استثمار تحليل : (مصر – الصين) : علاقات مال لا تحركها السياسة .. وشراكة تحمي مصالح “بكين” بواسطة محمود حمدان 14 يناير 2016 | 9:07 ص كتب محمود حمدان 14 يناير 2016 | 9:07 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 2 الشركات الصينية تعد بدخول مصر .. والتحرك الحقيقي يتم في اتجاه انجولا ونيجيرا وجنوب افريقيا السعودية أكبر دولة عربية مستقبلة لرأس المال الصيني .. ومصر تنفق 10 مليارات دولار سنويا لشراء سلع بكين 85% من صادرات مصر للصين وقود وخامات للانتاج الصناعي .. و”مذكرات القمة” لا تتحرك سوي في البنية التحتية أصبحت زيارة الرئيس الصيني شى جين بينج للقاهرة في 20 يناير الجاري حديث الساعة، في ظل التقارب المصري الصيني وانطلاق التوقعات التي تشير إلي شراكة استراتيجية كاملة في المستقبل بين القاهرة وبكين خاصة في ظل حالة التناغم التي تشهدها العلاقات المصرية الصينية في شقها السياسي واقتصاديا باعتبار أن مصر واحدا من أهم أسواق تصريف الانتاج الصيني في منطقة الشرق الأوسط. وتأتي زيارة “جين بينج” للقاهرة هي الأولي منذ 12 عاما تقريبا وبعد زيارتين قام بهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لبكين في مطلع ديسمبر 2014 ونهاية سبتمبر 2015 للتباحث حول دعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتطويرها لتشمل مجالات جديدة يبرع فيها العملاق الصيني الذي يعد ثاني أكبر الاقتصاديات حجما في السوق العالمي والمساهم الأول في حركة التجارة الدولية. وبتتبع تطور العلاقات الاقتصادية بين كل من مصر والصين علي مدار الفترة الماضية التي تخللها زيارتين للرئيس السيسي ومن قبلهما زيارة للرئيس الأسبق محمد مرسي نهاية أغسطس 2012، نجد أن مستوي التطور لم يرق للطموحات المطلوبة، بل وظلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين ترتكز فقط علي الشق التجاري الذي تربح فيه بكين وتنفق فيه القاهرة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويا في الحصول علي السلع الصينية التي أرهقت الصناعة المحلية المصرية كثيرا علي مدار الفترة الماضية خاصة أن الكثير من بنود هذه السلع الصينية التي تنساب للسوق المصري لا تعد سلعا استراتيجية تؤثر في بنية التنمية الاقتصادية في مصر كالآلات والمعدات والمواد الخام وغيرها. تجارة مصر والصين : وبتناول الشق التجاري بين البلدين فإن حجم التجارة بين مصر والصين يبلغ 11 مليار دولار سنويا في متوسط آخر 3 سنوات أكثر من 90% منها صادرات صينية للسوق المصري وأقل من 10% منها صادرات مصرية للسوق الصيني الأمر الذي يبرز اختلال ميزان التجارة بين البلدين لصالح الصين حيث يبلغ عجز هذا الميزان لدي مصر نحو 9 مليارات دولار في المتوسط السنوي الأمر الذي يرهق كثيرا ميزان مدفوعات الدولة ويؤثر بالسلب علي احتياطاتها من العملة الصعبة. ويبدو أن جهود مصر من خلال زيارات رؤسائها للصين لم تفلح في فتح منافذ بيع للسلع المصرية هناك علي مدار الفترة الماضية ولم تفلح أيضا في تحويل التعاون التجاري لتعاون استثماري يستفيد منه الطرفان ففي أعقاب كل زيارة رسمية تتم لرئيس مصري للصين نلاحظ تنامي الصادرات الصينية للسوق المصري في حين تتراجع الصادرات المصرية للصين ، ففي أعقاب زيارة الرئيس الأسبق محمد مرسي للصين في أغسطس 2012 نمت صادرات الصين لمصر خلال الفترة سبتمبر – ديسمبر 2012 بنحو 13% لتسجل 2.3 مليار دولار خلال أربعة أشهر ، في حين تراجعت الصادرات المصرية للصين خلال هذه الفترة بنحو 10% تقريبا ، الأمر الذي يعكس اتساع فجوة العجز التجاري بين البلدين من منظور مصر بعد الزيارة. وعلي الرغم من اصطحاب مرسي لعدد كبير من أعضاء مجتمع الأعمال الخاص معه خلال هذه الزيارة إلا أن شيئا لم يحدث علي صعيد تنمية الاستثمارات الصينية في السوق المصري والشراكات التي تحدث عنها الجميع في هذا التوقيت وكأن هذه الزيارة بمثابة تسوق من قبل رجال الأعمال المصريين ليتعرفوا علي أفضل نوعيات السلع التي يمكن استيرادها!!. تفاؤل بقدوم السيسي. الجميع ينتظر أن تتحول دفة العلاقات في عهد الرئيس السيسي وزياراته المكثفة لبكين وحالة التناغم التي تشهدها العلاقات بين موسكو والقاهرة وما لهذا من أثر ايجابي متوقع علي علاقة القاهرة ببكين باعتبار أن موسكو أقوي حلفاء بكين وشريكها الرئيسي في تجمع الدول الصناعية الصاعدة “بيركس” ، وفي هذا الصدد زار الرئيس السيسي بكين في ديسمبر 2014 مصطحبا معه ايضا مجموعة من ممثلي قطاع الأعمال المصري ، وعقب الزيارة وقعت نفس النتائج بصعود الصادرات الصينية للسوق المصري وهبوط صادرات مصر للصين ، فقد سجلت صادرات الصين لمصر خلال الفترة يناير – سبتمبر 2015 أي عقب هذه الزيارة مباشرة نموا بنحو 17% لتسجل 8.9 مليار دولار تقريبا مقارنة بواردات مصر من الصين خلال الفترة المناظرة من عام 2014 التي سجلت 7.4 مليار دولار تقريبا. وخلال هذه الفترة أيضا التي أعقبت زيارة السيسي للصين (يناير – سبتمبر 2015) تراجعت الصادرات المصرية للسوق الصيني بنحو 40% تقريبا لتسجل 725 مليون دولار مقارنة بقيمتها في الفترة المناظرة من عام 2014 التي سجلت فيها نحو 1.2 مليار دولار ، وبهذا يرتفع العجز التجاري في ميزان تجارة القاهرة مع بكين خلال هذه الفترة ليصل إلي 8.2 مليار دولار تقريبا وبزيادة 22%. واللافت للنظر أن صادرات مصر للصين 85% منها خامات ومواد أولية تدخل المصانع الصينية موزعة بين وقود ومواد بترولية بنسبة تفوق 67% وجلود وقطن خامات أخري بالنسبة المتبقية، الأمر الذي يعني خسارة أخري في تصدير الخامات واختلال هيكل الصادرات المصرية للصين رغم محدوديتها وغياب المنتجات تامة الصنع عنها. الاستثمارات البينية : وعلي صعيد العلاقات الاستثمارية بين القاهرة وبكين نجد أن إجمالي الاستثمارات الصينية في السوق المصري لا تصل إلي 500 مليون دولار تقريبا الأمر الذي لا يتناسب مع مستوي العلاقات الاقتصادية بين البلدين في شقها التجاري ، وقد حاول مرسي في زيارته الأولي والرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الأولي والثانية التوقيع علي اتفاقيات لانشاء مشروعات مشتركة بين البلدين ومذكرات تفاهم لاستقدام عددا من الشركات الصينية للعمل بالسوق المصري إلا أن النتائج في هذا الاتجاه جاءت غير مرضية وظلت الاستثمارات الصينية في السوق المصرية محدودة رغم تخصيص منطقة متكاملة لها بمزايا عالية بالقرب من خليج السويس. وعلي الرغم من مشاركة الصين في قمة مصر الاقتصادية التي عقدت في مارس 2015 بوفد رفيع المستوي يرأسه وزير التجارة بصفته مبعوثا عن الرئيس الصيني بالاضافة إلي 40 شركة صينية من كبريات الشركات التي تعمل في قطاعات انتاجية مختلفة منها الطاقة والتكنولوجيا والملاحة والكيماويات والصناعات الهندسية وغيرها ، وتوقيع عدد من هذه الشركات علي وثائق تعاون مبدئية في شكل مذكرات تفاهم أو اتفاقيات تم توقيعها بالأحرف الأولي إلا أن مستوي التحرك علي صعيد تفعيل هذه الوثائق ومذكرات التفاهم يظل محدودا بل ولم ينتج عنه شيئا حتي الآن ، سوي المضي في وضع شروط تفعيل بعض الاتفاقيات التي تتضمن تنفيذ بعض الشركات الصينية لعمليات استثمارية مضمونة في البنية التحتية المصرية ، الأمر الذي لا يعبر عن تحرك حقيقي من الشركات الصينية للاستثمار في مصر ويُبقي علي الاستثمارات الصينية في حجمها المحدود. الا إن الأيام القليلة الماضية شهدت توقيع وزير الاسكان الدكتور مصطفى مدبولي مع نائب رئيس شركة “csces” الصينية 7 مذكرات تفاهم، بشأن تنفيذ مشروعات بالعاصمة الإدارية الجديدة، وتوفير قرض لمشروعات الصرف الصحى على مستوى محافظات الصعيد، . وتتضمن قيام تحالف الشركات المصرية الصينية المتمثل في شركات المقاولون العرب وبتروجيت و”csces” تنفيذ مبنى مجلس الوزراء، ومبانى 12 وزارة حكومية، تبدأ بوزارة الإسكان، التى سيتم نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة، وكذا تنفيذ قاعة المؤتمرات الكبري، ومبنى أرض المعارض، و15 ألف وحدة سكنية تناسب محدودى ومتوسطى الدخل وهو مايؤكد تغيير في شكل السياسة الاستثمارية بين البلدين خلال الفترة المقبلة . وكانت مطالب قد خرجت من مجتمع الأعمال المصري بضرورة استغلال العلاقات المصرية الصينية المتميزة في انشاء الصين بمصر مراكز انتاجية وتصديرية تكون نقطة الانطلاق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط علي غرار التعامل الصيني مع عدد من الدول الأخري في المنطقة منها نيجيريا وانجولا وجنوب افريقيا ، إلا أن الحكومة لم تنجح في التمهيد لهذه الخطوة، الأمر الذي يبرز تحفظ الشركات الصينية علي بعض من عوامل مناخ الاستثمار في مصر. مجلس الأعمال المشترك : وكان أحمد السويدي رئيس الجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الصيني المشترك قد حدد في حوار سابق مع “أموال الغد” بعض من النقاط التي تركز عليها الشركات الصينية في مصر أهمها تأمين احتياجات الاستثمار من الطاقة وتوافر الأراضي الصناعية واستقرار البيئة التشريعية فضلا عن القضاء علي سياسة سعري الصرف الناتجة عن مبالغة البنك المركزي في حماية الجنيه المصري في سوق العملة، وقد أثبتت المؤشرات نجاح الحكومة في تحقيق عدد كبير من هذه العوامل إلا أن مستويات الروتين والبيروقراطية لا تزال عالية بين أجهزة الدولة ذات العناية بالمستثمر الأمر الذي يستطيع أن يقتل كل مبادرات الإصلاح في كل الملفات أياً كانت. مستقبل العلاقات : وعلي صعيد مستقبل العلاقات بين البلدين فمصر تملك فرصا كبيرة لاستقطاب جزء من رؤوس الأموال الصينية الموجهة للاستثمار بالخارج خلال الفترة المقبلة خاصة مع وجود خطة طموحة من قبل الصين لاستثمار 100 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وبخاصة أفريقيا خلال 5 سنوات، وهنا تجدر الإشارة بأن المنافسة في الحصول علي نصيب جيد من هذه الاستثمارات في المنطقة تنحصر بين نيجيريا التي تعد الشريك الاستثماري الأول للصين في افريقيا وتستحوذ علي 38% من الاستثمارات الصينية الوافدة للسوق الافريقي بصفة عامة ، وانجولا التي يبلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين الصين نحو 18 مليار دولار منها 25% تقريبا صادرات انجولية وتحوي الكثير من الاستثمارات الصينية ، وجنوب افريقيا التي تبلغ تجارتها السنوية مع الصين نحو 17 مليار دولار منها أكثر من 35% صادرات من جوهانسبرج لبكين، بالاضافة إلي السعودية التي تعد الشريك الاستثماري العربي الأول للصين باستقبالها نحو 32% تقريبا من اجمالي الاستثمارات الصينية الوافدة للمنطقة العربية. كما أن التعاون السياحي بين مصر والصين لم يرق لمستويات مطلوبة في ظل انطلاق 120 مليون سائح صيني للمزارات السياحية المختلفة حول العالم باجمالي انفاق يتخطي 150 مليار دولار سنويا، فيما لا تحصل مصر من هذا العدد الضخم سوي علي بضعة آلاف يأتون للسياحة الشاطئية في شرم الشيخ والغردقة وعدد من المدن الساحلية وفي الغالب تكون مصر وجهة ثانية لهم بعد تونس والمغرب وعدد من البلدان الأخري المجاورة. وتبقي هناك مكاسبا أخري من علاقة القاهرة ببكين يمكن حصدها خلال الفترة المقبلة حال تنازل بكين نسبيا عن سياسة النظر لمصالحها فقط ، وقد يكون ذلك من خلال الاستفادة من الدعم الصيني المباشر لمصر باعتبارها المالك لأكبر احتياطي نقدي في العالم يسجل 3.6 تريليون دولار بالإضافة لزعامتها في إنشاء بنك “بيركس” الخاص بتجمع الدول الصناعية الصاعدة برأس مال 100 مليار دولار علي أن يبدأ عملياته التمويلية في غضون 5 سنوات ، بالإضافة لإمكانية استفادة مصر من زعامة الصين للبنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية والذي يبلغ رأس ماله نحو 50 مليار دولار ويمكنه تمويل عمليات استثمارية خارج أسيا بتسهيلات موسعة ، علي غرار ما يقوم به البنك الدولي. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/qizh