أعمده ومقالات مصر بواسطة مفيد فوزى 4 أغسطس 2019 | 10:24 ص كتب مفيد فوزى 4 أغسطس 2019 | 10:24 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 مصر ليست قطعة قماش ملونة تعلو هامات المصالح الحكومية كعلم يرفرف فوقها، مصر ليست أعلامًا صغيرة فى أيدى الشباب يلوحون بها فى مباريات المنتخب، مصر ليست نشيدًا نردده فى المناسبات، مصر أكبر وأعظم وأعمق، مصر هى ذلك العناق العبقرى بين المكان والزمان، مصر مهد الأديان، مهما اختلفنا نركع لإله واحد، مصر فى التاريخ لؤلؤة على مر الزمان، نيلها عريق يشق الوادى ويمنح النماء، شمسها الحانية تضىء سماءها وقمرها يونّس الأمسيات، مصر هى الأرض المستوية كطبيعة شعبها، إن صح أن الجغرافيا ترسم ملامح الشعوب وتضاريسها النفسية، مصر عرفت المستعمر وطردته، وعرفت الطامع فى ثرواتها وطردته، وعرفت الغزو الدينى وطردته. كم تَغنَّى بها الأبنودى وكم تَغزَّل صلاح جاهين فيها وكم دوَّن عبقريتها جمال حمدان، وكم شدَت أم كلثوم باسمها. يقول جاهين: ميت ألف فرصة / أسيب مصر / ولا عمرى سبتها.. وجدان المصريين مطبوع على حب مصر، راقب مصريًا خارج حدود البلاد يسىء إلى اسم مصر، سيُفتك به إربًا، حب البلد كيمياء غامضة فشلت معامل التحاليل فى نتائجها. إننا نحب تراب الوطن ونشمه ونلثمه ونسجد لحظة النصر ونُقبِّل الأرض بعد غيبة طويلة. يقول جاهين: علشان هى بلادى / بجد بحبها /بحبها بكدبها وصدقها.. مصر هى الحروف الثلاثة المتألقة بين دول العالم وشعوبه، ناسها بسطاء وفى سبيل اللقمة أدخلوا الفهلوة، ناس مصر مسالمون يكرهون العنف. وهَبتهم الطبيعة الجغرافية ذات الاستواء طبيعة خاصة، لكن أهل مصر يملكون صبر الجِمال ولؤم الثعالب والذئاب، تخرج الوحشية من مرقدها إذا اقتربت من رغيفه أو حوّلته إلى كم مهمَل أو دفعته إلى التخلص من حياته، إذا أمعنت فى إذلاله أو ضيّقت دائرة رزقه أو حرمته من حقوق يتمتع بها آخرون ساعتها لا يرى ويفقد البصر والبصيرة. يقول جاهين: بحب فيها أصالة وندالة أهلها.. بحب فيها السهر بحب زيفها وأصلها.. مصر عرفت فى قاموسها الحرب والمقاومة والتضحية والشهادة، هذا المصرى الأسمر حاد الملامح الذى يقف حارسًا على الحدود يواجه الموت مائة مرة، مصر ضحّت بالرجال من حفر قناة السويس إلى مذابح الاتحادية وإلقاء الأطفال من فوق الأسطح مرورًا بحوادث بحر البقر والاعتداء على الكاتدرائية. مصر ذاقت الضلال والتوهان وفقدان الهوية ليلة 25 يناير والأيام التى تلتها، مصر عرفت أيامًا وليالى غامضة، كُسرت فيها أبواب السجون وفُتحت الزنازين وخرج المساجين فارِّين، مصر انتظرت دور البطل القادم فوق دبابة كبرياء، تمسك باللحظة العبثية فى تاريخها، يوم قفز أعداء الحياة فوق المنصات وحكموا عامًا كان عام الهوان والخراب، حتى شاءت السماء أن تحمى البلد فظهر قائد جسور، الخوف ليس من أبجدياته، واقتحم أشرس المعارك وطلعت الشمس. يقول جاهين: بحب فيها طلعة الشمس تنوّر وشها بحب فيها القمر طالع يغازل حسنها بحب فيها المشى على شط نيلها وبحرها.. مصر، مرت بمراحل سياسية اختُبرت فيها معادن الرجال، مرت بمرحلة عبدالناصر ورفعته على الأعناق زعيمًا رغم النكسة وحرب اليمن والانفصال السورى، وفى الخلفية لم يكن جائزًا تحكّم العواطف فى سياسة بلد، وكان درسًا. مصر مرت بمرحلة السادات وأعطى بالرجال والعتاد النصر لمصر.. لكنه أعاد الإخوان من الثكنات لضرب الشيوعيين فقتلوه. مصر مرت بمرحلة مبارك 30 عامًا، عرفت مصر فيها الاسترخاء دون حروب ومحاولة جادة لبناء بنية تحتية رغم المغرضين. يقول جاهين: بحب فى مصر بناتها راسمين ملامح شعبها دى بنت مايصة وحاطّة وردة فى شعرها ودى بنت جد ونازلة جرى لشغلها.. مصر- زمن الإخوان- شعرت أنها تُطمس وتفقد ثوابتها ومجدها، كمَن لم يرَ اللحم، فتكوا بها حتى العضم، ويومها كره الشعب نفسه وكره الغازى باسم الدين. مصر الصمود، قادرة على حشد طاقتها المختبئة تحت جلدها، تلك عبقرية هذا الشعب الذى حاول د. سيد عويس أن يُحلِّله فقال: «أحتاج إلى مائة عام حتى أفهم سره وكنهه وجيناته». حاول د. مصطفى سويف أن يفهم مكوناته وكتب يقول: «عميق كالعجائز ويحمل جنون الشباب». حاول د. أحمد خليفة أن يفسر مكوناته فقال: «له ماض وله ذكاء وله دهاء وهو الشعب الطيب». يقول جاهين: حتلاقى فين بلد فيها الكنايس والجوامع بتحضن بعضها مسلم مسيحى اخوات راضعين طيبة من صدرها نبع الحنان ويناموا حاضنين أرضها.. مصر أحيانًا تظلم أبناءها، تُهمِّش بعضهم دون سبب، تكافئ الفهلوى لأنه طالع فى الصورة، ولكن الحس الشعبى يصل إلى مرحلة النضح حين تقول امرأة: «من ضيقى وضيق العيشة أدعى ع البلد وأكره اللى يقول آمين». يقول جاهين: هتقولِّى ظالمة حقولَّك برضو بحبها هتقولِّى ضالمة مهو ده سواد شعرها حتقولِّى زحمة علشان بنعشق أرضها.. مصر عصيَّة على الانكسار، تمرض ولا تموت، فى جوفها زئير أسود، وهبَها الموقع الجغرافى روح المقاومة التى تجلت فى حرب الاستنزاف يومًا. وإذا كان نجيب محفوظ قال: «إن آفة مصر هى النسيان»، فأنا أضيف: وصناعة الآلهة من الحجر فى الماضى وصناعة الآلهة من البشر فى زماننا، آفة حارتنا الهتيفة لمَن يجلس فوق الكرسى، أى كرسى. آفة حارتنا الطبل والزمر لمَن يملك سلطة، أى سلطة، آفة حارتنا الخنوع مقابل المصالح والصمت إلى حين، آفة حارتنا ثرثرة بلا طائل وضوضاء تدارى الحقيقة وخوف من الجهر بالحق، مصر طالتها الهزيمة زمن ناصر لكنها لم تُهزم من الداخل، ظل قلب مصر قويًا نابضًا وحين استرَدَّت عافيتها انتصرت ورفعت رأسها، آفة بلدنا الشكوى حتى ولو كانت مستورة، فلا أحد ينام فى المدينة بلا عشاء، ولكن الشراهة عند طائفة التجار جعلت للفساد منافذ كثيرة، وضربت الأسعار فى مقتل وصاروا يشكون بضجة. يقول جاهين: حتقولِّى فيها فساد حقولَّك ده من طيبة شعبها. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/ol2h