أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح مراجعات لاستراتيجية الشمول المالي ! بواسطة دينا عبد الفتاح 13 أغسطس 2018 | 9:00 ص كتب دينا عبد الفتاح 13 أغسطس 2018 | 9:00 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 18 أصبحت قضية الشمول المالي في مصر وتعزيزه، قضية ذات بعد وأهمية استراتيجية بالنسبة للدولة، نتيجة مساهمتها في تحقيق العديد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تتعلق بتقنين وضع القطاع غير الرسمي، وتيسير عملية جمع البيانات عن المتغيرات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة لترشيد تكاليف طباعة النقود، وتعظيم نشاط القطاع المصرفي، خاصة بعد تطبيق مراحل عديدة من برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويبدو للجميع أن مصر لا تعاني نقصاً في الخدمات المالية، أو ما يطلق عليه رقمنة الخدمات نتيجة امتلاكنا لجهاز مصرفي قوي، وشركات تكنولوجيا واتصالات متطورة، بما يعني عدم وجود مشكلة في توافر جانب العرض، ويبقى وقوع الطلب. وبقوة الحقائق إذا أخذنا بقاعدة “العرض يخلق الطلب”، فكان لازماً أن نحقق مستويات أفضل في الشمول المالي عن تلك التي بلغناها خلال السنوات السابقة، فعلى الرغم من بلوغ نسبة المتعاملين مع الجهاز المصرفي في مصر 20% تقريباً من إجمالي عدد البالغين مقارنة بـ13% في عام 2014، إلا أننا مازلنا بعيدين عن المعدل العالمي الذي يصل لحوالي 69%، ويرتفع في أوروبا إلى أعلى من 85% وينخفض في المنطقة العربية إلى أقل من 20%. وعلى الرغم من تحقيق مصر نمواً ملحوظاً في نشاط مدفوعات المحمول والإنترنت البنكي، إلا أنه يبقي أكثر من 80% من إجمالي المعاملات التجارية في الاقتصاد تتم عن طريق “الكاش” بعيداً عن وسائل الدفع الإلكتروني المختلفة. وبالتالي الاستمرار في إتاحة الخدمات المالية دون أن نتجه لوسائل مبتكرة لصناعة الطلب عليها، سيجعل تقدمنا في هذا الملف ضعيفاً للغاية، وسنصبح في استراتيجيتنا لتعزيز الشمول المالي أشبه بسلعة لا يوجد طلب عليها، وعلى الرغم من ذلك يُصر المُنتج على إنتاج المزيد، وتوجيهه إلى المخزن! وبتحليل أسباب انحسار الطلب على الخدمات المالية في مصر، يمكننا تحديد سببين رئيسيين، الأول يتعلق بطبيعة السكان، والثاني يتعلق بمستوى وعيهم وثقافتهم. فيما يتعلق بالسبب الأول فيمكننا رصد مجموعة من العوامل التي تؤثر سلباً في تعزيز الشمول المالي في مصر أهمها ارتفاع معدلات الأمية، حيث يتعذر بشكل كبير على الأميين التعامل مع الجهاز المصرفي أو ممارسة الخدمات المالية المتطورة، وكذلك ارتفاع معدلات الفقر الأمر الذي يؤثر على قدرة الأفراد على الادخار وكذلك على توافر شروط وأساسيات التعامل مع الجهاز المصرفي. أما فيما يتعلق بالسبب الثاني الذي يرتبط بمستوى ثقافة الأفراد فإنني أرى أنه يمثل حجر الزاوية في انحسار نسب المتعاملين مع الجهاز المصرفي والخدمات المالية الرقمية الأخرى. وقد يعود ذلك إلى استمرار الفجوة التي تم الترويج لها مسبقاً بشكل غير مقصود، بأن البنوك هي مكان الأغنياء فقط، الذين يمكنهم فتح الحسابات والتعامل عليها، أو أن وضع المال في الجيب أو “تحت البلاطة” أفضل من وضعه لدى الغير! . وقد يتعلق ذلك أيضاً بمستوي ترويج الجهاز المصرفي والشركات المقدمة للخدمات المالية الرقمية لتلك الخدمات، وعدم استطاعتهم استهداف الفئات القادرة على الاستجابة للتعامل مع تلك الخدمات، فضلاً عن غياب دور المدارس والجامعات في بناء ثقافة حديثة ومتطورة لدى الطلاب وبالتالي العمل على خروج جيل يقبل الدفع الإلكتروني، ويحمل المحافظ الذكية، ويملك الحسابات المصرفية، ويشترى عبر الإنترنت، وإن كان هذا موجود إلا أنه لا يمثل نسبة مقبولة يمكننا الاحتفاء بها. وبالتالي وبعد تحليل أسباب انحسار الشمول المالي في مصر، يمكننا طرح مجموعة من الحلول لتخطيها، وحتى نصل لنتائج سريعة يمكن ملاحظتها على أرض الواقع يمكننا البدء بتناول كيفية رفع مستوى الوعي المالي لدى الجماهير، باعتبار أن تخفيض نسب الأمية والفقر، تحتاج لمجموعة من السياسات التي يظهر أثرها في المدى البعيد، وأعتقد أننا لا نملك هذه الرفاهية! وفي تقديري أنه حتى يمكن التغلب على مشكلة الوعي المالي في مصر، فإن الأمر لا يتعلق فقط بسن مناهج تعليمية جديدة أو تطوير حملات تستهدف العديد من الفئات، ولكن يمتد هذا إلى شيء في غاية الأهمية، وهو إتاحة الخدمات المالية السهلة وترويجها بشكل مناسب مثل تجربة المدفوعات الإلكترونية التي توفر الوقت والمجهود لدى الأفراد، وتمكنهم من سدادا التزاماتهم المالية بشكل سهل وسريع. وهنا ينبغي أن تلعب شركات الاتصالات والتكنولوجيا في مصر دور محوري بجوار البنوك في مسألة تعزيز الشمول المالي، ويتمثل الدور الذي تلعبه تلك الشركات في إتاحة وسائل غير تقليدية تخفض من تعاملات الكاش بداخل الاقتصاد، وذلك من خلال برامج وتطبيقات تكنولوجية تُمكن الأفراد من تحويل مدخراتهم المالية إلى وحدات نقود إلكترونية يمكن استخدامها في “تحويل الأموال من حساب لآخر – دفع الفواتير الخاصة بالمرافق مثل الاتصالات الكهرباء المياه – الشراء من خلال الإنترنت”. ولا يتطلب التمتع بهذه الخدمات أن يتعامل الفرد مع الجهاز المصرفي بشكل مباشر، أو يتوجه لفتح حساب بنكي، بل يمكن اقتصار التعامل مع مقدم الخدمة “شركة تكنولوجيا أو اتصالات”، بحيث يقوم مُقدم الخدمة بتنسيق الأمر مع البنك. وبذلك تقوم تلك الشركات استناداً لانتشارها السريع وتواصلها مع كل المواطنين تقريباً عن طريق خطوط المحمول بتحفيز الأفراد على تقليل تداول النقود “الكاش”، ويتم تحويل المعاملات المالية إلى معاملات رقمية يسهل مراقبتها من قبل أجهزة الدولة، وتساهم في تخفيض تكلفة نقل وتداول النقود. وهناك العديد من العوامل التي تدعم قيام شركات الاتصالات والتكنولوجيا بهذا الدور أهمها: ارتفاع عدد مشتركي الهاتف المحمول إلى 101.3 مليون مشترك يمثلون أكثر من 100% من عدد السكان. ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق الهاتف المحمول إلى 32.8 مليون مستخدم عن طريق الهاتف المحمول. ارتفاع نسبة الشباب من إجمالي السكان إلى حوالى 50% وهي الفئة الذين يفضلون التعامل عن طريق مدفوعات الهاتف المحمول. وبالتالي تدعم هذه الإمكانيات الكبيرة قطاع الاتصالات في القيام بدور محوري في تعزيز الشمول المالي من خلال تقديم الحلول المكملة لتعامل الأفراد مع البنوك، وتوفير وسائل أكثر تيسيراً في الدفع وتحويل الأموال إلكترونياً دون الحاجة للتعامل عن طريق “الكاش”. ولكن يجب التعامل مع هذا القطاع، بتشريعات تكون أكثر مرونة مع التكنولوجيا الحديثة، ولا تغفل معطيات الأمن القومي وتمويل الإرهاب ولكن دون خوف زائد. وهناك العديد من التجارب الدولية التي يمكن طرحها في هذا الاتجاه أهمها، تجربة M-Pesa الكينية، حيث تم إطلاق برنامج M-Pesa في كينيا عام 2007، ويرمز حرف الـ«M» إلى كلمة «Mobile» وكلمة «Pesa» تعنى «مال» باللغة السواحلية. وكان الهدف من هذا النظام في الأصل هو إتاحة الفرصة للمقترضين لسداد القروض متناهية الصغر عن طريق الهواتف المحمولة، وبصفة عامة تحويل الأموال. ثم أصبح برنامج M-Pesa فيما بعد هو نظام السداد عبر الهاتف المحمول، وتم استخدامه من قبَل 17 مليون كينى خلال عام 2013 (تقريباً 67% من السكان البالغين)، وذلك لأنه قد أتاح للأشخاص فرصة تحويل الأموال عن طريق استخدام هواتفهم المحمولة، كما مكّنهم من سداد القروض، وتوفير المنتجات، ودفع الفواتير، وصرف الرواتب. وقد شهد هذا البرنامج نجاحاً وإقبالاً كبيراً حتى في المناطق الريفية، وقامت كل من تنزانيا وأفغانستان بإطلاق برامج مثيلة له. ومنذ إطلاق البرنامج، وفى أقل من سنتين، أصبح الوسيلة الأولى لتحويل الأموال، حيث تتم 50% من التحويلات من خلاله. تجربة البريد في الهند؛ كانت الهند أكثر اعتمادا في تعاملاتها اليومية على المعاملات النقدية، حيث شكلت المعاملات النقدية لعام 2006 حوالى 95% من إجمالى المعاملات التي تتم داخل الاقتصاد الهندي، فقرابة الـ90٪ من البائعين لم يتبنوا التعامل عن طريق وسائل الدفع الإلكترونية، و85٪ من العمال كانوا يحصلون على رواتبهم نقداً، و70٪ من جميع المتسوقين عبر الإنترنت كانوا يفضلون الدفع نقداً عند التسليم، بالإضافة إلى أن نصف السكان تقريباً لا يملكون حسابات مصرفية. ولعل أحد أهم الخطوات لتعميم الشمول المالي، هو قرار تقديم الخدمات المصرفية من خلال شبكات البريد، وذلك نظراً للانتشار الواسع لمكاتب البريد داخل الهند، حيث تمتلك الهند حالياً 150 ألف مكتب بريد، منها 140ألف في المناطق الريفية، وهو ما يعادل تقريباً ستة أضعاف عدد فروع بنوك القطاع العام، والتى يبلغ عددها 23 ألف فرع. مؤسسات الفقراء في البرازيل، حيث قطعت البرازيل خطوات كبيرة نحو الشمول المالي، وارتفع عدد مالكو الحسابات المصرفية من 56٪ في عام 2013 إلى 68٪ في عام 2016، أي بزيادة قدرها 12%. وفي عام 2012، دفع ارتفاع نسبة الفقر وزيادة الاحتياجات الحكومة لتشجيع قيام مؤسسات مالية متخصصة لخدمة الفقراء، وبدأت الفكرة تظهر بوضوح أنها مؤسسات تخدم هؤلاء الذين لا يملكون حساباً بنكياً، فمن لا يملك حسابا بنكيا لا يستطيع الوصول لخدمة إيداع أموال أو قرض أو تأمين أو رهن، و سمح لهذه المؤسسات أن تعرض خدماتها عن طريق محلات البقالة، ومع التطور التكنولوجي أصبح فقراء البرازيل يحصلون على قروضاً من محل البقالة ببطاقة الرقم القومي. ولعلنا نفكر بجدية في صناعة تجربة جديدة في هذا الاتجاه وفقاً للمعطيات الموجودة، تجربة تتلائم مع الأوضاع الحالية وتكون بمثابة “الصدمة” الإيجابية التي تخلق ثورة مدفوعات مالية ورقمية، وتعمل على تعزيز النمو الاقتصادي وتحفيز الابداع البشري على تحقيق نتائج ملموسة. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/2k94