أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح كيف نضمن استدامة الاصلاح ؟ بواسطة دينا عبد الفتاح 18 سبتمبر 2017 | 10:15 ص كتب دينا عبد الفتاح 18 سبتمبر 2017 | 10:15 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 7 برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يكن رفاهية يمكن التخلي عنها ، أو تأجيلها لبعض الوقت، الأمر كان أشبه بضرورة إيقاف صفارات الإنذار عبر طفي الحرائق المتوغلة وليس بفصل الكهرباء عنها ، فالمبادرة إلى تصحيح المسار الاقتصادي ودفع الثمن السياسي والاجتماعي في وقت واحد ، يشير إلى مدى عمق الخيارات والتوجهات الرئيسية لدى صانع القرار واختبار قوى لمدى قدرته وشعبيته على الأرض . فالواقع يقول أن برنامج الإصلاح نجح إلى حد مقبول في مراحله الأولى من تخطي أهم عقبة تواجهه وهي الدعم المجتمعي وإن كان على “مضض”، خاصة مع حجم الثمن المدفوع من تضخم وانخفاض في مستوى المعيشة بعد تحرير سعر الصرف ورفع الدعم ، إلا أن رد الفعل لم يكن “ثورياً” ، لكنه بات أكثر ارتكازا على محاور تتعلق بالعمل الزائد وتقليل الاستهلاك ومنح فرصة لإحداث تغيير بعد سنوات من الاضطرابات منذ ثورة يناير. وعلى هذا المعيار ترتكن الدول القوية في تنفيذ سياستها على كافة المستويات، وضمان الاستدامة لتأثيرها الإيجابي في المجتمع فالاعتماد على المنطق في معالجة الأمور لوضعها في نصابها الصحيح ، والارتكان إلى المؤشرات المالية والنقدية كمعيار أساسي لنمو حقيقي ، والابتعاد عن تسييس كافة القضايا ، والغرق في نظريات المؤامرات والتخوين ، وفوبيا الخوف من كل شىء ، هذا هو بيت القصيد . فمصطلحات كالحرب على الإرهاب يجب أن تتوارى الآن وإن كانت موجودة فالأمن كفيل بها ، وتعبيرات “الحمد على أننا لسنا سوريا والعراق ” هي دغدغة لمشاعر مجتمع تراجعت قناعاته لعقود طويلة وبات متأرجح بين الأمل في المستقبل أو العودة إلى الوراء وبالتالي المراهنة عليه بإشراكة في صناعة القرار والمصداقية أمامه هي أقصر الطرق . كما أن مساحة “الرضا المجتمعي” في دولة كمصر، تحددها هذه الإرادة السياسية التي ترغب في إحداث الفارق على الأرض من خلال الارتقاء بالقدرات الإنتاجية والتشغيل الكفء لمقدرات المجتمع ، وتوزيع عوائد هذا التشغيل، بما يحقق أعلى درجات الرضا ، من غالبية الفئات ، فالدولة المصرية أصبحت غير التي عرفناها لسنوات،مع انتشار الفضائيات على نحو غير مسبوق، وتزايد التنوع في السلع والخدمات المتاحة ، وتعاظم قدرة شبكات التواصل الاجتماعي على التأثير في مختلف نواحي الحياة . وعلى مستوى السياسة والعلاقات الدولية ، لاتنظر إليك الدول والمؤسسات العالمية بمنطق “السجين” الذي لايرغب في العودة إلى السجن ! ، لكنها تلهث وراء المعلومة وإن أخفيتها لاتخاذ قرار تجاهك وترتيب مصالحها فى المستقبل ، بمنطق القوة الدولية التي لاتعترف بالضعيف وإن كان حليفاً ، وتحترم القوي وإن كان عدوًا ، وإلا على أي أساس قام صندوق النقد الدولي بمنحك قرض الـ12 مليار دولار، وعلى أي معايير وقعت فرنسا معك صفقات سلاح مليارية ، وتوقع حالياً اتفاقيات ومذكرات تفاهم وتعاون اقتصادي مع الصين وروسيا وغيرهم . كما أن المستثمر أيا كانت جنسيته لايسمع إلا رنين المال في أذنه عند اتخاذ أي قرار، وتسبقه حالة عدم اليقين حول مستقبل استثماراته في دولة ما وإن كانت وطنه ، حتى يتبين له عكس ذلك في حساباته البنكية وتنامي رؤوس أمواله . فكيف نضمن وسط هذه الاعتبارات استمرارية واستدامة نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي ؟ في ظل تأكيدات كثيرة من المسئولين في مقابلاتي معهم أننا تخطينا المرحلة الصعبة . فقد تحقق أحلامك الضخمة ، لكن قد لاتحققها إذا كانت بالغة الضخامة. من الضروري الآن وليس غدًا وجود رؤية اقتصادية شاملة ، تحدد أهدافنا الداخلية والخارجية بمنطق الكيف وليس الكم ، ويتم بمقتضاها حشد جميع أجهزة الدولة للعمل على تحقيقها ، ومعالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في اقتصادنا ، وإعادة بنائه على أسس تضمن تنويع نشاطاته ومصادر دخله، وتفتح آفاقا أرحب أمام القطاع الخاص تمكنه من إيجاد فرص استثمار حقيقية قادرة على رفع معدلات النمو وخلق المزيد فرص العمل . وهذا ماليس موجودًا بشكل مؤسسي حتى الان لخدمة قضية الإصلاح والوقوف على برنامج وطني للاستدامة الاقتصادية والمالية، والنتيجة قوى مبعثرة هنا وهناك تندفع وراء ماتراه صحيحاً ولايتناسب مع المعطيات الموجودة على أرض الواقع . فالحكومة الآن مطالبة بحسم مجموعة من الملفات الشائكة على أرض الواقع، والتي تؤثر بشكل مباشر في مستقبل هذا الوطن، أول هذه الملفات الملف التنموي، فعلينا تحديد من أين سنبدأ ؟ ، لأن مستوى العمل والإنجاز الحالي تطارده أشباح المحاولات التنموية السابقة ، وإن كان بالتأكيد يؤسس لمستقبل أفضل ، إلا أنه لم يسلط الضوء بعد على سياسة تنموية تفصيلية يقتنع بها الاقتصادى بشكل كامل ويثق فيها أبناء الوطن والأجانب ، وهذا بالتأكيد مسئولية الحكومة. لذا ينبغي أن تتحرك الحكومة لما يطلق عليه سياسة “تركيز النمو” من خلال التركيز على مشروع قومي معين، يكون منتجاً، وأتصور أن يكون مشروع تنمية محور قناة السويس، أو منطقة المثلث الذهبي، أو قطاع إنتاجي معين يكون لديه القدرة على اختراق الأسواق الخارجية وتوليد دخل يدعم مستهدفات الدولة، وهذا القطاع أتوقع أن يكون الصناعات الكيماوية التي يدعمها توافر الخبرات الكافية في مصر حول هذا النشاط، واقتراب دخول حقول الغاز الطبيعي الجديدة مرحلة الإنتاج بما يوفر المدخل الإنتاجي الرئيسي لهذه الصناعة الرائجة عالمياً . وسياسة “تركيز النمو”لا بديل عنها خلال الفترة الحالية في ضوء مشاكل التمويل التي تحجم كثيرًا من إمكانية اتباع سياسة النمو الشامل، القائم على العمل في مختلف القطاعات معاً، إضافة إلى العديد من المشاكل التي تعرقل الحركة التنموية في العديد من القطاعات والتي يصعب معالجتها بشكل كامل وفي وقت واحد. ثاني هذه الملفات، هو الملف الخارجي الذي ينبغي على الحكومة إعادة النظر فيه، فلا يصح باي حال من الأحوال أن تضع مصر في رؤية 2030 بريطانيا كقوة ارتكاز للعلاقات المصرية مع أوروبا بأكملها ، والسادة المسئولين لم يتحركوا أو يتحركوا دون إنجاز ملحوظ، لتوقيع اتفاقيات مع بريطانيا على مستوى التجارة الحرة، وحركة رؤوس الأموال والعمالة، لضمان عدم تأثر العلاقات بين البلدين سلباً بخروج بريطانيا المقرر من الاتحاد الأوروبي، والذي سيؤدي لسقوط كافة الاتفاقيات التي تعمل بها حالياً مصر مع بريطانيا باعتبارها، عضوا في منطقة اليورو. كما أن الحكومة مطالبة بضرورة تقييم التوجه الخارجي الذي يركز على المعسكر الشرقي وخاصة الصين، في ضوء الحركة البطيئة للغاية للاستثمارات الصينية في السوق المصري، وكأن هناك تحفظاً من الشركات الصينية التي طورت عملها في أفريقيا وتنميه بشكل دائم في نيجيريا وجنوب أفريقيا بشأن الاستثمار في مصر التي تزخر حالياً بالعديد والعديد من الفرص المربحة، فضلاً عن الشريك الروسي الذي نعده شريكاً استراتيجياً وإلى الآن يعرقل بشكل كبير صادرتنا إليه خاصة في القطاع الزراعي، كما أنه لم يساندنا حتى الآن في اتخاذ قرار بعودة السياحة الروسية إلى مصر. ويأتي ذلك بالإضافة للشريك الأمريكي الذي رحب بالرئيس السيسي ، وأكد على تحول العلاقات بعد الزيارة الأخيرة الناجحة إلى الأفضل، وفوجئنا بإعادة جدولة المعونة وتخفيضها، والتلويح بأكثر من كارت منها عدم ترحيبه توقيع اتفاقية تجارة حرة مع مصر حالياً، وكذلك عدم ممارسته أي دور لاقناع إسرائيل بتخفيض المكون الإسرائيلي في بروتوكول الكويز، على الرغم من الطلب المصري المتكرر منذ سنوات، والذي يتم تداول النقاش بشأنه في وجود ممثل أمريكي رفيع المستوى في كل مرة تنعقد فيها لجنة الكويز. الملف الثالث الذي ينبغي على الحكومة مراعاته هو ملف التمويل، فامتلاكنا جهاز مصرفي قوي وبنوك قادرة على تعبئة المدخرات المحلية وتحويلها للاستثمار، لا يمنع من ضرورة مواجهة الإشكالية الكبري التي تواجهها الدولة في قدرتها على تمويل الاستثمار، في ضوء التزايد المخيف لعجز الموازنة “كرقم مطلق” واعتماد الحكومة بشكل أساسي على البنوك في تمويله، مع التراجع المخيف أيضاً في معدل الادخار الذي سجل 3.8% من الناتج المحلي بنهاية الربع الثالث من العام المالي الماضي. وهذه الإشكالية التمويلية تأتي مع تخطيط الحكومة للصعود بمعدلات الاستثمار إلى 17% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط و30% على المدى البعيد، وهو مايشير إلى اتساع كبير في فجوة الموارد، وزيادة الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية التي يتحكم في توجهها لمصر العديد والعديد من الأبواب التي لا تملك الحكومة مفاتيحها ! نهاية ، يجب على الدولة أن تعيد النظر دائماً في سياستها باستمرار لتصويبها أو لإلغاءها في بعض الأحيان ، فالأزمات لا تسقط بتقادم السنين ، وتجارب الماضي ليست تاريخ للقراءة ولكن للتعلم ، والتوقف عن التقدم للأمام لن يمنعك من السقوط أرضاً ! . اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/ppnd