيستية وصناعية فائقة، وهو ما تعمل الدولة المصرية حالياً عليه عبر تنمية إقليم قناة السويس في الخدمات اللوجيستية للسفن والموانئ. وأيضاً كافة القطاعات الخدمية الأخرى تحتاج إلى “خطوة ثانية” للإنطلاق وتحقيق قفزات في معدلات نموها، والتي تنظمها اتفاقية الجاتس (GATS) الموقعة عام 1995، التي تضمنت تحرير تجارة 12 قطاعاً هي: خدمات قطاع الأعمال التجارية، التشييد والخدمات الهندسية، التوزيع، التعليم، البيئة، الصحة، السياحة والسفر، الترفيه والرياضة، الاتصالات، الخدمات المالية، الخدمات الاستشارية، والخدمات الأخرى القابلة للتسويق دولياً. ويمكنني صياغة مجموعة من المقترحات التي يمكن الاستناد إليها في تطوير قطاع الخدمات المصري ليصبح بوابة حقيقية لنمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات مرتفعة وتحقيق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد، فضلاً عن توفير المزيد من العملات الصعبة عن طريق تصدير الخدمات المقدمة. أولاً؛ لابد أن يبدأ التطوير بالنظر إلى الإطار التشريعي الحاكم سواء في الداخل أو الخارج، وهنا علينا إعادة النظر في القطاعات التي اختارتها مصر لتحريرها ضمن اتفاقية الجاتس، وهي قطاعات الخدمات المالية ، السياحة ، التشييد والبناء، والنقل، والإجابة عن تساؤل هام هو “هل مازالت هذه القطاعات الأجدر بالاستمرار في تحرير التجارة فيها أم نحن بحاجة إلى قطاعات جديدة؟” وذلك في ظل محدودية العوائد التي تحصل عليها مصر من تحرير بعض هذه القطاعات وخاصة قطاع التشييد والبناء. ثم يأتي النظر إلى الوضع التشريعي الداخلي والذي يحكم عمل منتجي الخدمات في الداخل وإعادة صياغة المحفزات فيه بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية، خاصة على صعيد نقل خدمات الاتصالات والتعهيد ودعم توجه شركات المقاولات للعمل في الخارج. ثانياً؛ لابد أن يتم تحديد جهة معينة تكون معنية بتنظيم تجارة الخدمات بين مصر والعالم، كما هو الحال في تجارة السلع، فلا يصح أن يكون لدينا فائضاً بنحو 10 مليارات دولار سنوياً من تجارة الخدمات دون أن تهتم الدولة بهذا القطاع وتضع عنه مسئولاً رئيسياً كمسئولية وزير التجارة والصناعة عن الصادرات السلعية بمختلف بنودها. وذلك لأن تنسيق الجهود بين المسئولين ومقدمي الخدمات والمروجين لها في الخارج سيمنحنا مزيد من القوة خاصة في اختراق الأسواق الجديدة التي يمكننا العمل بها مثل السوق الافريقي المتعطش لخدمات التشييد والبناء والسوق الأسيوي المتنامي في الخدمات السياحية وأسواق أمريكا الجنوبية التي تطورت تكنولوجيا. ثالثاً؛ صناعة الخدمات تعتمد بشكل كبير علي المورد البشري وليس رأس المال وبالتالي الاستثمار في هذا القطاع ونجاحه أمر مشروط بتوافر العمالة المدربة، وهنا ينبغي أن تتحول الدولة لدعم الشباب لاختراق هذه القطاعات خاصة أن سوقها أصبح أكثر اتساعاً على المستوى الدولي مقارنة بسوق تجارة السلع التي تواجه قيوداً كثيرةً على حركتها في ظل الحرب الشرسة بين الصين والولايات المتحدة والتي دخل إليها العديد من الأطراف. رابعاً؛ صناعة الخدمات ترتبط أكثر بالابتكار وريادة الأعمال، وتحتاج غالباً إلى رؤوس أموال بسيطة في البداية ومن هنا لابد من تيسير التمويلات المقدمة لرواد الأعمال والشباب الذين يمتلكون أفكاراً حدمية غير تقليدية، مع تقليص ضمانات هذه التمويلات ودعمها بشكل مباشر من الدولة لأكثر من عامل أهمها أن نسب نجاح هذه المشروعات قد تتساوى مع نسب فشلها بإعتبار أن أغلبها أفكار جديدة غير مقلدة ولا يمكننا دراسة مدى تقبل السوق لها من عدمه، والثاني عدم تخويف الشباب من التجربة باللوائح المتشددة والمصير الذي ينتهي إلى خلف القضبان حال عدم نجاح المشروع. ويمكن التغلب على هذه العقبة من خلال حاضنات الأعمال، والشركات الحكومية التي تدعم الأفكار الناشئة مثل المبادرة التي أطلقتها وزارة الاستثمار ولاقت نجاحاً كبيراً بعد الاقبال الكثيف من الشباب عليها وهي مبادرة “فكرتك شركتك”. كما يمكن الاعتماد على رجال الأعمال للعب دور في هذا الملف، خاصة وأن تمويل 10 أفكار ريادية في هذا القطاع الحيوي يمكن أن يولد نجاح فكرة أو أكثر وهذا سيحقق أرباحاً مضاعفة تتخطى بعشرات أو مئات المرات المبالغ التي انفقت على تمويل جميع الأفكار. علينا جميعاً أن نتحرك بمنطق جديد لنواكب هذا العالم الذي يتصارع كل أقطابه من أجل بيع السلعة، في حين أن مرور الخدمة مازال طريقه سهلاً وممهداً! اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/fk3n