دينا عبد الفتاح تجديد الخطاب الاقتصادي! بواسطة دينا عبد الفتاح 22 سبتمبر 2015 | 2:08 م كتب دينا عبد الفتاح 22 سبتمبر 2015 | 2:08 م النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 4 أنا لست من دعاة إنكار النجاح، أوعدم الإيمان بمن يقدم خطوة فى طريق إصلاح الدولة، أو عدم التصفيق له بشده إذا أحسن القول والفعل، لكننى أيضاً لست من دعاة الشطاط فى الفرح وضرب النار وإغلاق الطرق بزفة العريس، والحديث ليل مساء عن نجاح حقيقى أو حتى مزعوم والوقوف عليه، والتهليل بأنه فتح عظيم يفوق الواقع ولم يحدث فى التاريخ المعاصر ولا القادم. وإذا كنت عزيزى القارىء تصنفنى الان بعد قراءة مستهل المقال، فى طرف المشجعين المعتدلين الذين يشجعون اللعبة الحلوة، أيا ما كان من يقدمها فأنا أتفادى منك بالتأكيد محاولة قذفى بعبوات المياه الزجاجية أوتوجيه السباب لى بكلمات جارحة بأنى عميلة أتقاضى تمويل خارجى ، أو ناشطة لاتملك قوت يومها إلا أمام مذيع لامع فى برنامج توك شو شهير، أو حتى مريضة أرغب فى الظهور ففكرت فى قذف «الباب العالى» بالحجارة لعل أحد ينتبه لصراخي وخروجى عن النص. «الحمد لله دي رسالة من ربنا، رسالة إلهية تؤكد رضا الله عن مصر وشعبها وربنا واقف مع شعب مصر» ، كلمات منتسبة وحقيقية للمهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذى أحترمه وأقدر جهوده جداً ،عند إعلان شركة إينى الإيطالية اكتشاف أكبر حقل للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط داخل المياه الإقليمية لمصر والذى يؤهل مصر لكى تصبح واحده من أكبر الاحتياطيات للغاز الطبيعي في العالم، الاكتشاف مع أهميته الكبيرة جداً إلا أن التعليق «رغم إيماننا بيقين بأن الله لايضيع أجر من أحسن عملا» ، خرج من سياقه وتحول بفعل فاعل من جملة إلى جمل رنانة ونصوص وأشعار وغناء وطرب من الإعلام والإقتصاديين أنفسهم ، بأن الله فتح علينا مصر بعد أن عصت علينا لسنوات طويلة وأن الخير قادم وسيطرق الباب علينا بل سيقتحم علينا بيوتنا «غصبا»، ويحسن أحوالنا ويدفعنا نحو التقدم والرقى والتنمية . على الطرف الثانى خرج علينا فريق أخر، ربط عقله بحجر ثقيل ألقى منذ فترة فى النيل، فأخذ ينادى بأن هذا ماهو إلا « فنكوش» جديد ، سيأخذ وقته ثم ينتهى ، وسنكتشف بعد فترة أن أحدهم ألقى أنبوبتين بوتجاز فى قاع المتوسط ، فخرجت النتائج المزيفة تدلل على أن حقل الغاز تبلغ مساحته 850 مليار متر مكعب، والاحتياطي الأول لهذا البئر يقدر بـ21 تريليون قدم مكعب . الطرفين ليس عندى لهم محل من الإعراب أوالتأويل ، فكلاهما لايجيد أو لايعرف أن ما تفرقه السياسة يجمعه الإقتصاد فهو عمود الحياه الذى تستقيم الأمور بصلاحه، وهو مصدر القوة الرئيسى الذى يدفع التنمية البشرية إلى مستويات راقية فى الثقافة والأخلاق، فمفهوم التنمية البشرية كان ومازل مرتبطا بالأساس بنظريات التنمية الإقتصادية، وتطور هذا المفهوم مع مرور الزمن ، فقد تم التركيز خلال فترة الخمسينات من هذا القرن على مسائل الرفاهية والتقدم الاجتماعي ، لينتقل في الستينات إلى التعليم والتأهيل، ثم إلى التركيز على التخفيف من وطأة الفقر وتأمين الاحتياجات الأساسية خلال فترة السبعينات ، أما في الثمانينات فقد جرى التركيز على سياسات الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي تبناها ونادى بها صندوق النقد الدولي ، وأعقبته التسعينيات والألفينات والتى قصرت من وجهة نظرى فى جنى نتائج هذه النظريات بسبب الاختلاف السحيق بين ماتملكه وماتقوله . فقد برعنا خلال حقبتين من الزمن فى تفنن لغة إعلام تجعل من «الحبة قبة « ، وصيغت مفرداتها من خطابات اقتصادية جوفاء ، لاتعترف بلغة الأرقام بل تندفع نحو إثارة الغرائز واللعب على أحاسيس الجماهير التى غلبها طول الأمل ، فأصبحت لاتفرق بين الصالح والطالح ، وارتكنت إلى الظل فى أيام عمرها لعلها تجد ما يروي عطشها ومايرسم مستقبل أفضل لأولادها ، حتى انتهى بها الحال إلى حطام من المشروعات التى قتلتها بدم بارد ، وما توشكى وترعة السلام وتنمية سيناء ببعيد ، وما «طائر النهضة « وتجربة «عبد العاطى» الشهيرة ببعيدة أيضاً ، فالكل يخرج من مشكاة واحدة . الفرق الأن واضح ، فنحن أمام مجتمع قوته الفاعلة هي من الشباب ، الذى لايقتنع أساسا إلا بمنطق الفائدة وليس التأثير المغناطيسى لمفاهيم ومؤشرات اقتصادية بحتة، تستهدف أولوياتها التركيز على النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وتعدد استراتيجيات زيادة الدخل القومي، على أساس أن ذلك سيؤدي إلى القضاء على كافة مظاهر التخلف أو التخفيف منها ،والاهتمام بدراسة أثر التنمية الاجتماعية في النمو الاقتصادي مهملاً أثر النمو الاقتصادي في التنمية الاجتماعية، واقتصار تقييم نتائج خطط التنمية على مؤشرات كمية كالاستهلاك والاستثمار، والإدخار، وميزان المدفوعات، والصادرات، ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية . فالاقتصاد يحتاج إلى تصدير ومشاركة المجتمع فى أساليب تدعيم وتنمية القدرة الإنتاجية للدولة من خلال استخدام الموارد المتاحة بالأساليب العلمية والتكنولوجية فضلا عن بعض الخطط العلمية التي تستهدف زيادة الإنتاج وتعظيم الاقتصاد القومى وتوفير فرص عمل حقيقية لتقليل معدلات البطالة وتحقيق معدلات تنموية ومستدامة لكل فئات المجتمع بما يرفع مستويات معيشة الأفراد ، والاعلان بانضباط عن النجاحات المحققة والتى لن تحرك ساكنا إلا إذا بنينا عليها بأسلوب علمى ، وليس التباري بالارقام التى هى بقدرة قادر تختلف من صحيفة لأخرى ومن قناة فضائية لأختها فعند هؤلاء «1 + 1» من الممكن أن يساوى 4. الخطاب الإقتصادى السيىء ، يكاد يعادل الخطاب الديني المتطرف فى تأثيره السلبى على الجمهور، وفى ردود أفعاله أيضا فإذا كان الثانى يلعب على وتر العقيدة التى تشكل الوجدان والحياه ، فإن الأول يخاطب العقل الذى يخطط للإنسان تحسين أحواله المعيشية الخاصة به وبأسرته إن وجدت ، وبالتالى أى أحاديث مزيفة فى هذا الجانب تصيبه فى مقتل وتثير لديه الشكوك والتشكك فيما يقدم حتى ولو كان فى مجمله صحيحا. وإذا كانت القيادة السياسية والتنفيذية للدولة ترغب فى إبراز نجاحاتها بشكل كبير، فهى ليست بحاجة إلى أساليب قديمة وبالية مر عليها الزمن، فالنجاح اليوم في مجتمع منفتح يمكن أن ترصده برصدك لطبيعة حياة الناس ومستوي رفاهيتهم، ومدي تكالبهم علي العمل والانتاج لرسم مستقبل أفضل للجميع، خاصة وأن هذا التكالب يبرهن مدي ثقتهم في الفرص المتاحة بالاقتصاد وقراءتهم لمستقبله. وإن كانت أيضا الحكومة محقة في محاولة تسويق نتائج أعمالها خاصة وأن هذه الأعمال تستهدف إصلاح بعيد المدي بتضحيات قد نتحملها جميعا في المدي القصير بما يتطلب ضرورة أن تمرر الحكومة فكرها إلي المواطن المطالب بتحمل التضحيات حتي يجني الثمار في المستقبل، خاصة وأننا نحيا في مجتمع ينظر أغلبه إلي أسفل قدميه لعدم ثقته في «المستقبل المنير» الذي لطالما تحدث عنه السابقون ولم يأت بعد!! ففجوة الثقة بين «المواطن» والدولة إرث قديم أسسه عبد الناصر حينما التف الشعب حوله وقال سننتج من الأبرة للصاروخ، ومرت العقود الطويلة ومصر تستورد الأبرة قبل الصاروخ، مرورا بدولة السادات التي رسمت سيناريوهات الصعود الاقتصادي عبر بوابة الانفتاح الذي دمر «صناعة الدولة» وباع مؤسساتها بالبخس لرجال النظام وأتباعهم، وصولا إلي دولة مبارك التي سخرت قوة الشعب في بناء سلم ليصعد عليه الأغنياء فقط. لذا ليس من الغريب أن تجد رغبة حقيقية لدي الحكومة في تسويق أعمالها وجهودها حتي تسترد ثقة المواطن، ولا أن تجد شك وحذر من المواطن نفسه في التعامل مع وعود الحكومة، فالجميع في مركب واحدة يرغبون في العبور بسلام ولكن السؤال إلي أين سنذهب وكم سنمضي من الوقت! اليوم ليس كالبارحة فكلنا ندرك أننا لا نملك رفاهية الوقت ولا احتمالات الفشل، فالمجتمع مشحون بالكثير من المشاكل التي قارب صبره علي النفاد في التأقلم معها أو تحملها إلا أنه علي الرغم من ذلك علي استعداد تام لمحاربة الواقع ومد مجال صبره أمام تحمل هذه المشكلات بشرط أن يثق فيما بعد الصبر! . فدعونا نعمل بإخلاص ونخاطب المجتمع بما هو أهل له ، ونقيم الوعود بصدق، حتي نرسخ بداخلنا معتقد «واضح» إما بقدرتنا علي التقدم، أو باستحقاقنا لما نحن عليه! . اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/oene