أعمده ومقالات مِصرُ ومحاولة اللِحاقِ بـ«القرن ١٨» فى عام ٢٠١٨.. بواسطة مصطفى حجازى 28 فبراير 2018 | 11:52 ص كتب مصطفى حجازى 28 فبراير 2018 | 11:52 ص مصطفي حجازي النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 9 «مِصرُ ٢٠١٨».. بعدما يربو عن مائتى سنة من انتهاء حكم المماليك- نظرياً على الأقل – عام ١٨٠٥م.. وبعد قرابة مائة وخمسين سنة من نشأة الحياة النيابية عام ١٨٦٦م وبالضرورة بزوغ ملامح الدولة المدنية المصرية الحديثة.. وعلى مسافة مائة سنة من ثورة ١٩١٩م.. الثورة الشعبية المصرية الكبرى وما تلاها من ثورة فكرية وثقافية أولت مصر لواء التنوير والثقافة والعلم والفكر والسياسة للشرق الأوسط وأفريقيا دون تَزَيُّدِ.. وبعد أكثر من ٦٥ سنة من حركة الضباط الأحرار وثورة ١٩٥٢م وما أحدثته من هزة اجتماعية واقتصادية عميقة مُضَفَرَة فى انتكاسة سياسية.. تَحَلَلَ فى غِمارِ مكتسباتها كثير من بديهيات الدولة المدنية.. وتآكل منطق وجود قواعد المجتمع الحاكمة بعد أن دُجِنَت أو أُهينت أو احتُكِرَت أو اختُزِلَت أو شُخصِنَت..! مصر.. بعد حوالى سبعة عقود من نُظمٍ سياسية واقتصادية تُرَاوحُ أقدامها بين اشتراكية كانت بنتُ عصرها مُبررةَ بانحياز للفقراء غاب طويلاً.. وإن أتت ثأرية رعناء.. فبدعوى الثأر الطبقى والانتصار من الظلم الاجتماعى المزمن أسرَفَت فى إذلال وتحطيم مبدأ الرأسمالية الوطنية أكثر من تقويمها فساد فسدة الرأسمالية.. اشتراكية انتهت إلى هيمنة أوليجاركية الحزب الواحد والجوقة الواحدة.. ثم التأرجح نحو انفتاح رأسمالى استهلاكى يُعفِى الدولة من كل مسؤولية اجتماعية واقتصادية مع الإبقاء على شكل أكثر حدة من أوليجاركية الشخص الواحد ورأسمالية المحاسيب.. وخلق فضاءات اقتصادية وسياسية فوق الرقابة والمحاسبة..! «مِصرُ ٢٠١٨َ».. وبعد ذلك الحراك التاريخى الزاخر والذى أنهكها وغَيَّر شكل المنطقة- بل والعالم- بسلب وإيجاب.. إذا بها- ودون أدنى صدمة- وكأنها تجتهد أو تُجهَد- الآن- لِتَلحَق بالقرن «الثامن عشر»..! ليس فى ذلك خطأ مطبعى.. نعم «القرن الثامن عشر».. ليس فى كلامى أى تزيد أو شبهة تَهَكُّم.. بل هو الواقع بكل تجلياته.. والذى يُلزِمُنا- بِفَرضِية عَين- محاولة صادقة لقرائته.. مُحاولةُ الأصل فيها هو.. التسامى عن جلد الذات والذى بات غير مُجدٍ.. والتَرَفُّع على أى انزلاق لدروب النكاية السياسية والتى تُفقِد القضايا جلالها.. والكَفُ عن أى مُناصَحة أو افتراض الرُشد فى جسد شبه سياسى قد صِرت تُسمِعُه إذا أسمعت حَيَّاً أو حَيِّيَاً..! «مِصرُ ٢٠١٨» ولنقل على مدار سنينها الست الأخيرة وكأنها بين شِقَىِّ رَحى لمشروعين يتصارعان.. أحدهما منطقى أكثر منه حداثى والآخر غاشم أكثر منه رجعى.. أحدهما هو ابن المستقبل الذى وُلِدَ ولم يَشب بَعد فى يناير ٢٠١١ والآخر هو الحِصن الأخير لبقايا الماضى الذى مات ويأبى أن يتحلل منذ ذات التاريخ..! مشروع الماضى يجتمع فيه بقايا مماليك نظامٍ سقط فى ٢٠١١ ومماليك تنظيم سقط فى ٢٠١٣.. وهما وإن بديا أضداداً فى صراع صفرى على سلطة.. فهما متطابقان من حيث السمت النفسى والعقلى والعلاقة بمعنى الوطن.. هما شركاء فى تصوراتهم للحياة.. هما أبناء وثنية سياسة واحدة تكفر بكل القيم العليا من حرية إلى عدل إلى حق عقل.. فليس لهم منها نصيب إلا كونها أدوات حشد وابتزاز وقمع وتَرَبُح لا غير. الوطنية والدين عندهما مدارج سلطة.. وليس أكثر..! أما المستقبل وأهله وهم كل من يريد أن يحيا كبقية خلق الله بين الناس وليس على رقابهم.. كل من يطمح فى وطن سيد بمقدار ما كان القانون هو السيد.. أهل الماضى يهرولون كى يدفعوا بمصر لزمن الممالك الإلهية والإقطاع المشرعن والمجتمعات القابلة بقِسمة لا طبقية ولا عِرقية ولكنها وكأنها قسمة خِلقَة.. فَبَشَرُ خُلِق ليتسيد بغض النظر عن أهليته وقُدرَتِه واستحقاقه وبشر خلق ليتبع ويقنع ويدفع ما عليه.. أهل الماضى يَرومون ضالتهم فى كيانات وكأنها بلاط ممالك ما قبل التنوير فى ذلك القرن.. تَملِك وتَحكُم وتَسأل.. ولكنها لا تُرَاجع بأى حَقٍ مَلَكت ولا بأى أهلية حَكَمت ولا تُسأل عما تَفعل وهم يسألون.. وإن كان هذا هو شأن أهل الماضى وأَثَرَتُهم وضيق أفقهم.. سيبقى للتاريخ وللمصريين فى شأن هؤلاء قول آخر..! أما كثير من أهل المستقبل فكأنه لم يبق لهم إلا أن يَتَمنوا من الله- وهم صادقون فى تمنيهم- أن يَصِلُوا بمصر إلى أعتاب تنوير نهاية «القرن ١٨» عَلَّ مصر تحقق مُجتمعاً لا يخاف الحرية بل يطلبها.. ولا يستغرب العدل بل يُصر عليه.. ولا يستكثر الكرامة أو يظنها هبة ميلاد تُقسَم لبعض خلق الله دون غيرهم.. هؤلاء يغلبهم على أنفسهم وَجَلُ وتردد وتشرذم وخفوت حجة.. وتَعتَريهم غُربَة ثقيلة. وعلى هؤلاء ألا يتقالوا الجهد أو يظنوا قصور مهمتهم أو يستثقلوا غُربةً لن تطول.. و ليعلموا أن التنوير والمنطق إذا ما هَجَرا المحروسة.. فذلك أقتلُ لمصر من عَنَتِ رَدِّ غُربَة مستقبلها من بين براثن غلظة الماضى وتدنى خصومته.. ويَصح لهم أن يتمثلوا قول عَمِّنا المتنبى.. وَالهَجْرُ أقْتَلُ لى مِمّا أُراقِبُهُ.. أنَا الغَريقُ فَما خَوْفى منَ البَلَلِ فالماضى- وإن لم يَتحَلل بعد- قد مَات.. والمستقبل- وإن لم يَشُب بعد- قد وُلِد.. فَكِّرُوا تَصِّحُوا.. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/frc6