دينا عبد الفتاح الاقتصاد .. وثورة الشك ! بواسطة دينا عبد الفتاح 11 أغسطس 2016 | 11:04 ص كتب دينا عبد الفتاح 11 أغسطس 2016 | 11:04 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 فى العالم عشرات الطرق للنهضة الاقتصادية، وفى مصر طريقة واحدة ، تتحدث عن نفسها فى المؤتمرات والأحداث الهامة وفى مقابلات السادة الوزراء . “سرها ليس باتعًا” لكن نجاحها مضمون فقط فى إدارة المسئولين حتى سن المعاش وليس العكس، أوامرها مُطاعة منذ قدم التاريخ وعلى أبواب الفراعنة، وحكمتيها التى يباركها شيوخ طريقتها “وفقًا لتعليمات السيد المسئول” ” ومافيش مشكلة مالهاش حل، بس إنت فتح مُخك”. وتقرر القاعدة الأصولية الشهيرة بأن “الاعتراف سيد الأدلة”. فمتى نعترف بأسباب المشكلة الاقتصادية التى تمر بها مصر، لمعالجة المرض وليس لتوصيف العرض، وللاستدلال على حلول مجدية تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع ، دون الانخراط فى مصطلحات اقتصادية بالية، ومؤشرات للنمو لا تُجدى نفعًا فى أرض المشكلات المستعصية والأوضاع الاجتماعية المقلوبة. فمما لاشك فيه أن مصر تمر بحالة حرجة فى وضعها الاقتصادي نتيجة ظروف يفرضها المنطق وليس غيره، فهى بالتأكيد ليست وليدة اللحظة، وإنما نتيجة سياسات غاب عنها قراءة المشهد بشكل جديد، وتحديد المستهدفات التى نرغب فى تحقيقها . كما أنه لا أحد ينكر، أن هناك خللٌ فى هذه السياسات يجب تصويبه، ليس بالمسكنات ولكن بحلول جذرية تؤسس لدولة مستقرة ومتنامية اقتصاديًا على المدى الطويل . فتراجع الجنيه أمام الدولار، وتدخل الدولة “أمنيًا” لمواجهته، وإرتفاع معدلات التضخم لأرقام تقترب من 14% ، وارتفاع عجز الموازنة ، ليس إلا وجوه لأزمة لها ألف وجه . ويكفى الإنذار الخطير الخاص بالجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى أشار فى تقرير أخير له بأن 27.8% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر المُدقع، ولا يقدرون على الوفاء بأدنى متطلبات الحياة الآدمية بمتوسط دخول شهرية 450 جنيه ! . وهو ما يمثل وضعًا أقرب للانفجار فى القريب العاجل، وتهديدًا صريحًا لشبكة الأمان الاجتماعي . والأسئلة المنطقية فى هذا الإطار، لماذا تتعامل الدولة بمنطق “أزمة” الحل المؤقت، ولماذا غابت السياسات القادرة على بناء خطط إنتاجية تضخ الاستثمارات فى جسد هذا الاقتصاد المتحجر . ولماذا سبقت المشروعات التنموية كمحور قناة السويس والعاصمة الادارية الجديدة، وضع الدولة لسياسات اقتصادية صريحة لها أهداف محددة، ومؤشرات رقمية للبطالة والاستثمارات وعجز الموازنة . فبدرجة أو بأخرى نحن قادمون على أزمة اقتصادية، بسبب سوء الإدارة وغياب الإرادة الحقيقية للتغيير أيضًا. فى توقيت يتحدث فيه الإعلام يوميًا عن نقيضين يربكان الثقة لدى غالبية المجتمع، فبينما يتحدث الإعلام القومي ومن على شاكلته عن نهضة اقتصادية محققة منذ مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الذى تحدث عن حصيلة تصل إلى ١٧٥ مليار دولار!، يتحدث الإعلام الغربي والإخواني عن انهيارات مفاجئة لن تصلح معها أية تصويبات ممكنة، لكن صوت العقل والأسئلة المنطقية غائبة عن المشهد تمامًا، فى دولة ما زالت تُعانى من إرث الماضي وتدفع لسياسات “الصوت الواحد” رغم ماقدمته من تضحيات فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وبالتالي ، أصبح اليأس الاجتماعي وعدم الثقة هو المنتج الرئيسي لمعظم فئات المجتمع . وتتجلى هذه الإنتاجية فى تحدث الخبراء عن تواجد مايقترب من 100 مليار دولار، فى السوق الموازية وفى دولايب المصريين بسبب أزمة الثقة، وإتجاه نحو 10 ملايين مصري لتحويل أموالهم خارج الجهاز المصرفي الذى أصبح فى حاجة ملحة لإعادة تنظيم نفسه. وساعدت أجهزة الدولة بشكل مباشر فى تقوية هذا الاتجاه، فى دوامة الروتين وأيضا الفساد، والمؤشرات تشير إلى ذلك، فى دولة تعاني من انفصام الشحصية، تبحث عن الاستثمارات الأجنبية وهى فى نفس الوقت تُعيقعها بإجراءت روتينية مُقدسة، وتمارس سياسات تطفيش متعمدة، ناهيك عن أجهزة فى الدولة تحارب بعضها البعض، لمصالح شخصية ولكى تصبح أقوى من أى مؤسسة أخرى ! . والنتيجة النهائية للأزمة، المصانع شبه متعطلة وتعمل بـ 40% من طاقتها أو أقل، والتصدير شبه متوقف وخسر 30% من قيمته المحققة العام الماضي، والسياحة وصلت إلى أدنى مستوى بحيث لن تُحقق أكثر من 2 مليار دولار بخسارة تزيد عن 45% مقارنة بـ 2015، فى حين كانت تحقق نحو 14 مليار دولار عام 2010 . ولن يُجدي مع هذه الأزمة قرض صندوق النقد الدولي الذى يعد الأكبر فى منطقة الشرق الأوسط التى عصفت بها الأزمات السياسية والأمنية منذ عام 2011، وإن كان يستهدف التخفيف من حدة الضغط على الدولار، واستعادة الثقة فى الاقتصاد المصري مرة أخرى وسد فجوة التمويل التى تصل إلى 21 مليار دولار نتيجة تراجع الإدخار إلي ما دون 8% من الناتج المحلي الإجمالي وسط معدلات استثمار مستهدفة تصل إلي 16.5%، الا أنه فى المقابل سيضع شروطًا تتحملها الفئات الأكثر فقرًا والمتوسطة، خاصة مع إلغاء الدعم وفرض ضرائب جديدة. وحسب رأى العديد من الخبراء الاقتصاديين فإن قرض الصندوق ماهو إلا مرحلة اختبار لقدرة الدولة على الإصلاح الاقتصادي، وقد تكون بداية صحيحة وقد تكون انحراف خطير لا يحمد عقباه إذا ما لم يعى مسئولي هذه الدولة أن رفاهية الوقت انتهت وأن الإصلاح وجب نفاذه، بعد سلسلة من القروض المتعاقبة التى لم تحقق شيئًا فى مجمل النتائج الحالية على صعيد السياسة المالية والنقدية . إن الدولة تحتاج إلى مصارحة مع النفس أمام الرأى العام، وليس داخل الغرف المغلقة، أمام الجميع إذا ما أرادت أن تخطو خطوة واحدة فى طريق النمو الاقتصادي . فالمجتمع أصبح عالمًا ببواطن الأمور، وبما يدور عليه لكنه لغياب الشفافية والإفصاح ، يُصبح فريسة مع مرور الوقت إلى تحوير وتأويل هذه الحقائق، لأنه فى وقت غموض الإجابات الصحيحة تكثر التخمينات وما أكثرها. ومع قبول نظرية كل الاحتمالات واردة فى المستقبل على المستويين السياسى والاقتصادي لن نحقق شيئا، فدولة لا تحسم أمرًا هى بالضرورة عالقة فى فراغ لن تبلغ فيها عنان السماء ولن تتلمس أرجلها موضع قدم ! . وإذا تبارينا فى طرح مجموعة من الأسئلة لن نجد لها إجابات عند أولى الأمر وكبار المسئولين. هل تتصالح الدولة مع الإخوان ومع رموز نظام مبارك ؟ ماهى خططها لمحاربة الفساد والمحسوبية ؟ هل تجرؤ الدولة على تعويم الجنيه فى القريب العاجل ؟ ماهى خطتنا الاقتصادية بعد حصولنا على قرض صندوق النقد الدولي ؟ هل سنرفع أسعار الوقود؟ هل نجرؤ على خفض الدعم ؟ هل ترغب الدولة فعليا فى دمج الشباب فى عملية التنمية ؟ ماهى رؤيتنا لملف الديمقراطية ؟ هل هناك خطة لتقييد الإعلام والسيطرة عليه ؟ لماذا تتم محاربة رجال أعمال لحساب أخرين ؟ هل لدينا معتقلين سياسيين ؟ لماذا اختفت الأحزاب المصرية من المشهد تمامًا ؟ هل نسطر لدولة الصوت الواحد أم للتعددية ؟ فقط أسأل : لأن الإجابات لا أملكها وبجانبها يمكن وضع مئات الأسئلة الحاضرة، التى ستدور فى ذهن أى مستثمر عند دراسة جدوى وضع أى مليم فى هذه الدولة، ولا يقدم له الإعلام إلا تفسيرات وتخمينات ساذجة لا تعتمد على الأرقام والتحليلات، أكثر ماتعتمد على أوتار نظرية المؤامرة واتهام المصريين بأنهم السبب فيما يحدث ! . وفقط أسأل، حتى يعي المسئولون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، أن أمامنا فرصة وحيدة للخروج من المأزق الحالي تعتمد على المصارحة والوضوح، واتخاذ القرارات المناسبة فى توقيتات محددة، واختيار أهل الكفاءة والقدرات على حساب أهل الثقة، وتبنى أفكار خارج الصندوق، وفك الاشتباك بين أجهزة الدولة التي أصبحت دولة داخل الدولة . لا أشكك فى نزاهة أحد ولا فى النوايا الطيبة لدى الكثير من المسئوليين، لكنى أشكك فى قدرة خططنا في الوصول إلى مصر 2017 ، وليس مصر 2030 ! اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/zvzv