أعمده ومقالات مكتبة الإسكندرية بين صاحبة الجلالة والكاتبة بواسطة أموال الغد 20 مايو 2019 | 2:24 م كتب أموال الغد 20 مايو 2019 | 2:24 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 15 عشت طفولتى المبكرة فى مدينة الإسكندرية، كانت المظاهرات الشعبية مشتعلة، فى منتصف الثلاثينات من القرن العشرين، يهتف فيها أبى، مع الجموع فى الشوارع، يسقط الإنجليز والحكومة، تكتفى أمى بتشجيع أبى روحانيًا، وإن رفدته وزارة المعارف فى حكومة الملك فاروق، أو زجوه فى السجون والزنازين، ليموت من الضرب والتعذيب، فسوف لا تموت وأطفالها جوعًا، لأنها تنشئ فرقة موسيقية غنائية راقصة، تجوب الشوارع بالإسكندرية، أمى، زينب هانم، ابنة شكرى بيه، سوف ترأس الفرقة بجسارتها الموروثة عبر جينات الإلهة إزيس، جدتها المصرية الكبرى، بعد أن تحذف اسم أبيها من اسمها، ومعه لقب البيه والهانم، وتسمى نفسها، «هيباثيا» كما كانت تناديها مادموازيل إيفيت، فى المدرسة الفرنسية، قبل أن يحبسها أبوها، ويزوجها بالقوة العسكرية لأبى وهى فى الخامسة عشرة من عمرها. هذان الرجلان، أبوها وأبى، كانا السبب فى ضياع مستقبلها الفكرى والفنى، وهى موهوبة بالفطرة، كما كتبت المادموازيل فى شهادة المدرسة، ويمكن أن تكون فيلسوفة متمردة مثل هيباثيا، التى قتلها حملة الصليب ومزقوا جسدها بالشوارع، بعد محاضرتها الفلسفية الفلكية، فى مكتبة الإسكندرية، حرضت فيها الشباب والشابات على التفكير الحر، بحثا عن الحقيقة، وقد أعلنت أنها «تزوجت الحقيقة» ولن تقترن برجل وإن كان قيصر روما، أو المسيح ذاته، وكانت العذراوات، من عمرها، يتزوجن المسيح، ليصبحن راهبات فى الدير، وصدر القرار بقتلها من أسقف الكنيسة بالإسكندرية، عام ٤١٥ بعد ميلاد المسيح، وهى فى الخامسة والأربعين من عمرها، فى ريعان شبابها وقمة إنتاجها الفكرى والفلسفى، وكان من حقها التكريم فى يوم المرأة العالمى ٨ مارس ٢٠١١، خلال الثورة التى أسقطت حكم مبارك، أو عام ٢٠١٣، التى أسقطت حكم الإخوان المسلمين، كانت هيباثيا فيلسوفة مصرية عظيمة، لكن الحكومات المحلية مع الاستعمار العالمى دأبوا على قهر الفلاسفة والمفكرين خاصة النساء، كان عقل المرأة المبدعة، بصرف النظر عن مسقط رأسها، يتحدى حكام الأرض والسماء، وكانت السماء، حينئذ، تقف مع الرجال ضد النساء، كما قالت أمى، وكانت فى طفولتها تخفى مفكرتها السرية، وقصائدها الشعرية، فى صندوق كرتون تحت السرير، مع شرانق دودة القز، تقول إنها ورثت جينات. يلدز، جدتها فى إسطنبول، زوجة جدها الجنرال فى الجيش التركى، وأن ابنها البكر، عمره ستة أعوام (أخى طلعت) كان موسيقارا بالسليقة مثل موتسارت. أما ابنتها العبقرية (أنا) التى تبلل السرير، رغم بلوغها الخامسة من العمر، فهى تكتب قصائد مثل الشاعر الإسبانى المتمرد يوركا، الذى قتلوه فى الأندلس، وسوف تبهر طفلتها الجماهبر السكندرية بقدراتها العجيبة على رقصات الباليه، حافية فوق الأسلاك المشدودة بين السماء والأرض، بقوة «سخمت» إلهة الحياة والموت، قبل الغزو االمسيحى اليهودى لمصر القديمة. عادت هذه الذكريات البعيدة، وأنا أسمع صوتا أنثويا ناعما من خلال أسلاك التليفون يقول، أنا سكرتيرة معالى رئيس مكتبة الإسكندرية، اصطدمت كلمة «معالى» بعظام رأسى، لم أسمعها منذ سقوط الحكم الملكى، فى منتصف القرن الماضى، وصدور القرار الجمهورى بإلغاء الألقاب، ومنها الباشا والبيه والهانم. وقد عادت هذه الألقاب بعد سقوط الجمهورية الأولى فى السبعينات والانفتاح الاقتصادى على الاستعمار الأمريكى الإسرائيلى، وأصبح لزوجة الحاكم المصرى لقب السيدة الأولى، تيمنا بالتبعية الأمريكية، وعادت ألقاب الباشا والهانم، حنينًا للعهد التركى العبودى، وأصبحت زوجة فخامة الحاكم المصرى تحمل لقب الهانم، لها مكتب فخم بالرئاسة، وسكرتارية رفيعة تضم بعض الوزراء، منهم وزير الإعلام والثقافة والسياحة، ترأس المؤسسات الجديدة منها مكتبة الأسرة، ومجالس قومية عليا منها، مجلس المرأة والأمومة والطفولة، أصبحت الهانم أيضا رئيسة عليا لكثير من المكتبات الفخمة منها مكتبة الإسكندرية الجديدة، تعلو سلطة الهانم على وزير الثقافة ورئيس الوزراء، تتحكم فى كل شىء، وتضع بعض المفكرين والمبدعين من النساء والرجال فى القائمة السوداء أو الرمادية، حسب خطورة أفكارهم على النظام الحاكم. كنت بمدينة أوسلو، أشارك فى الاحتفال بترجمة روايتى «امرأة عند نقطة» إلى اللغة النرويجية، خلال الثمانينات من القرن الماضى، حين تلقيت دعوة من رئيس وزراء النرويج لحضور حفل افتتاح مكتبة الإسكندرية الجديدة، ساهمت دولة النرويج فى إنشائها، ماديا وفنيا، إلا أن الهانم حذفت اسمى من قائمة المدعوين، كما حذفت عناوين كتبى العربية والمترجمة، من قائمة الكتب التى توضع بالمكتبة، ودهشت صديقتى النرويجية الصحفية «ماريانا صاند»، لغيابى عن الحفل، وغياب كتبى عن المكتبة. وقد استمرت الهانم تمط شفتها السفلى إن اقترح وزير الثقافة أو مدير المكتبة دعوتى لإلقاء محاضرة أو المشاركة فى ندوة بالمكتبة التاريخية، التى تعرضت للحرق والتدمير عدة مرات، فى التاريخ، بسبب الإرهاب الدينى السياسى، لمدينة الإسكندرية ومكتبتها العريقة، وكانت مركزًا حضاريًا وفلسفيًا، هدد السلطات الغازية لمصر، تحت اسم الله. قالت السكرتيرة بلهجة سريعة لاهثة مبتورة الحروف، لم أعرف هل تتكلم العربية أو اللاتينية، المهم أن معالى رئيس المكتبة طلب منها الاتصال بى. تصورت أنه تلقى أمرًا من الهانم، وبحثت فى التاريخ عن اسم معاليه، فلم أجد إلا صوره منتشرة فى الإعلام المصرى، خلال نصف قرن، يهرول من خلف وزير الثقافة، الذى يسبقه وراء صاحبة الجلالة، السيدة الأولى. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/9v6z