أعمده ومقالاتدينا عبد الفتاح رسالة إلى صانع السياسات..ماتلقيه يعود اليك ! بواسطة دينا عبد الفتاح 7 يونيو 2017 | 1:39 م كتب دينا عبد الفتاح 7 يونيو 2017 | 1:39 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 5 المشكلة الحقيقية في مصر أن أحدا لا يراجع ما جرى حتى لا يكرره، فما فشل فى الماضي لا يمكن في أى حال من الأحوال أن ينجح حالياً ولا مستقبلا. وليس بالحسابات الاقتصادية المجردة فقط سننجح، فنظرية الإنقاذ تتطلب “تكتيك” محدد يتطلب مرونة ونظرة للمؤشرات الحالية بشىء من الاعتبار والتدقيق، حتى لا نسير بمسكنات مؤقتة تؤدي فى النهاية إلى تفاقم المرض. فالاقتصاد المصري يواجه خلال الفترة الحالية متغيرات جديدة؛ على صانع السياسات أن يحسن التعامل معها؛ نظراً لتأثير هذه المتغيرات بشكل كبير على مؤشرات التنمية الاقتصادية والإنتاج والتشغيل بداخل الاقتصاد، وأول هذه المتغيرات معدل التضخم الذي أخذ في التصاعد بشكل كبير على مدار الفترة الماضية وتخطى حاجز الـ 31% بنهاية أبريل 2017، نتيجة للإصلاحات الهيكلية التي نفذتها الدولة على صعيد السياسة المالية والسياسة النقدية والتي تمثلت في تحرير أسعار الصرف، وزيادة أسعار الوقود، وإجراء تعديلات ضريبية ترتب عليها زيادة الضرائب التي كانت تفرض في السابق على المبيعات وتحولت الآن لضريبة القيمة المضافة. هذه الإصلاحات تُنتج ما يطلق عليه التضخم المدفوع بزيادة التكلفة والذي يكون مصدره هو جانب العرض وليس جانب الطلب، وهذا النوع من التضخم عادة لا تفلح السياسات الانكماشية سواء كانت النقدية أو المالية في مواجهته نظراً لأنه يرتبط بعوامل تخص تكلفة الإنتاج التي لن يستطيع المنتج أو التاجر البيع بسعر أقل منها مهما تراجع الطلب. وعلى الرغم من عدم كفاءة السياسات الانكماشية في مواجهة هذا النوع من التضخم إلا أن الحالة المصرية التي عودتنا على أنها حالة فريدة من نوعها من الناحية الاقتصادية تؤكد لنا هذا المفهوم فعلى الرغم من معاناة السوق والمنتجين من ارتفاع تكلفة الإنتاج إلا أن الزيادات في الأسعار جاءت بمستويات مضاعفة مقارنة بزيادة التكلفة بما يؤكد على سيادة حالة “الجشع” لدى التجار والمنتجين، وسيادة وضع احتكار القلة في العديد من الصناعات والقطاعات المؤثرة بداخل الاقتصاد وسط غياب تام للأجهزة الحكومية الرقابية التي باتت متواجدة شكلاً فقط ولا تستطيع التدخل لحماية المستهلك سواء بآَليات وأدوات تتفق مع اقتصاد السوق الحر أو لا تتفق معه. وهذا الوضع الفريد في مصر يبرر فكرة اتباع سياسة نقدية انكماشية من صانع السياسات، لكبح الطلب في العديد من القطاعات وإرغام المنتجين والتجار على توجيه السعر للمستوى المناسب حتى يتمكنوا من استعادة الطلب على منتجاتهم مرة أخرى. ولكن على الرغم من هذا المبرر فعواقب اتباع سياسة نقدية انكماشية كبيرة للغاية وخطرة أيضاً خاصة وأنها تقيد الطلب الكلي في كافة أو أغلب قطاعات الاقتصاد وتدفعه للركود الأمر الذي يؤثر بالسلب على مؤشرات النمو الاقتصادي وبالتالي يؤثر على معدلات الإنتاج والتشغيل في الاقتصاد ويفاقم من مشاكل الفقر والبطالة وتراجع المستوى المعيشي للفرد في العديد من المناطق. لذا يجب على صانع السياسات خلال الفترة المقبلة إجراء حسابات دقيقة على صعيد فكرة الانكماش أو التوسع في السياسات المتبعة فلكل منهما عواقب سلبية ينبغي تتبع آثارها ومدى استعداد الاقتصاد لتحملها، وسط حقائق ضاغطة تفيد بأن المجتمع يقف على أراضي مُلتهبة بسبب الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار والزيادات المحدودة في دخله النقدي الأمر الذي انعكس بالسلب على مستواه المعيشي، ومارس كثيراً من الضغوط على أبناء الطبقة المتوسطة التي تعد الشريحة الأوسع بين الشرائح الاجتماعية في الدولة. فبأى حساب تنظر أجهزة الدولة إلى هذه الحقائق وما حولها من إرهاصات، فكفاءة الدول في إدارة الأزمات تبدأ من توقعها ووضع الخطط الكفيلة بتخفيف أضرارها. فما تلقيه يعود إليك مرة أخرى، بشكل أكثر ضرراً وفى توقيتات صعبة. ومواجهة الظروف الصعبة تتطلب مجتمعاً متماسكاً، يدرك طبيعة المرحلة وما يحدث حوله، ليقدر المسألة برمتها، حيث لا يُخير فى النهاية بين اختيار التوافق الوطني، أو التوافق حول متطلبات أسرته واحتياجاتها. فالفقر والاضطرابات الاجتماعية أصدقاء مقربين للإرهاب، يتعرف من خلالهم على ثغرات يمكن أن يمر منها بلا تباطؤ إلى أفكار وعقول الكثيرين، ولن يدحر بالأمن وحده بل نحتاج إلى تقوية أركان المجتمع حتى يمكن مواجهته. سمة شيء آخر على صناع السياسات التركيز عليه خلال الفترة المقبلة، وهو حاجتنا لمزيد من التنسيق بين صناع السياسة المالية وصناع السياسة النقدية؛ ففي الوقت الذي تسير فيه الحكومة في سياسة نقدية انكماشية حادة برفع أسعار الفائدة بأكثر من 500 نقطة مئوية في أقل من 7 أشهر، نجد السياسة المالية تتبع نهج توسعي واضح بزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير خاصة الإنفاق الاستثماري الذي من المتوقع أن يزداد من 95 مليار جنيه في موازنة 2016/ 2017 إلى 135 مليار جنيه في موازنة 2017/ 2018، وكذلك الإنفاق الاجتماعي الذي زاد بنسبة غير متوقعة سجلت 62% في مشروع موازنة العام الجديد، فضلاً عن التعديلات الضريبية الجديدة التي ستتضمن رفع حد الإعفاء الضريبي والتخفيف من الأعباء الضريبية التي تتحملها الفئات الأقل دخلاً. وكل هذه الإجراءات الجديدة التي تضمنتها السياسة المالية للدولة لا شك أنها مطلوبة على الصعيد الاجتماعي ولا تتعارض مع متطلبات صندوق النقد الدولي في إطار التنسيق بينه وبين الحكومة المصرية حول شروط مالية معينة للحصول على الدفعات التالية من قرضه البالغ 12 مليار دولار. ولكن هذه الإجراءات قد تولد زيادة مطردة في الطلب الاستهلاكي في العديد من القطاعات مع استمرار “الجشع التجاري” فقد يؤدي ذلك لفشل صانع السياسة النقدية في التوصل لمستهدفه بتدنية التضخم لمستوي 13% (+ 3 : -3) بنهاية عام 2018، وهو ما قد يجعل صانع السياسة النقدية يلاحق هدفاً متحركاً كلما اقترب منه تحرك الهدف مرة أخرى، وقد يؤدي لقيام صانع السياسة النقدية بمزيد من الإجراءات الانكماشية التي سيكون لها ضرراً واضحاً على صعيد الاقتراض الاستثماري وتنمية الإنتاج في مؤسسات القطاع الخاص التي تتعامل مع القطاع المصرفي وتخرج عن شروط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقترض بعائد 5% وفق مبادرة البنك المركزي المصري. وعلى الرغم من هذه المؤشرات، إلا أن فرص نمو الاقتصاد باتت أفضل من ذي قبل في نظر المؤسسات الدولية، خاصة مع قرارات الإصلاح النقدي التي تم اتخاذها خلال الفترة الأخيرة وأهمها تحرير أسعار الصرف، وتحسين مناخ الاستثمار بخروج قانون الاستثمار الجديد إلى النور، ورغبة الدولة في مواصلة المسيرة التنموية المرتكزة إلى إطلاق العديد من المشروعات القومية الكبرى في عدد من المجالات الإنتاجية المختلفة. وتوقع البنك الدولى أن يسجل معدل النمو الاقتصادي المصري أكبر معدلات بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال العامين المقبلين، حيث قال في تقرير حديث “من المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادى في مصر خلال السنة المالية الحالية، قبل أن يتحسّن بإطراد فى الأمد المتوسط، بفضل تنفيذ إصلاحات لمناخ أنشطة الأعمال وتحسُّن قدرة الاقتصاد على المنافسة، وأن النمو المحتمل في الاقتصاد خلال العام الجاري يبلغ نحو 4.3% على أن يرتفع إلى 5% خلال عام 2018 و5.3% خلال عام 2019”. إلا أن هذه الدلالات لا تصلح لإقناع الرأي العام، الذي يبحث عن نتائج تستلمها جيوبه وحساباته البنكية، خاصة في ظل تدنى مستويات كفاءة الأداء العام في المحليات والجهات التنفيذية الأخري وآخرها الإنتفاضة المفاجئة لاسترداد أراضي الدولة التي تقدر بمليارات الجنيهات بعد طلب الرئيس، وكأنها ظهرت فجأة على السطح. لكن كيف تشجع السياسات الاقتصادية الجريئة التي اتخذتها الدولة على معدلات الثقة في المستقبل؟ الأمر يحتاج إلى مزيد من استغلال الفرص بمعناها الجيد والسيء خلال الفترة المقبلة وإطلاق جهود تسويقية فعالة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية للسوق المصرية، خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية خلال الفترة الحالية واتجاه خارطة العالم لتكوين تحالفات جديدة نتيجة للسياسة الأمريكية الجديدة التي يتبعها الرئيس الحالي دونالد ترامب، وكذلك التوجه الخارجي الجديد للمملكة المتحدة التي باتت علي وشك تنفيذ مخطط التخارج من الاتحاد الأوروبي لتشكل لنفسها منظومة علاقات خارجية جديدة ستكون مصر وبلا شك جزءاً رئيسياً فيها خاصة مع ظهور بعض المؤشرات على ذلك ومنها احتلال بريطانيا مقدمة الدول المستثمرة في مصر خلال الفترة الماضية وبفارق واسع عن الإمارات التي جاءت في المرتبة الثانية. وآخر مفاجئات الساحة الدولية، هو قرارت مصر، والإمارات العربية، والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، والحكومة اليمنية، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر، حماية لأمنها من مخاطر الدعم القطري للإرهاب والتطرف، وهو ما سيكون له بالغ الأثر على اقتصاديات المنطقة. وبالتالي يجب على الحكومة استمرار التنسيق بين صناع السياسات النقدية والمالية من ناحية، وبين صناع سياسات جذب الاستثمار وصناع السياسات الخارجية من ناحية أخرى في ضوء هذه المتغيرات حتى يمكننا التوصل في النهاية لمنظومة تعمل من أجل تحقيق هدف واحد وهو التنمية، وتتحرك في اتجاه واحد دون تخبط أو خلط في الأوراق، وتبتعد كل البعد عن سياسة الشخص الواحد الذي يتحكم في كل شيء ويوجه دفة المركب إلى ما يريد، حتى وإن كان ما يريده لا يتفق مع المنطق ولا يعترف به الاقتصاد والسياسة. وأياً كان الفكر الذي سيتم تطبيقه في المستقبل وبغض النظر عن احترامه للمنطق من عدمه، ولكنه سيتم الحكم عليه من خلال النتائج، التي لو تحدثنا عنها في الاقتصاد فنحن نُقومها بعاملين الأول مجموعة الأرقام التي تعبر عن التطور الذي شهدته الفترة محل الدراسة، والتطور الحقيقي في مستوى معيشة الفرد وتراجع الفقر وتحسن الحياة النوعية للمواطن خاصة في المناطق المحرومة في الصعيد. فالأزمة الاجتماعية مُرشحة لأخذ مساحة أكبر رغم “محمودية” القرارات الاقتصادية الأخيرة ، إلا أن عدالة توزيع الأعباء والشفافية والتعامل مع الأزمات بأسلوب علمي سيساعدنا في تخطي المرحلة الصعبة الحالية. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/pjzn