أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح الرهان على الجغرافيا والتاريخ! بواسطة دينا عبد الفتاح 12 مارس 2019 | 3:17 م كتب دينا عبد الفتاح 12 مارس 2019 | 3:17 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 لاشك أن العلاقات المصرية الإفريقية تحتاج إلى مراجعة حثيثة خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بمرتكزات القيادة المصرية الحالية التي تري في إفريقيا امتداد طبيعي وثقافي واقتصادي لما يمكن أن تكون عليه “مصر المستقبل”، وتضعها على قمة أوليات السياسة الخارجية المصرية. فالتوقيت الحالي لم يعد رفاهية فيه، أن تركض فوق الحدود والجغرافيات لإقامة علاقات مع دول لا تخدم مصالح الدولة المصرية، وبعيدًا عن ثقافتك وما يفوق قدراتك أحيانا، ولا تتناسب مع متطلباتك وأيضًا حصيلة منتجاتك التي تبحث فيها عن أسواق. ورغم أية أخطاء سياسية سابقة أفضت إلى الوضع الحالي المتمثل في الابتعاد عن القارة لسنوات طويلة، يجب الاتجاه بقوة نحو الاندماج الكامل معها وليس فقط علاقات دبلوماسية أو اقتصادية، فالتاريخ يقول أن إفريقيا لاتزال الملاذ الذي يمكن البناء معه لما يفيد وتقبل نتائجه السياسية والاقتصادية. فمصر الآن أمامها فرصة تاريخية أن تكون قوية وأن تتضاعف قوتها وتعظم ثقتها في نفسها بعلاقات أكثر اتساقا مع القارة، بعد سنوات من الانعزال الغير مفهوم والغير مبرر، ولا ننسى أنه لا توجد أدوار مهمة يمكنك أن تحصل عليها على المستوى الدولي دون متطلبات وتكاليف يجب دفعها، وأكثر الطرق اختصارًا استخدام “لغة المال”، وتعزيز قوتك الاقتصادية. الفرصة تشير إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يترأس حاليًا الاتحاد الإفريقي، وهذه خطوة مهمة جدًا لم تحدث منذ عام 2001، لكنها تحتاج إلى مزيد من الخطوات لتعزيز علاقة مصر بشكل أكبر مع محيطها في القارة الإفريقية، خاصة أن مصر كان لها دور كبير في هذا التجمع القاري منذ أن كان تحت إسم منظمة الوحدة الإفريقية، حيث استضافت القاهرة أول قمة للمنظمة عام 1964، وكان ذلك في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. فمصر ترتبط على مدار تاريخها بعلاقات وطيدة مع عمقها الجنوبي على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية، وكذلك وجود عدداً من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية المشتركة والتي يأتي في مقدمتها اتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي “الكوميسا”، بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة القارية التي تم توقيع مذكرة تفاهمها مطلع 2018، إلى جانب التوجه نحو إبرام إتفاقية التكتلات الإفريقية الثلاثة “الكوميسا” و”الساداك” و”شرق إفريقيا” والتي تم توقيع مذكراتها في مصر خلال عام 2016، والتي تنتظر تفعيلها وتصديق البرلمانات الإفريقية عليها خلال الفترة المقبلة، وتسعى مصر لدخولها حيز التنفيذ قبل نهاية العام الجاري 2019. ولكن كيف ترسم هذه العلاقات بشكل يستند إلى أسس سليمة؟ لاشك أنه لتحسين العلاقات الاستثمارية والتجارية وهي الأهم بين مصر وإفريقيا فإن الأمر يتطلب توفير معلومات كاملة عن السوق الإفريقي للمستثمرين المصريين تشمل القوانين الاستثمارية بهذه الدول وحجم السوق والاستهلاك، وأيضًا الاحتياجات الرئيسية لتلك الدول والفرص الاستثمارية المتوفرة لها، بالاضافة إلى ضرورة عقد اتفاقيات مع الحكومات الإفريقية لإعطاء مزايا للمستثمرين المصريين كمنح الأرض مجانًا وإقرار إعفاءات ضريبية ونسب تمويل بنكي مميزة، مقابل أن يلتزم المستثمر المصري بإقامة مشروعات استثمارية في القطاعات التي تحتاجها تلك الدول. اتخاذ تلك الخطوات ستساهم بتواجد الشركات المصرية بقوة داخل كافة الدول والتجمعات الإفريقية وليس فقط تبادلًا تجاريًا والذي لا نستطيع فيه منافسة الصين والتي تعتبر تكلفة النقل منها لإفريقيا أرخص من تكلفة النقل من مصر لإفريقيا. ونقطة أخرى يجب الالتفات إليها؛ وهي تعدد الجهات المسئولة عن زيادة التعاون مع إفريقيا، حيث أن جهودها فردية وغير متكاملة في هذا الشأن وهو ما لا يتناسب مع طبيعة السوق الإفريقي؛ والذي يحتاج وجود كيان ذو صلاحيات اتخاذ القرار من أجل الدخول في ذلك السوق بشكل جماعي وليس فردي مثلما تتعامل معه الصين. فمكاتب التمثيل التجاري يجب أن يتم تفعيل دورها في أسواق القارة، عبر القيام بتوفير الدراسات اللازمة التي يحتاجها المستثمرون المصريون عن تلك الدول. ولاشك أن في طريق التأسيس لتلك العلاقات سنواجه العديد من التحديات أمام تنمية علاقات مصر بالقارة السمراء المتمثلة في ضعف البنية التحتية، الأمر الذي يحد من تدفق الاستثمارات والتجارة وحركة السياحة بين دول القارة، حيث يبلغ الإنفاق على تطوير البنية التحتية في إفريقيا حوالي 2% من الناتج القومي الإجمالي، بينما في دولة مثل الهند يبلغ 5.2% من الناتج، وتحتاج القارة سنويًا استثمار ما بين 130-150 مليار دولار لمواجهة احتياجاتها من تطوير البنية التحتية، غير أنها لديها معدلات عجز ما بين 68-108 مليار دولار حالياً. وتعد أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القارة هي آليات النقل المباشر، فالشحن من دولة لأخرى يتم من خلال دولة ثالثة، مما يرفع تكلفه السلعة، لذا يتم الاتفاق حاليًا لعمل عدة مراكز لوجيسيتة مرتبطة بخطوط شحن مباشرة بين كافة دول إفريقيا، والتي ستحل مشكلة الشحن وتبادل السلع بين دول القارة. كما أن من بين 41 صراعاً مستمراً في العالم، يدور 23 منهم في إفريقيا، بما يمثل 56% من صراعات العالم، وتعتبر منبعًا للصراعات القبلية والدينية والانقلابات العسكرية والصراعات المسلحة على الماس والأرض والمياه والموارد المختلفة، وأصبحت متاحة للتدخلات الخارجية التي رسمت الحدود الإدارية للدول الإفريقية، وتتمثل تلك الصراعات في تمرد جماعة “بوكو حرام” في نيجريا، الحرب الأهلية في الصومال، الحرب الأهلية في ليبيا، وعدم الاستقرار الذي تواجهه السودان، وغيرها من بؤر الصراع في إفريقيا. لكن الانغماس في بحر هذه التحديات، سيقذف الرعب في قلوب المستثمرين المصرين، وإن كان بالفعل توقفنا عن أي تحرك متكامل منذ أربع عقود وكان بمثابة “انتحار استراتيجي”. وكان نتائجها خسارة التواجد السياسي الحقيقي والفعال، وفتح المجال لمن يرث التركه أن يأخد المساحة التي تركتها قدمك باختيارك. الفترة المقبلة أيضًا ستشهد العديد من التحركات على صعيد الساحة الدولية ويمكننا صناعة دور مهم لنا فيها، فمن ناحية تجد الاتحاد الأوروبي يبذل جهود واسعة بهدف تعزيز نفوذه في المنطقة لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد، وللحصول علي دعم سياسي للاتحاد الأوروبي يحول دون خروج مزيد من الدول منه، وتفككه على غرار ما يحدث حاليًا في إطار اتفاقية بيركست. ويؤكد هذا التحرك موافقة الاتحاد علي عقد القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ خلال الأيام الماضية، والاهتمام الكبير من قادة أوروبا بحضورها وفي وقدمتهم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. ويحتاج الاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز تواجده بالقارة لدولة رائدة تمكنه من التغلغل في القارة وتحقيق الاهداف السياسية التي يسعى اليها. ويمكن أن تلعب مصر هذا الدور في ضوء علاقاتها المتميزة حاليًا مع كل من الاتحاد الأوروبي ودول القارة السمراء، واطلاعها على كل مفاتيح اللعبة في القارة السمراء. من ناحية أخرى تتحرك الصين بقوة في هذه المنطقة ولا تزال في مرحلة بناء الشراكات الاستراتيجية مع دول القارة، بعدما استطاعت تجنيد جنوب إفريقيا وإثيوبيا وكينيا لخدمة مصالحها، وتستعد لضخ استثمارات ضخمة في القارة ممكن أن تحصل مصر علي نصيب مناسب منها في ضوء العلاقات السياسية المتميزة بين الصين ومصر، ولعب الأخيرة دورًا هامًا بخطة “الحزام والطريق” التي تستهدف مزيد من الانتشار التجاري والاستثماري للعملاق الصيني. فالعملاق الصيني أصبح يتواجد له أكثر من 1000 شركة تعمل حاليًا في إفريقيا، وفقًا لدراسة أجرتها “وكالة ماكنزي الأمريكية”، فيما توقعت الوكالة أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من إفريقيا في حلول 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 بالمائة. يأتي ذلك بالإضافة إلى التطور المنتظر في وضع بريطانيا وإصرارها على بناء علاقات سياسية واقتصادية منفصلة عن الاتحاد الأوروبي حتى لو استمرت لندن ضمن مجموعة أعضاءه. وهنا يجب أن تستعد مصر لتقدم لبريطانيا فرصة حليف استراتيجي قوي في المنطقة، خاصة بعد أن أعلنت نيجيريا وكينيا استعدادهما للعب هذا الدور، وقدما الدعوة لرئيسة الوزراء البريطانية لزيارة بلادهما والقيام بجولة في المنطقة، وهو ما استجابت له تريزا ماي وقامت بزيارة المنطقة منذ شهرين تقريبًا. وتتمتع مصر بعلاقات متميزة مع بريطاينا، حيث تعتبر الأخيرة هي الدولة الأكثر استثمارًا في مصر فضلًا عن العلاقات الاقتصادية المتميزة التي تجمع البلدين على المستوي التجاري والسياحي. لذا الفترة المقبلة تحتاج لحسابات دقيقة للغاية بشأن التحركات المطلوبة من القيادة السياسية والحكومة المصرية؛ لتعظيم عوائد التعاون الخارجي سواء لقارة إفريقيا باعتبار مصر رئيس الاتحاد الإفريقي حاليًا، أو لمصر نفسها التي بدأت خطة تنمية طموحة وتسير في تنفيذها بانتظام وبإرادة ثابتة. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/be2e