أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح رثاء الواقع..ماذا بعد؟ بواسطة دينا عبد الفتاح 27 ديسمبر 2017 | 11:26 ص كتب دينا عبد الفتاح 27 ديسمبر 2017 | 11:26 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 9 بيقين الأرقام، يجب أن ننظر إلى المستقبل ونجهز أنفسنا لما هو قادم لأنه صعب. لسنا في خيبة أن نعترف أننا ننتمي إلى العالم الثالث فهذه حقيقة، وليس عيبا أن نضع أيدينا على نقاط ضعفنا لتصحيحها دون صخب، وأن نواجه الحقائق كما هى بلا تجميل ولا تهويل قدر المستطاع. هذه هى حقيقتنا التي شاركنا في صناعتها لسنوات مضت، ونحملها الآن كإرث ماض ليس ببعيد بكافة تعقيداته ومشاكله المحلية والإقليمية. وأصبح البحث عن حلول عملية وتصحيح الأخطاء دون ضجيج، هو عين العقل، أما الصراخ والمعايرة ومقابلة الظن بالظن، والتشكيك في كل ما يحدث هو درب من العبث والجنون القاتل. تابعت كغيري قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكنى لم أتفاجأ كغيرى بالقرار فهذه معطيات مرحلة تم تمهيدها لعقود طويلة لتصل إلى ما نحن عليه الآن، وافتح قنوات التلفزيون الخبرية لتعرف ما أعنيه بالضبط من دمار هنا وهناك في أكثر من دولة عربية. وعبرّت بدقة لغة جسد الرئيس الأمريكى أثناء إعلانه للقرار، عن غطرسة المرحلة المقبلة، والأنف الكبير الذي لن تحاكه شوكة، وواقعاً استراتيجياً جديداً على صعيد التوازنات الدولية والإقليمية. مرحلة ستظهر فيها أوراق اللعبة على السطح، وسيعرف كل واحد رصيده من هذه الأوراق قبل رفع سقف مطالبه، أو أن يرفع صوته في حضرة العالم الجديد. مرحلة لن تجدي التظاهرات فيها للشعوب ولمسألة القدس نفعا لأنها مؤقتة، فالضغط ليس في الشارع لكنه داخل المطابخ السياسية المغلقة وأروقة المصالح المشتركة، وأنا هنا لا أقلل من حجم الغضب الشعبى تجاه ما يحدث، لكنه سرعان ما سيزول كعادته يبدأ نار فينتهى رماد!. فالدول العربية ليست في وضع تحسد عليه فقد أنهكتها الصراعات الداخلية والحروب والخلافات الدامية، التي أودت بدمار البنية التحتية لمعظمها، وبتركيبتها السياسية والإنسانية، فامتيازات مؤسّسات الدول القديمة لم تعد موجودة من ثبات وقدرة على بسط النفوذ، ولا عنوان إلا لسماسرة سلطة داخل دول ممزّقة يطولها التقسيم والخراب، واقتصاديات سقطت في انتظار المعونات والقروض. مرحلة انكشفت فيها جماعات دينية ظالمة ومظلمة، اختلفت في تحديد مفهوم العقيدة والعبادة، وجرت معارك تكفيرية فيما بينهم يتهم فيها أنصار كل جماعة أنصار الجماعات الأخرى بالكفر، وبعضها خرج على الآمنين في بيوت الله ليقتلهم بإسم الدين والإسلام وهم ملعونون بإسم الله والإنسانية. هذه النتائج حقيقية، والاعتراف بها جزء من اليقين في أوضاع متاهة «اللايقين»!. نتائج تسببت فيها قوى خارجية بأيد داخلية تتخطى نظريات المؤمراة، وبقوانين لا تعرف إلا لغة القوة. وهو ما يدركه ترامب والإدارة الأمريكية جيداً، فبلاده في موقف أقوى، وفي يدها جميع أوراق اللعبة، فلما لا تحرك الأشياء السيئة إذا كانت رد الفعل «إدانة»! فما كان خطّاً أحمراً بات الآن ضوءاً أخضراً في طريق ممهد لجني المكاسب على الأرض!. وبالتالى ووفقا لهذه الظروف هل نملك مساحات تتخطى الإدانة والشجب والتنديد وأقصد هنا «مصر»، خاصة إذا كان المطلوب هو الفعل وليس رد الفعل، وإذا كانت هى بحكم الماضي أكبر حليف للقضية الفلسطنية وقدمت أكثر من 100 ألف شهيد. بنظرة عابرة على أوضاع الشارع المصري حالياً ستجد تغيرات جمة حدثت في المجتمع، حصيلة الست سنوات الماضية، تغيرات على مستوى العادات والتعاملات، وتغيرات في مستوى التفكير لجيل جديد يبحث عن الواقع في شبكة الإنترنت ويحلم بالتغيير على مستوى المعيشة والتعليم. جيل فقد الثقة في نفسه أولاً، نتيجة سياسات خاطئة لعقود طويلة قامت بتهميشه، وعدم الإرتكاز عليه كمعيار رئيسي للنمو والتطور. جيل سخر من الواقع وسخر من نفسه وكتب «بوستات» تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن «الحالة» بقوة على غرار: «نحن أمة عندما تغضب فإنها تهدد بتغيير صورة البروفايل على الفيسبوك، لمدة يومين فقط، ثم تعيدها مرة أخرى إلى الصورة العادية» «سنأتيك يا نتنياهو بجيش أوله في الفيس بوك وآخره في تويتر ولنأتينك بقوم يحبون تغيير صورهم الشخصية بصورة القدس.. فانتبه فنحن قادمون» وأنا هنا لا أدين أحداً فالمسئولية جماعية، لكن مستوى الإدارك لدى معظمنا أصبح مشوشا ومرتبكا على كافة المستويات تجاه الأحداث الجمة والمفجعة. مستوى إدراك كشفته تظاهرة خرجت الجمعة الماضية لتعبر عن غضبها تجاه قرار ترامب بالصياح يا ترمب يا جبان يا عميل الأمريكان!. “نقطة ومن أول السطر”.. إن الظروف حالياً لا تخدم الإدارة المصرية في إتخاذ قرار تصادمي مع الولايات المتحدة بالتأكيد؛ وهو ليس في محله لأسباب كثيرة تتعلق بالتاريخ أولاً، والذي شهد جولات تفاوض محدودة النتائج قامت بها إدارات مصرية وعربية سابقة «ما بعد كامب ديفيد»، وتتعلق أيضا بأن أوراق اللعبة جزء منها مازال مملوكاً في يدها خاصة بعد أن وضعت القاهرة نفسها بالفعل داخل دائرة صنع القرار حالياً بعد استئناف دورها كراعى رئيسى لجهود المصالحة الفلسطينية والتدخل الفعال للرئيس عبد الفتاح السيسى في الحوار الفلسطيني والذي يشير بقوة إلى عودة مصر لمكانتها قبل عام 2013 فيما يتعلق بالفلسطينيين. والذي وقع بمقتضاه اتفاق للمصالحة النهائية في 12 أكتوبر الماضي بين حركة فتح في الضفة الغربية، وحركة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ العام 2006، ووفقاً للترتيبات التي اتفق عليها الجانبان بجهود ووساطة مصرية مباشرة، تتولى حكومة الوفاق الوطني السلطة في كل الأراضي الفلسطينية في موعد أقصاه 1 ديسمبر. هذه المصالحة التي أتت على غير هوى الإدارة الأمريكية وحاولت عرقلتها بكافة السبل، وهو ما أكدته الخارجية الروسية في بيان رسمي، يظهر المعايير المزدوجة لإدارة ترامب، ويكشف أيضا عن تحرك جديد للدبلوماسية المصرية في الطريق الصحيح. “فرُب ضارة نافعة”.. حيث لن ينجز شيء إلا بأولئك الذين تجرئوا على الاعتقاد أن بداخلهم قوى تتفوق على الظروف وفقا للكاتب «بروس بارتون». قرار ترامب، أتوقع أن يحاك حوله تغيرات كبيرة يجب أن يدركها الشارع، تغيرات ستحدث هزة في المنطقة والعالم خلال الأربع سنوات القادمة. هذه التغيرات تقول مجموعة من الحقائق أولها، إن الإدارة الأمريكية تعلن بوضوح إنحيازها المطلق لإسرائيل التي تنتهج سياسة تحقير إلى جانب سياستها العنصرية والإجرامية والاستيطانية بفلسطين والتي يعترف بها العالم في ظل الانشغال الكبير للدول العربية بالشئون الداخلية «المشتعلة» سواء الخاصة بتبعات الربيع العربي أو ظهور تنظيمات إرهابية. وثانيها إن على الدول العربية وجامعتهم الاستعداد لسيناريوهات متعددة لقرارات غير تقليدية ستحدثها الإدارة الأمريكية في الوقت القريب. مصر أصبحت مطالبة بدور أكبر في هذه القضية، يجب أن يعد له بدقة من الآن في ظل الاعتقاد السائد بين الجميع أن مصر هى الشقيقة الكبرى للعرب بشكل عام، وهى الداعم الأول لقضية فلسطين، ويبدو أن التحركات الاستراتيجية للسياسات الخارجية المصرية على مدار الفترة الماضية، وتشكيل مجموعة جديدة من الحلفاء يتفق مع نظرية توازن القوى المتوقع أن تسود في المستقبل. فالعلاقات المتميزة بين مصر والصين، والتناغم السائد في علاقتها مع باقي أعضاء تجمع «بيركس» سيمنح لمصر قوة تفاوضية أكبر بشأن هذه القضية، وسيرجح كثيراً من رأي العرب أجمعين، باعتبار أن مصر هي المتحدث الأول بشأنهم. ولابد أن يركز صناع القرار في مصر أن تنعكس العلاقات الخارجية المتميزة مع القوى الدولية الفاعلة على الساحة، في مساندات حقيقية لاتجاهات القرار بداخل مجلس الأمن وغيره من المجالس الدولية التي تبحث وتناقش السلم والأمن العالمي. وتحقيق المكاسب على أرض الواقع في مثل هذه القضايا يحتاج لمزيد من الوقت، كما أن الإنجاز فيها يسير ببطء شديد، فهو يرتبط بمصائر دول لها تواجدها، ويرتبط بملكيات شعوب، وتقسيم أو توحيد أوطان! كما أن مصر الآن أصبحت مؤهلة أكثر من أي وقت مضي لتلعب هذا الدور، بعد أن طبقت سلسلة إصلاحات جعلت اقتصادها أقوى، ومنحتها رصيداً كافياً لإقامة علاقات اقتصادية قوية مع مختلف الأطراف الدولية، فضلاً عن تأهيلها لتلعب دور أكبر في التجمعات السياسية والاقتصادية الفاعلة. وينبغي أن تحدد الدولة مجموعة من المفاتيح التي تلجأ إليها لتحريك الأبواب المغلقة في مثل هذه القضايا الشائكة، ولعل الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي بوتين بادرة لتكوين وجهة نظر مشتركة بين مصر وروسيا التي تعد القوة السياسية الثانية في العالم حيال القضية الفلسطينية التاريخية. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/e9ea