أعمده ومقالات أسئلة ضرورية حول إدارة الاقتصاد المصرى بواسطة زياد بهاء الدين 25 نوفمبر 2015 | 10:08 ص كتب زياد بهاء الدين 25 نوفمبر 2015 | 10:08 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 2 مع اقتراب نهاية عام ٢٠١٥، يمر الاقتصاد المصرى بظروف صعبة، تختلف اختلافا جذريا عن حالة التفاؤل التى سادت فى مطلع العام وبلغت ذروتها فى شهر مارس مع انعقاد مؤتمر شرم الشيخ، ثم ما لبثت تتراجع بعد ذلك بأسابيع قليلة. البيانات الرسمية تشير إلى تباطؤ معدل النمو هذا العام إلى ٤٪ بعد ارتفاع فى العام السابق، وتراجع التصنيف الائتمانى لمصر، وزيادة الدين الداخلى إلى ما يقرب من ٩٠٪ من الناتج القومى، وارتفاع الدين الخارجى من ٤٣ إلى ٤٦ مليار خلال عام واحد، وانخفاض الاحتياطى النقدى إلى ١٦.٨ مليار دولار. والأهم من هذه الأرقام والإحصائيات هو استمرار معاناة الناس من ثلاثية ارتفاع الأسعار، وندرة فرص العمل، وتراجع مستوى الخدمات العامة. وبينما أن جانبا من هذا التدهور يرتبط بظروف خارجة عن إرادتنا مثل السيول على محافظتى الإسكندرية والبحيرة، وسقوط الطائرة الروسية، وتراجع المساندة الخليجية، وتباطؤ التجارة العالمية، إلا أن الجانب الأكبر منه يرجع فى اعتقادى إلى عدم الاتساق بين البرامج والسياسات التى تتبعها الدولة وغياب رؤية اقتصادية واضحة على نحو ما تعبر عنه التناقضات الأربعة التالية. التناقض الأول فى مجال الاستثمار، حيث تؤكد الدولة على عزمها زيادة معدلات الاستثمار الخاص المحلى والأجنبى، أملا فى تحقيق معدل سريع للنمو، بينما الأشهر الماضية شهدت تراجعا ملموسا فى ثقة المستثمرين، بسبب تمسك الدولة بقانون استثمار معيب، والارتفاع المضطرد فى الدين العام، والاضطراب فى سوق الصرف، وزيادة عبء البيروقراطية الحكومية عما كانت عليه بالفعل، واستمرار ملاحقة رجال الأعمال بشكل عشوائى وتأجيل غلق الملفات المفتوحة معهم منذ سنوات سواء بالإدانة أو البراءة. وهذه العوامل مجتمعة أعادت المستثمرين الأجانب والمحليين معا إلى حالة الحذر والترقب والأحجام. والتناقض الثانى: إن الدولة من ناحية تعلن تمسكها بمطالب الشعب فى العدالة الاجتماعية، وتطبق بالفعل بعض البرامج الرامية لتحقيق ذلك مثل ضبط منظومة توزيع الخبز، وبدء تطبيق برنامجى «كرامة» و«تكافل»، وبرنامج الإسكان الاجتماعى، وطرح كميات من السلع الغذائية أخيرا بأسعار محددة. ولكن من ناحية أخرى، فقد قامت بتخفيض ضريبة الدخل من ٣٠ إلى ٢٢.٥٪، ورفع أسعار الكهرباء والنقل العام، وزيادة الرسوم على المعاملات الحكومية، والأهم أنها لم تحقق تقدما ملموسا فى مجال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو الحد من البطالة، ولم تخصص سوى ٠.١٪ (واحد فى الألف) من الموازنة العامة للدولة (٨٢٠ مليون جنيه) لتطوير العشوائيات، بينما العمل مستمر فى بناء العاصمة الجديدة. أما التناقض الثالث فهو فى المجال المالى والنقدى حيث لا يبدو أن هناك قرارا واضحا عما إذا كانت مصر تتبع سياسة انضباط مالى أم سياسة تحفيز للاقتصاد. جناح من الدولة يستهدف النزول بعجز الموازنة إلى ٩٪ وزيادة الحصيلة الضريبية بنسبة ٣٢٪ عن العام الماضى، وتطبيق قانون جديد للخدمة المدنية للحد من زيادة الأجور الحكومية، وإدخال ضريبة القيمة المضافة، وزيادة سعر الفائدة المصرفية، وهذه كلها عناصر سياسة تقشفية. وجناح آخر فى ذات الدولة ماض فى طريقه لتحقيق معدل نمو يزيد على ٥٪ عن طريق زيادة الإنفاق العام وتنفيذ مشروعات عملاقة غير معلومة التكلفة ولا مصادر التمويل. وأخيرا فإن التناقض الرابع يتعلق بدور الدولة فى الاقتصاد. توقعات النمو الاقتصادى التى تعتمد عليها وزارتا المالية والتخطيط تفترض أن القطاع الخاص هو قاطرة التنمية، وأنه مصدر النمو والاستثمار والتشغيل والتصدير. ولكن تصرفات الدولة تذهب إلى عكس ذلك تماما، مزيد من التدخل فى ادارة الاقتصاد، وفى تنفيذ المشروعات، وتحديد الأسعار، واستصلاح الأراضى، وتوزيع السلع، واختيار مجالات الاستثمار. ولو كان ذلك فى إطار توجه اشتراكى واضح المعالم لكان الأمر مفهوما، ولكننا هنا أمام تدخل من الدولة فى كل مناحى النشاط الاقتصادى ومزيد من السيطرة والتحكم دون انحياز اجتماعى واضح لصالح الفقراء ومحدودى الدخل. لدينا من المشكلات والضغوط الخارجية ما يكفينا، ولكن التناقض فى السياسات الاقتصادية لا يساعد على تجاوز هذه المشكلات بل يزيد تفاقمها ويجعل مصر تبدو كما لو كان فيها ثلاث حكومات اقتصادية لكل منها فلسفتها وأولوياتها وليس حكومة واحدة. فما العمل؟ أسابيع قليلة وينعقد البرلمان، ويبدأ محافظ البنك المركزى عمله، ويتم تشكيل حكومة جديدة. وعلى الدولة أن تنتهز هذه الفرصة لكى تعيد تقييم مسارها الاقتصادى، والتشاور مع مختلف الأطراف فى المجتمع، والاستعانة بالخبرات المعطلة، بحيث تعلن مع مطلع العام القادم برنامجا اقتصاديا واضح المعالم، متسق الجوانب، ومعبرا عن اختيارات اجتماعية محددة. أما الاستمرار فى الحالة الراهنة من الغموض والتناقض والإدارة بالمفاجآت فليس ممكنا. زياد بهاء الدين محامي وباحث قانوني، والرئيس السابق لهيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/9zjy