أعمده ومقالات فيلم: الوباء الصامت.. احذروا بواسطة فاطمة ناعوت 4 أغسطس 2019 | 10:16 ص كتب فاطمة ناعوت 4 أغسطس 2019 | 10:16 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 6 أحد أسوأ أفلام «النوار» Noir، السوداء، التى تحدث على مسرح أجسادنا فى غفلة منّا، حتى يُسدَل ستارُ النهاية بموت البطل. والبطل هنا هو الجسد البشرى، جسدُك وجسدى. سيناريو الميلودراما يتم على النحو التالى: دون أن نراه أو نسمع وقعَ خطوه، يتسلّلُ البطلُ الشريرُ Villain إلى أجسادنا عبر ثقب ضئيل غير مرئى: خدش عابر فى الإصبع، اللثة، الوجه، القدم… إلخ. يترك الشريرُ نفسَه لشلال الدم، سابحًا فى رحلته الدائمة من الرأس للقدمين. وحين يصل قطارُ الدم إلى المحطة المنشودة، يقفز الشريرُ ويدخل بيته الأثير الوثير: الكبد. يبتسم فى زهو، ثم ينشب أنيابه. يبدأ العمل فى صبر وصمت، وهدوء: أيامًا، أسابيعَ، شهورًا، أو سنواتٍ. حتى يحقّق هدفه الخبيث الذى قطع من أجله تلك الرحلةَ الطويلة. فجأة، ترتبك خلايا الكبد، وتمور فى الفوضى، ثم تبدأ فى الانقسام على نفسها بجنون. هنا يبدأ مشهدُ الذروة Climax، ويطلُّ البطلُ الخصمُ Antagonist: السرطان البشع. الذى يبدأ فى نهش البطل الطيب Protagonist: الجسد البشرى. دار فى ذهنى ذلك السيناريو التعس، وأنا أقرأ التحذير المخيف الذى أرسله لنا صديقنا الكبير «د. هشام الخياط»، أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمى بمعهد تيودور بلهارس، لتحذير الناس من ذلك الغول الصامت الذى يودِى بنا إلى الهلاك فى هدوء ودهاء. نبّه د. هشام من احتمالية تعرض مائتى ألف مواطن مصرى للسرطان، بسبب تسلّل فيروس ضئيل إلى الجسد، دون أن ينتبهوا له. فيروس B. الوباء الصامت. وأشار د. هشام إلى أن الإحصاءات تُقدِّر عدد المرضى المصابين بمرض الالتهاب الكبدى الفيروسى من نوع «بى» بحوالى أربعمائة ألف مريض. منهم مَن عرف بإصابته بالڤيروس، وبدأ فى تلقّى العلاج، الذى يجهد فى كبح جماح جموحه ورعونته. والبقية يجهلون إصابتهم بالڤيروس، ويعيشون دون علاج، فتتلاحق أحداثُ الفيلم على نحو أسرع، وتُكتب كلمة النهاية مبكرًا عن موعدها. ذاك هو العدو الهادئ الذى يمكن أن يضرب كبد المريض، دون علمه، ويعيش داخل خلاياه سنوات طوالًا. قبل أن يُكتشف حين يبدأ البطل/ الجسد فى التداعى والخوار، فى المراحل المتقدمة من أحداث الفيلم الأسود. علّمنا أستاذ أمراض الكبد أن دراما الفيلم تختلف من بطل إلى آخر، فحوالى 15% من المصابين بالڤيروس الشرير قد تتطور معهم الأحداث والمشاهد على نحو أسرع، فيُصابون بسرطان الكبد مباشرة، دون المرور بمرحلة «تليف الكبد»، كما يحدث فى السيناريو المعتاد حال الإصابة طويلة الأمد بڤيروس C. وبهذا يكون قرابة المائتى ألف مواطن مصرى مُعرَّضين للإصابة بسرطان الكبد مباشرة. ولم يتركنا الأستاذ فى تلك التراجيديا المُوجِعة قبل أن يقول لنا ما العمل؟. أخبرنا «د. هشام الخياط» أن الحل يكمن فى إجراء التحاليل والفحوصات، وهى زهيدة الثمن، بهدف الاطمئنان على خلو الجسد من الڤيروس، الذى بكل أسف ليس له علاج شافٍ حتى الآن، فكل ما طرحه العلمُ حتى هذه اللحظة هو عقاقير «تكبح جماح جموحه»، وتؤخر من تقدّمه، وتُعرقل مسيرته الحثيثة نحو مراحله المتقدمة. وبادر د. هشام بتوعية الناس إعلاميًّا بهذا العدو الوبائى الخطير فيروس B، بعدما اكتشف أن مقدار الوعى والتوعية به منخفضٌ للغاية، مقارنةً بالوعى المتزايد بڤيروس C، على الرغم من أنB قد يكون أشرس من C فى كثير من الأحيان. فبحسب بعض التقارير الاستقصائية، علمنا أن حوالى 70% من الشعب المصرى لم يسمعوا من قبل عن «ڤيروس B»، فى حين أن الشعب بكامله قد أصبح على وعى كامل بڤيروس C، خصوصًا بعد المبادرة الرئاسية الرائدة للقضاء على الڤيروس بمصر، فى حملة 100 مليون صحة. وأشار د. هشام الخياط إلى أن ڤيروس B من الأمراض التى تنتقل عن طريق الدم وعن طريق الأدوات الملوثة بدم شخص مصاب بالمرض. لذا يجب على الأشخاص المخالطين لأى شخص مصاب توخّى الحذر الشديد فى استعمال الأدوات الخاصة بالشخص المصاب، مع إجراء التحليل للتأكد من عدم الإصابة بالمرض. كما حذّر من استعمال المحاقن والإبر الملوثة وشكّاكات تحليل السكر وفرشاة الأسنان وأمواس الحلاقة، وعمل الوشم وثقب الأذن بإبر مستعملة. يتبقى أن أقول ثلاث شهادات فى حقّ هذا الرجل. 1- هشام الخياط اتخذ من الطبّ رسالةً إنسانية، وليس مهنةَ ارتزاق. 2- على يدى، نجح فى تشخيص حالات أَنْهكَنا الدورانُ بها شهورًا وسنوات فى دروب الطب والمعامل. 3- د. هشام من الأطباء الذوّاقين للأدب والموسيقى والفلسفة، فلا تعرف متى يقرأ فى الطب، ومتى ينصتُ إلى الموسيقى، ومتى يقرأ الأدب ويطالع الفنون، ولا عجب وهو نجل المبدع الكبير «رأفت الخياط». وأما الشهادة الرابعة، فهى عن بشاشة ابتسامته وحنوّه على مرضاه، فيتقوّون به على أوجاعهم. «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن». اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/rzd7