أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح “الجهاز الإداري” محاولة للإصلاح ! بواسطة دينا عبد الفتاح 14 أبريل 2019 | 3:53 م كتب دينا عبد الفتاح 14 أبريل 2019 | 3:53 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 3 في طريقنا نحو المستقبل يجب أن ننتبه إلى أن الجهاز الإداري للدولة هو الأساس الذي يجب أن نعيد صياغته وبناؤه إذا ما كنا راغبين في تأسيس تجربة تنموية حقيقية ومستمرة لأجيال قادمة فالأوضاع الحالية رغم الجهود المبذولة لا ترضي أحدا، فهي نتاج عشوائية مميته سيطرت لعقود طويلة، وضربها الاستهتار واللامبالاه وأيضا الفساد، نتيجة غياب التخطيط الحقيقي وأيضا الاعتماد على نظم بالية في الإدارة كانت الأكثر تكاملا في شرح مقدمات الهزيمة الاقتصادية لمصر بعد ثورة يناير. والنتيجة كوارث وتصادمات عنيفة مع أي تحرك للأمام إو اي إصلاح حقيقي. الإدارة المصرية قامت بتجربة إصلاح اقتصادي ناجحة في الكثير من جوانبها، طالت السياسات المالية والنقدية وأيضا التشريعية، وأحدثت ما يطلق عليه “التمرد على الواقع”، لكن هذا التمرد الإيجابي يحتاج إلى قوة دافعة على الأرض للاستمرار ولضمان تحقيق الأهداف المنشودة. هذه القوة شئنا أم أبينا في يد الجهاز الإداري للدولة، فهو المسير والمحرك الطبيعي للحياة المصرية اليومية، وهو من يقف على بابه المستثمر والمواطن في ظل اتباع نظام اقتصادي يخطط له ويدار من الدولة بشكل مباشر وتتدخل الحكومة بصورة كبيرة في أدق تفاصيل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما تمثل في إنشاء المئات من المقرات الحكومية لإدارة الإنتاجية وتقديم كافة الخدمات؛ مما أدى إلى تضخم في عدد الوزارات والإدارات الحكومية والموظفين الحكوميين. وحسب تصريح الدكتورة هالة السعيد وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري بأن هناك أكثر من 5 ملايين موظف في الجهاز الإداري بما يمثل 5 ملايين عائلة بمتوسط 25 مليون مواطن، “أي حوالي ربع المصريين ينتمون للجهاز الإداري للدولة”. وبالتالى فإننا أمام قوة ضاربة موروثة، يجب أن نتعامل معها بحرص شديد عند اتخاذ أي قرار تطوير مما يستوجب المشاركة والنقاشات لاتخاذ هذا القرار. والحقيقة أن الدكتورة هالة السعيد تقوم بجهود مضنية من أجل إيجاد حلول لهذه المشكلات والتغلب عليها عبر برامج إدارية متخصصة لكوادر الإدارة العليا والوسطى بالجهاز الإداري للدولة، كل في مجال اختصاصه، وذلك في إطار الاهتمام ببناء وتنمية القدرات وتنفيذا لرؤية مصر 2030 التي تهدف إلى رفع كفاءة الجهاز الإدارى للدولة وكفاءة العاملين به، ومنها برنامج “وطني 2030” الذي يستهدف تدريب قيادات الجهاز الإداري للدولة على استراتيجية التنمية المستدامة والإدارة الفاعلة وإدارة الأعمال الحكومية، ومنه أيضا التعاون الأخير مع دولة الإمارات للاستفادة من الخبرة الإماراتية لتطوير الأداء الإدارى. هذا إلى جانب الخطة الحكومية الشاملة لتطوير الجهاز الإداري والتي تتضمن العديد من البرامج، كبرنامج التطوير المؤسسي، وبرنامج تطوير الخدمات الحكومية، وبرنامج استكمال وربط البيانات القومية، وبرنامج تطوير إدارة موارد الدولة. فالمسألة لها أبعاد تحتاج إلى التعامل مع جذورها، والاعتماد على فلسفة إصلاح شاملة تقلص التدخل البشري بشكل كبير والاعتماد على الميكنة ونظم المعلومات، والابتعاد عن الإدارة المباشرة للخدمات لتجنب المشكلات، وإصلاح وتحسين نظام المؤسسات المسئولة عن إدارة القضايا والمسائل الاجتماعية مثل التعليم والثقافة والرفاهية، إلى جانب تعزيز قدرات الدولة في الرقابة والضبط الكلي لمختلف الأنشطة من خلال نظم رقابة وضبط محكمة. هذا هو ما يضمن أن تتمكن الدولة من الاستمرار في تنفيذ السياسات الاقتصادية الجديدة. ويشكل السلوك الإنساني أكبر المشكلات التي تواجه خطط التطوير التي تقوم بها الدولة حاليا، خاصة وأنها أصبحث ثقافة سائدة وموروثه، ففئات كثيرة من الموظفين مازالت أهدافهم الرئيسية التوقيع صباحا حتى لا يخصم اليوم، لكن تسيير الأعمال وقضاء حوائج الناس يصدر له الروتين كماركة مسجلة. والغريب أن عدد منهم لا يعرف ماهو الشغل المكلف به من الأساس. وأذكر هنا روايه قالها لي أحد رؤساء الهيئات الحكومية الكبرى أثناء حواري معه، أنه فوجىء بعد تعيينه وأثناء زيارته لأحد مباني الهيئة بتواجد 300 موظف عينو في السابق على عمل ما قد تم إلغاؤه من نشاط المؤسسة، وظلو هم بلا عمل والنتيجة أنهم يقضون أوقاتهم في الدردشة والتسلية. التنبؤ بهذه المخاطر يجب أن يكون أساس لأي حكومة تعمل بأسلوب الوقاية بدلا من العلاج، وتضع الميزانية على أساس الأداء، وتتجه نحو التجديد والإبتكار. وليس هذا فحسب، العدد يشكل معضلة كبيرة ليس فقط للدولة وإنما للموظف نفسه. فأى برامج شاملة لتخفيض عدد العاملين، سيواجهها مشكلة كبرى تتعلق بالمستقبل، وانعكاسات اجتماعية وشعبية تستحق الدراسة الدقيقة. وكما تقول النظريات الاقتصادية يوجد نوع من البطالة اسمه البطالة المقنعة الذي يعبر عن زيادة عدد العاملين عن حاجة العمل نفسه، الأمر الذي يترتب عليه ازدحام غير مبرر يقلل من مستويات الانجاز في العمل من ناحية، وارتفاع نفقات التشغيل بما يؤثر على الكفاءة الاقتصادية من ناحية أخرى. وهذا الوضع نقابله في العديد من المؤسسات خاصة التي تقوم بأعمال إدارية تتعلق بالتواصل المباشر مع الجماهير، فتقسيم المهمة إلى عدة مهمات فرعية لصناعة دور لكل عامل أمر يؤثر بالسلب على انجاز الأعمال ويدفع بالمواطنين للتنقل بين “شبابيك” السادة المسئولين لينهوا مهمة يمكن لموظف واحد أن ينجزها لهم. النقطة بالغة الأهمية في هذا الملف، هي الجرأة غير المبررة من موظفي الدولة، النابعة عن ضعف القانون الحاكم، فلو تتطلعت على أي مشكلة تدور بين مواطن وموظف، ويلوح فيها المواطن لشكوى هذا الموظف المتخاذل، ستجد رد الموظف دائما “أعمل اللي إنت عايزه!” في إشارة منه إلى عدم اهتمامه بالشكوى ولا الإجراء المترتب عليها، كأنه يرفع عبارة “أنا فوق القانون”! وهذا التصرف أصبح بديهيا في سلوكيات الموظفين نتيجة غياب “قوة القانون” على ردع المتخاذلين، وعدم اشتمال مواده على لوائح أو إجراءات عقابية تضرب بيد من حديد على أي متخاذل بيروقراطي معطل لمصالح الناس والدولة. ولعل أبرز الأمثلة سائق القطار الذي تسبب في مقتل عشرات المواطنين خلال الفترة الماضية بمحطة مصر، عندما ظهر وقال “اعتقدت أن الجزاء سيكون خصم او وقف مؤقت عن العمل، عندما تحرك القطار الذي أقوده وأنا خارجه”. الأمر الذي يبرز مدى الاستهتار الذي منحه ضعف القانون لهؤلاء الموظفين. ويبدو أن القانون ليس المتهم الوحيد في هذه الجرأة غير المبررة للموظفين، ولكن المديرين أنفسهم، فبقاء الموظف بالقرب من مديره لسنوات طويلة بل لعشرات السنوات، كفيل ببناء علاقات شخصية قادرة على التحايل على القانون نفسه، وتفصيل تقارير تقويم الأداء، والتعتيم على أي مخالفات، بما يضعف آلية العقاب، ويمكن الموظفين من رفع مستوى الثقة بالنفس حتى أمام القانون نفسه ومن يطبقه. وهنا الأمر يتطلب دخول جهة رقابية ثالثة وتوسيع دورها بخلاف الموظف ومديره، حتى نضمن سريان العمل بالشكل اللائق. ويمكن أيضا إجراء تحركات دورية للعاملين والمديرين بحيث لا يحتكوا معا لفترات طويلة. النقطة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها في هذا الملف هي تباين الكثافة الوظيفية بين مصلحة وأخرى الأمر الذي يترتب عليه ضغوطات كبيرة على بعض الجهات والموظفين العاملين فيها، وبطالة مقنعة لدى جهات أخرى. وأتصور أن هذا الأمر يسهل تصويبه في القريب العاجل، وعدم بدء الحكومة في وضع حل له حتى الآن هو أمر غير مبرر، لأن إجراء تدوير لبعض الموظفين أمر سيترتب عليه تعزيز كفاءة العمل والإنتاج بدون أي نفقات إضافية، ويمكن تحفيز العاملين المنتقلين من وظائفهم إلى وظائف أخرى بمنحهم علاوة استثنائية. لأن هذا الإجراء سيترتب عليه غالبا اعتراضات من الموظفين المشمولين في إعادة الهيكلة على اعتبار أنهم يعملون بمنطق “اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش” وبالتالي يجب تحفيزهم من ناحية، واتباع أسلوب صارم في تطبيق حركة التنقل من ناحية أخرى. ومن الممكن أن يشرف على عملية التدوير مكتب استشاري قادر على تحليل احتياجات المهام الوظيفية المختلفة، وتحديد فجوات المهارات وسدها، وتحديد الأسلوب الأمثل للتطبيق، في حين يمكن لجهة أخرى مثل هيئة الرقابة الإدارية متابعة عملية النقل والتأكد من ضمان كافة حقوق العامل وعدم مساسها بإجراء هذه التحركات. ويبدو هذا التوجه هام جدا خلال الفترة الحالية، ليأتى بالتوزاي مع الموازنة الجديدة التي تتضمن بنود لزيادة أجور العاملين بالدولة، وزيادة الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة من 1200 إلى 2000 جنيه، بزيادة تبلغ نحو 66%، وهو ما يحقق هدف أساسي من هذه الزيادة وهو مزيد من الاهتمام بالعمل وتحقيق نتائج بجانب الحد الأدني من العيش الكريم لقطاع كبير من الموظفين. هكذا يمكننا أن نتقدم ونحقق الأهداف المرجوة فطالما القيادة تفكر لا بد أن يعمل الجميع، إذا كنا حقا أمناء على هذا الوطن. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/rk5e