أعمده ومقالات ماذا لو عادت بنا الأيام؟ بواسطة محمد حبيب 20 أغسطس 2017 | 10:43 ص كتب محمد حبيب 20 أغسطس 2017 | 10:43 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 9 يحتاج الشباب المقبل على جماعة الإخوان، أو الشباب الذين انضموا فعلا، وصاروا جزءًا منها- أن يفكروا جيدا، وأن يقرأوا بتدبر وتأمل ما نكتبه هنا وفى أماكن أخرى، لأنه يعبر بصدق عن خبرة وتجربة طويلة، تدرجنا فيها من فرد كان، ولا يزال مهتما بقضايا أمته إلى عضو مكتب إرشاد لفترةٍ لا تقل عن ٢٠ سنة، ثم نائب أول للمرشد لمدة ٦ سنوات.. قضينا داخل الجماعة أوقاتًا طيبة، لكننا فى المقابل عانينا كثيرا ولفترات طويلة.. التقينا فى الجماعة شخصيات جديرة بالتقدير والاحترام، وأخرى لم تكن على المستوى المقبول، بل دونه بكثير.. وعلى الرغم من الثقافة التى كنا نتمتع بها، فالعاطفة كانت هى الغالبة على تفكيرنا وقراراتنا.. وقد قلنا إن الفكرة- أى فكرة- عادة ما تكون وليدة ظروف وسياقات معينة، وهذه تتغير كثيرا أو قليلا مع مرور الأيام.. لذا، لابد أن نقلب الأمر على كافة وجوهه، وأن نقوم بدراسة حصيفة لما يجرى حولنا والتوقعات التى يمكن أن تصير إليها الأحوال (محليا وإقليميا ودوليا) وكيف السبيل إلى النهوض أن كنا نريد حقاً تقديم شىء نخدم به أمتنا.. وكان السؤال المطروح علينا هو: هل لو عادت بك الأيام إلى شبابك الباكر، هل كنت تختار نفس الطريق، أى طريق جماعة الإخوان، أم كنت تسلك طريقا غيره؟. إن كثيرا من الشباب يريد أن يقدم أحلى ما عنده للإسلام، فماذا يفعل، خاصة إذا كانت المؤسسات الرسمية لا تشبع حاجته، ولا تلبى طموحاته؟ لذا، وجدنا شبابا ينتمى لهذه الجماعة أو تلك.. كما وجدنا أيضا شبابا تنفرط حبات عقده، فينحرف فى هذا الطريق أو ذاك، وبدلا من أن يكون نافعا، يصبح ضارا لنفسه ومجتمعه. «٢» فى هذا المقال نستكمل ما بدأناه فى المقال الفائت، حيث توقفنا عند الانفصال الذى حدث للوحدة بين مصر وسوريا فى سبتمبر عام ١٩٦١، والذى أصابنا نحن- شباب الجامعة- بغصة ومرارة، بل قضى على آمالنا وأحلامنا فى الوحدة العربية التى كان يعول عليها فى إيجاد حل للقضية الفلسطينية من جانب، وإنشاء تكتل كبير له مكانته ومنزلته فى مواجهة الكيانات الأخرى من جانب ثانٍ، وتوطئة للوحدة الإسلامية التى تعيد إلينا أمجادنا الأولى من جانب ثالث.. لم نكن آنذاك ندرى شيئا عن طبيعة ولا حجم الخلاف بين نظامى الحكم فى البلدين، ولا عن المؤامرات التى حيكت (إقليميا ودوليا) من أجل إحداث الانفصال.. كانت الآمال والأحلام تسبقنا، وتغطى على كثير من الحقائق والأحداث التى كانت تجرى على أرض الواقع.. كنا شبابا صغيرا لم يتجاوز عمره الـ١٨ عاما، ولم تكن هناك ثورة معلومات ولا اتصالات، كما حدث بعد ذلك.. لذا، لم نجد هناك مفرا من أن ننكب على الدراسة، نعطيها وقتنا وجهدنا، وحسنا فعلنا. «٣» فى تلك الفترة، كان معنا بعض الطلاب الذين لهم نشاط واهتمام ظاهر بالعمل الإسلامى.. وقد اتصل بهؤلاء بعض الإخوان، سواء من تم الإفراج عنهم بعد عامين أو ثلاثة من الاعتقال عام ١٩٥٤، أو من لم يتم اعتقالهم أصلا.. تحدث إلى واحد من هؤلاء الطلاب بشأن الانضمام إليهم فى التنظيم المزمع إنشاؤه، لكنى لم أصغ إليه أو أعره اهتماما.. ولا أذكر الأسباب الحقيقية التى دفعتنى للرفض آنذاك، هل هى عدم قناعتى بشخصية الداعية، أو لمحاولة تفرغى الكامل للدراسة، أو هما معا؟ لا أدرى.. كان معنا بنفس الكلية بقسم الرياضيات ويسبقنا بعامين أحد الأصدقاء من أهل دمياط، وكان يحصل على تقدير امتياز كل عام.. سألته عن أسباب تفوقه، فأجاب: زجاجة صمغ يا صاحبى.. قلت: لم أفهم شيئا.. قال: عندما تبدأ مذاكرتك، عليك أن تضع على كرسى المكتب نقطة أو نقطتين من الصمغ، ثم تجلس عليه (!) والمقصد هو أن التصق بكرسى المكتب أثناء المذاكرة أطول فترة ممكنة.. ولما كان ذلك عسيرا على، فقد أوصانى بالتدرج، مع وضع هدف التفوق أمامى.. وقد حدث، وتحقق المراد، ففى عام ١٩٦٤، تخرجت فى كلية العلوم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وتم تكليفى معيدا بقسم الجيولوجيا بذات الكلية فى نفس العام. «٤» فى تلك الفترة، لم يكن هناك- فى تصورى- تغيير يذكر على المستوى المجتمعى العام، اللهم إلا الأحداث التى كانت مرتبطة بإنشاء الاتحاد الاشتراكى العربى، ثم التنظيم الطليعى السرى الذى تمخض عنه، لكنى كنت فى واد آخر.. كان توجهى أيامها هو تعويض ما فاتنى من ثقافة، فأقبلت بنهم وشغف على قراءة كتب العقاد، والمازنى، والرافعى، والزيات، وطه حسين، والحكيم.. كما كان اهتمامى أيضا بمتابعة النهضة المسرحية التى كانت موجودة لكتاب متألقين من أمثال: نعمان عاشور، عبدالرحمن الشرقاوى، ألفريد فرج، سعد الدين وهبة، يوسف إدريس، وغيرهم. «٥» فى عام ١٩٦٥، بدأت دراستى لدرجة الماجستير، وكانت فى مجال الصخور الصلبة المعقدة فى صحراء مصر الشرقية، إلى الغرب من ميناء سفاجا، حيث الجبال الشاهقة، والتاريخ الممتد لأكثر من ٦٠٠ مليون سنة، أو ما نطلق عليه نحن الجيولوجيين: «ما قبل الحياة».. هذه المنطقة تقع ضمن المثلث الذهبى الذى يحوى ثروة معدنية لها قيمتها.. والحقيقة أن اختيار أستاذى (رحمة الله عليه) لهذه المنطقة كان هدفه هو التعرف على أصل الصخور الجرانيتية الموجودة بها.. ترددت على منطقة الدراسة مرات كثيرة، وفى كل مرة نقضى أسبوعين.. فى ذلك الوقت، لم يكن هناك طريق من أسيوط إلى سفاجا، كما الآن، بل علينا أن نسافر بالقطار إلى قنا، حيث يكون فى انتظارى العامل والسائق.. ثم ينطلق ثلاثتنا إلى سفاجا فى عربة جيب قديمة ومستهلكة («ويلز حربى» موديل سنة ٣٦)، ذقنا منها الأمرين فى السفر والحضر.. كان موضوع الدراسة يتطلب صعود الجبال والسير عدة كيلومترات فى الأودية، الأمر الذى أكسبنا مع الأيام صلابة وجلدا وقدرة كبيرة على التحمل.. وعلى الرغم من وعورة الجبال ومشقة الصعود إلى قممها، إلا أنه كان أمرا مهما وضروريا.. وصدق ما قاله أبوالقاسم الشابى، شاعر تونس العظيم: ومن يتهيب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر..عند القمة كان ينكشف أمامى كل شىء، تماما كما «نظرة الطائر».. أرى البعيد والقريب، على حد سواء.. صحيح، تبدو الأجسام البعيدة صغيرة، بل متناهية الصغر، لكن أحجامها ومواقعها بالنسبة لبعضها تكون واضحة وجلية.. لا صخب ولا ضجيج، لكن تفكر وتأمل يجريان فى هدوء.. صحراء قاحلة، لكن ذات طبيعة ساحرة خلابة تأسر العقل والقلب معا.. وللحديث بقية إن شاء الله. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/r2rw