أعمده ومقالات القَضِية الأصلْ.. بواسطة مصطفى حجازى 19 يونيو 2017 | 11:52 ص كتب مصطفى حجازى 19 يونيو 2017 | 11:52 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 2 قضايا البقاء والمصير- وعلى رأسها قضية الأرض- لا يستقيم أن تكون دروباً للنكاية السياسية ولا أن تتدنى إلى شبهة المكايدة أو أداة لِدَحرِ الخصوم.. فـ«الوطن» عقيدة قبل أن يكون جغرافيا.. واليقين بمُقَدراته والذود عنها نُسُك لتلك العقيدة. والبشر بشر فى كل مكان فى الدنيا.. مجبول على حُب المِلكية.. والحرص على ما يملك.. والأهم أنه مجبول على الانتماء لوطن.. يدفعه إلى أن يقدم روحه طائعاً من أجل أن يبقى ذلك الشىء الأثيرى، الذى لا يستطيع أن يَلمَس منه إلا حِفنةَ من رمال هنا أو حِفنَة من ماء هناك.. وقد يَلمَس منه فى كل وقت العَنَت والإهانة وضيق الأفق ولكن يبقى الوطن وطناً.. لمَن ارتضاه واستطاع قبل ذلك وبعده أن يبقى بشراً إنساناً.. لا دابة من دواب الأرض وكفى.. ولهذا تبقى قضية الأرض هى المكافئ الموضوعى للشرف لدى المصريين على وجه الخصوص.. كالدين فى الوجدان.. العبث به جنون، واستدعاؤه على موائد القمار السياسى انتحار..! على هذه الأسس وبعقلانية وهدوء يليقان بجَلالِ المُصَاب.. وفى محاولة واجبة تَستَلهِم أبجديات الأمن القومى العربى ولا تُخَاطِب عاطفة.. يلزم أن نناقش ما يُعرَف باتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والشقيقة المملكة السعودية. الاتفاقية بالأساس- وبدون محاولات للالتفاف حول الحقائق أو تزيين لواقعها- اتفاقية تنازل مِصرية عن أرض مِصرية، وهى جزيرتا تيران وصنافير المصريتان..! وإن لم تكن كذلك فما الحاجة إلى كل تلك الطنطنة حول الماراثون الدبلوماسى والخطابات المتبادلة وغيرها.. والحديث عن الولاية والسيادة والإدارة..؟! يُراد للأمر فى ظاهره- الأخف وَطأة- أن يكون انتقال ولاية أرض مصرية إلى الشقيقة السعودية أو قُل تدويلها بالوكالة.. وهو ظاهر ثقيل مُر.. غيرُ مقبول مهما خُفف..! أما جَوهَر حقيقته لأى مبصر فهو ولاية إسرائيلية مباشرة على مضيق تيران وعلى المياه الإقليمية المصرية.. تُصبِحُ فيه صاحبة شرعية فرض السيادة سِلماً وحَرباً..!! وهو ذات المضيق وذات المياه التى كانت سببا يَعرِفُه كلُ واعٍ بالتاريخ لاندلاع حرب 1967.. حين مارست مصر حق سيادتها على مياهها الإقليمية وأغلقت مضيق تيران.. وما جَرَّته من هزيمة عسكرية لم تكن لآثار عدوانها أن تُمحَى لولا «أولياء الأرض».. لولا شعب مصرى واعٍ بقدُسِيتها.. احتضن «جيشه المصرى الوطنى» ليصنعا معا لحظة كبرياء.. هى من لحظات تُصنَعُ بها الأمم.. فكان نصرا عسكريا مؤزرا فى أكتوبر 1973. وبذلك الحدث فى التاريخ- الذى يُرادُ لنا أن نتعامى عن مَنطقِه الآن- تدفع مصر حتى يومنا هذا ضريبة ممارستها سيادتها على أرضها «مسخاً» لمجتمعها وتشوهاً لكل أحلام ومشروعات التنمية فيها.. وكأنه كان نذير استقالتها من التاريخ. تنتقل السيادة والولاية- ولو بالشراكة- لإسرائيل.. وبشكل أوقع على مفتاح سيادة على أرض سيناء «مطمع إسرائيل وحلمها».. لتُبادِل إسرائيل ما اكتسبته من موطئ سيادة جيواستراتيجى بعناوين السلام الدافئ والسلام الاقتصادى.. والهيمنة على المنطقة العربية بأسرِها، فى ظل عملية استئصال للوجدان العربى وزراعة عقيدة استراتيجية جديدة تقول إن إيران هى العدو وليست إسرائيل..! ويأتى كل ذلك فى إطار مشروع أمريكى ليس بجديد- يَصخَبُ به معتنقو المؤامرة والمُرَوِّجِون لحديثها ليل نهار وهم يسيرون فى ركابه داعمين- لا يَرمِى إلى تغيير الخرائط السياسية للمنطقة فحسب.. بل لتغيير العقائد السياسية للمنطقة، بما فيها تغيير «مرتكز القيادة» و«طبيعة الصراع» و«خط المواجهة»..! فالرياض لا القاهرة يُرادُ أن تقود.. وعلى القاهرة أن تظل مُستَودع القوة العسكرية والبشرية والثقافية التابع لا القائد..! والصراع هو صراع «سُنى شِيعى» أو قُل «مَحرَقة» إسلامية/ إسلامية وعربية/ عربية لا صراع عربى إسرائيلى..! ودُوَل المواجهة والقلب ليست مِصر والشام ولكن دُوَل الخليج العربى.. لِتضحى- ولأول مرة فى التاريخ المعلوم- «دول القلب العربى» وتراكمه الحضارى منذ فجر الإسلام، وهى حواضر مصر والعراق والشام، «دول أطراف»..!! وفى ذلك تبديد للأمن القومى العربى.. لا يحتاج تأويلا أو مجاملة..! بالقطع إيران دولة نَكِدة سياسياً لها مشروعها التَوَسُّعى.. والمُنبَنِى على تهويمات ثأرات تاريخية تُعطى غِطاءً عقائدياً لرغبتها فى الهيمنة وبناء إمبراطورية فارسية على مقدرات دول جوارها العربى بالأساس.. هذا منطلق مؤسس لا يمكن إغفاله فى التعامل معها.. ولكن إن صارت إيران الآن عدواً وبحق.. فتبقى إسرائيل هى «العدو» من قبل ومن بعد..! قد يبدو الأمر فى طَورِ تَحَقُقِه- ولِمَ لا- والاحتفاليات والأحلاف تُقحِمُه على الواقع.. ولكن ما يغيب عن محركى الدُّمَى على مسرح السياسة وعن بعض الدُُّمَى.. أن القيادة قَدَر وليست اختيارا أو حُلم تَمَلُّك أو وَجاهةَ مُلك.. والقيادة قَدَرُ مصر.. الذى لا تملك أن تذهل عنه.. وهو قَدَر الكبار.. حتى وإن أراد البعض لها أن تَصغُرَ عنه..! الكِبارُ يَعرفون أنه فى لعبة السياسة والهيمنة الدولية.. يملك الكبار مرتكزات استراتيجية على خريطة العالم السياسية.. وإن لم يملِكوها إرثاً.. تملَّكوها قَسراً بالتَوَسع والاحتلال أو الحيلة.. ولولا ذلك ما استبقت بريطانيا جبل طارق، وهو جزء من الأراضى الإسبانية، ليبقى لها قول فى حركة ملاحة المضيق.. وما حاربت من أجل استرداد سيادتها على جزر الفوكلاند الأرجنتينية التى تبعد عن بريطانيا 9000 ميل.. وما أبقت إسبانيا على مدينتى سبتة ومليلية فى الأراضى العربية المغربية من أجل أن تصبح حركة الملاحة بين جزر البليار الإسبانية والسواحل الأفريقية مياها إقليمية إسبانية غير متنازع عليها.. وما ضمَّت روسيا القرم بدعوى الحقوق التاريخية..! ولن ينتهى السَردُ لمِنطِق حاضر- لن يغيب- ما بقيت دُوَل تعى معنى الأمن القومى وأدواته.. والحَكَم فى شؤون الأمن القومى هو الجيواستراتيجيا وعقائد الأوطان.. ولم يُقحَمُ عليها ذلك البِدعُ الجديد من العِلم الذى جَعل من «الجيولوجيا» قَيِّماً على شؤون «السياسة».. حتى إن أراد بعضُ متنطعينا أن يَبتَدِع من العُلوم ما يسمى علم «الجِيو لياسة» كهجين للجيولوجيا والسياسة الدولية..!! ولم نَعرِف عن كِبار يساومون على مُرتَكزات استراتيجية ذات قيمة حتى وإن لم يَملِكوها.. فما بالنا بِمُرتَكزات الحُجيّة التاريخية قائمة لها.. حتى ولو فى إطار الحوار..! كان ذلك بعض مَنطِق التاريخ ومَنطِق السياسة ومَنطِق الفطرة، والذى ينتصر لقضية الأرض.. وقد سِيق من المنطق القانونى ما يكفى.. وكفى بحُكم المَحكَمة الإدارية العليا قولاً فصلاً لمَن أرادوا أن يحشروا القضية فى دهليز الإجراءات القانونية.. وكأننا نتحدث عن تعويض فى حادث سيارة وليس عن أرض مقدسة لوطن..! أعرف أنه فى وقت أصبح فيه «قتل المَنطق وتَغييِب العقول» من أوهام ضمان الاستقرار.. وفى وقت صارت فيه مجافاة اللياقة السياسية منهجاً.. بل يُراد بالخشونة السياسية التى تصل إلى حد البلطجة أن تكون أداة معتمدة فوق القانون.. وفى وقت أصبح فيه تعريف النصر السياسى هو قهر الخصوم وإذلالهم لا الوصول إلى المكتسب الذى يتمناه هذا الطرف أو ذاك.. يكون «المنطقُ» هو صِنو «الكفر»..! وإن كان هذا السلوك السياسى ليس جديداً على بلادنا.. يَظل اعتماد الفجَاجَة سِمَةً له هو المثير للأسى.. فما رأيناه فى «غَزوةِ الصناديق» يعود فى «غَزوةِ الجزيرتين».. وإن اختلفت وجوه «دواعش السياسة» الذين قاموا بالغزوتين.. وبقيت انتماءاتهم واحدة.. لا وطن فيها.!! وأخيراً.. ورغم ثقل النفوس ورغم الممارسات النَكِدة والصغيرة.. ستبقى حقيقة واحدة.. الأرض باقية.. ما بقى للأرض ولىّ.. والأهم ما بقى الوجدان متعلقاً بـ«القَضيّة الأصل»، وهى استرداد القَدْر ومعنى الوطن..! ويقينى أنه رغم عَجز يُرادُ بِنَا.. القَدْرُ هو ما سيُسترَدّ.. ومعنى الوطن هو ما سيُسترَدّ.. وفيهما لن يكون تضييع ولا شبهة تضييع.. لأرض ولا لمستقبل قبلها..! فَكِّرُوا تَصِحُّوا.. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/hy9a