أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح حتى لا نتخلف عن “الثورة الصناعية الرابعة”! بواسطة دينا عبد الفتاح 10 سبتمبر 2019 | 1:36 م كتب دينا عبد الفتاح 10 سبتمبر 2019 | 1:36 م دينـا عبـد الفتــاح النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 12 “تخيل أنك تستطيع بالفعل أن تجعل المستقبل اليوم مثل الأشياء الملموسة”، حيث يمثل التحول الرقمي اليوم الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها الدول في تحقيق التنمية المستدامة، والورقة الرابحة التي تراهن عليها في سباق التقدم والازدهار. وجاء انطلاق الثورة الصناعية الرابعة عام 2018 وفقاً للتقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بمثابة إعلان صريح لسباق رقمي عالمي، سيفرز متغيرات جديدة على صعيد الاقتصاد العالمي، . لذا وبعد انطلاق هذه الثورة أصبحت تطبيقات الرقمنة وإنهاء التعاملات التقليدية الورقية وغيرها بمثابة مطلب رئيسي لكافة الدول التي تبحث لنفسها عن الأفضل في مجتمع عالمي يتغير كل لحظة. وأصبحنا في مصر مطالبين باستغلال هذه الفرصة الاستغلال الأمثل حتى لا نتخلف عن ركب التقدم بمفهومه التكنولوجي الجديد ولا يسبقنا قطار الثورة الصناعية الرابعة، كما سبقتنا الثورة الصناعية الأولى التي اعتمدت على البخار، والثورة الثانية التي ارتكزت إلى الكهرباء، والثورة الثالثة التي اعتمدت على الحوسبة والكمبيوتر. الفرصة الحقيقية التي تمتلكها الدولة المصرية في هذه المرحلة، وكافة الدول الصاعدة والنامية، هي اختلاف متغيرات ونقاط القوة في الثورة الرابعة عن نقاط القوة في الثورات الثلاثة التي سبقتها. بمعنى أن الثورات الثلاثة السابقة كانت كل منها معتمدة على الأخرى، وكانت الدول التي حققت السبق في كل ثورة منها هي ذاتها الدول المؤهلة لتحقيق نفس السبق في الثورة التالية. وهذا المفهوم تغير بشكل كبير في الثورة الصناعية الرابعة التي قامت على الرقمنة والأتمتة، وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيفية الاستثمار في فرص التحول من الخدمات التقليدية إلى الخدمات الرقمية. وهنا يتطلب الاستثمار في هذه الفرص أفراد لديهم القدرة على المخاطرة، والحد المناسب من المعرفة التكنولوجية، وملكة بناء المشروعات الريادية وقيادتها للنمو. وهذه المتطلبات غير متوافرة في أفراد الدول المتقدمة فقط، ولكنها متواجدة أيضاً في شرائح كبيرة من شباب الدول النامية والصاعدة الذين يمتلكون درجات عالية من الطموح، وقدرة على المخاطرة لبناء مستقبل أفضل، ولكن قد يكون التمويل هو التحدى الأبرز أمامهم في ضوء انخفاض وسائل تمويل مثل هذه المشروعات الريادية في الدول النامية، وخاصة صناديق رأس مال المخاطر والمستثمرين الملائكيين، وغيرهم، وأيضا غياب الأفكار المبدعة لمشكلاتنا الحيوية التي تمثل فى نفس الوقت فرصة للاستثمار . ورأينا في السابق الكثير من التطبيقات والمشروعات التكنولوجية التي انطلقت على أيدي شباب من دول فقيرة، واستطاعوا أن يجمعوا مئات الملايين من الدولارات من ورائها، فالمسألة اليوم مرتبطة بالابتكار، وكيفية استثمار القدم التكنولوجي في تيسير حياة الناس، وتعزيز جودة الخدمات التي يحصلون عليها. وتعمل الدولة المصرية حالياً على تعزيز عملية التحول الرقمي وتوفير متطلباته، من خلال تهيئة البنية التحتية، وتطوير أدوات التشغيل المختلفة، ولكن مازال أمامنا الكثير في هذه العملية، ولم تكتمل مقومات نموها في مصر بشكل كامل. “فلاأدوارمؤثرة تأتي فجأة بمحض المصادفات السعيدة أو حتي التعيسة” !. ويمكنني ذكر مجموعة من المتطلبات التي ينبغي أن تتوافر بشكل كامل لدفع عملية التحول الرقمي في مصر ويأتي على رأسها ضرورة تعزيز الإنفاق الحكومي على البنية التحتية التكنولوجية، التي تضمن توفير أدوات الانتقال من الخدمات التقليدية إلى الخدمات الإلكترونية والرقمية، ويتم ذلك من خلال مراجعة وسائل الاتصال التكنولوجي في كل المؤسسات، وتطوير قدرات الوزارات والجهات المعنية وأهمها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهيئة تنمية التكنولوجيا، وغيرها. كما يجب أن تعمل الدولة على القضاء على ظاهرة الجهل الإلكتروني لدى العاملين في الدولة حتى يمكنهم طرح الخدمات الرقمية بالشكل المناسب، بما ييسر على الافراد من متلقي هذه الخدمات، فلا يمكن بناء نظام رقمي ليديره مجموعة من الموظفين الذين مازالوا يجدوا صعوبات كثيرة في التعامل مع الحاسب الآلي!. وتتطلب المرحلة أهمية تعزيز الوعي بالخدمات الرقمية والابتعاد عن المعاملات التقليدية لدى الجمهور المستفيد، فبالرغم من بلوغ مستويات الرقمنة لدرجة مناسبة في القطاع المصرفي المصري مقارنة بباقي القطاعات إلا أننا مازالنا نرى في أوقات «نزول المعاشات» الأفراد متكدسين على شباك الصراف، لعدم امتلاكهم الثقة الكافية للتعامل مع ماكينات الصرف الإلكتروني ATM، ولا شك أن هذا الوعي سيغير بشكل كبير من سير الحياة بشكل عام في مصر، والتعامل مع الأجهزة الحكومية على وجه الخصوص، كما سيمنح هذا الوعي حافزاً كبيراً للمشروعات الريادية الخاصة التي تقوم على مفهوم التحول الرقمي مثل شركات الدفع الإلكتروني والتطبيقات التكنولوجية المختلفة التي تقلص الكثير من الوقت والجهد نتيجة عملية الاتصال التقليدي. ويلزم على الدولة أن تتجه لبناء وصناعة جيل جديد من المستثمرين المبدعين القادرين علي استثمار الفرص وتحويلها إلى مشروعات ريادية لديها القدرة على النمو السريع المتواصل دون توقف، ويأتي ذلك من خلال تعزيز أساليب التعليم، وتطوير المناهج التعليمية المختلفة، واستقطاب الشباب للبرامج التدريبية المتطورة، والتوسع في المبادرات الحكومية الداعمة لفكرة الاستثمار الرقمي مثل مبادرة فكرتك شركتك التي تنفذها وزارة الاستثمار والتعاون الدولي وانتجت العديد من المشروعات الريادية الهامة في هذا المجال . وفي هذا الإطار لابد من القضاء على إشكالية التمويل التي تواجه «الأفكار المجنونة» المبتكرة التي لم يسبق تنفيذها، ولديها حظوظ عالية في النجاح والنمو حال تنفيذها، ولديها أيضاً احتمالات كبيرة نسبياً للفشل وإهدار الأموال التي انفقت عليها، وهنا نتوجه إلى ضرورة دعم صناديق رأس مال المخاطر، وضرورة دعم المستثمرين الملائكيين الذين يحبذون المخاطرة في مثل هذه المشروعات، ولديهم القدرة على الانفاق على 100 فكرة استثمارية من هذه الأفكار حتى تنجح منها فكرة واحدة فقط. ولعل تطبيق وموقع فيسبوك، الذي اجتاح العالم خلال العقدين الأخيرين من أهم الاسثمارات التي تم تمويلها من خلال الاستثمار الملائكي، حيث ساهم بعض المستثمرين الملائكيين في هذا المشروع لكي يخرج إلى النور وتمكنوا من جني أرباح طائلة بعد نجاحه وانتشاره عالمياً. وفي البداية وليس النهاية، ينبغي على الدولة أن تعلن عن كامل خطتها في تحقيق التحول الرقمي والتحول إلى الحكومة الذكية والانتقال إلى مجتمع بلا أوراق يحكمه الأتمتة والذكاء الاصطناعي، وتختفي فيه كافة وسائل التعامل التقليدي التي تجذبنا عقوداً طويلة للخلف وتهدد مسيرة التقدم الاقتصادي بشكل عام. فالإعلان عن هذه الخطة وبرنامجها الزمني سيكون بمثابة حافز رئيسي على ضرورة تأقلم الأفراد مع وسائل التعامل الذكي، وضرورة تقييد اللجوء إلى الخيارات التقليدية المتاحة أمامهم، كما أن الإعلان عن هذه الخطة سيمكن المستثمرين من تقسيم المرحلة القادمة إلى مجموعة من المراحل الفرعية التي يكون لكل منها الفرص الاستثمارية المناسبة، وأسلوب التعامل الأمثل معها، وهذا سيشجع بلا شك من الاستثمار التكنولوجي ويعظم من عائد عملية التحول الرقمي بصفة عامة في الاقتصاد. فعلى سبيل المثال إعلان الحكومة خلال العام الماضي عن موعد محدد لتفعيل السداد الإلكتروني لرسوم الخدمات الحكومية التي تزيد عن 500 جنيه، كان حافزاً كبيراً لظهور شركات الدفع الإلكتروني الجديدة، التي بنت فكرتها الاستثمارية على سوق استهلاكي متسع في المستقبل نتيجة التحول المنتظر لملايين المعاملات المالية الحكومية من شباك الحكومة إلى وسائل الدفع الإلكتروني التي تشارك فيها تلك الشركات بقوة. وفي طريقنا نحو هذا التوجه يجب أن نعي أن لكل عملية سلبياتها، وبالتالي لابد أن تدرس الحكومة بشكل مناسب سلبيات عملية التحول الرقمي، وخاصة تأثيره على الوظائف التقليدية، حيث أشارت تقارير عالمية إلى اختفاء حوالي 50% من الوظائف الحالية خلال السنوات العشر المقبلة نتيجة انتشار وتطور تقنيات الأتمتة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، وبالتالي لابد أن تعيد الدولة قراءتها لمسألة تخطيط القوى العاملة، وأن تضع سيناريوهات مناسبة لاستيعاب العمالة الضخمة التي من المتوقع أن تفقد وظائفها في المستقبل، أو أن تتخرج من البرامج التعليمية المختلفة وتبحث عن عمل في مجال تخصصه ولكن لا تجده! هذه المتطلبات بكل تأكيد ستعزز من وضع مصر على خريطة الاقتصاد العالمي، وستدعم بقوة من تواجد الدولة على خريطة المستثمرين، خاصة مع الثورة التنموية التي تشهدها الدولة حالياً، والتي بدأت تؤتي ثمارها علي مختلف المستويات والمؤشرات الاقتصادية مثل النمو والتشغيل والاحتياطي الأجنبي والاستثمار. فإذا لم يكن هناك مشروع حيوي ووطني للنهوض بالتحول الرقمي على كافة الأصعدة يصعب الرهان على أي مستقبل قريب أو بعيد . اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/4ke1