أعمده ومقالات نخب سياسية تتنصل من مسئولياتها بواسطة عمرو حمزاوي 29 أغسطس 2015 | 10:16 ص كتب عمرو حمزاوي 29 أغسطس 2015 | 10:16 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 ما أصعب مواجهة الأزمات الحقيقية للمجتمعات حين تتمكن من إدارة الشأن العام والسياسة إما نخب حكم شعبوية تتورط فى توظيف كراهية الآخر والخوف من الغريب والمقولات العنصرية كأدوات لاستمالة الناس والبقاء فى السلطة، أو منظومات حكم غير ديمقراطية تميت السياسة وتستتبع فعاليات المجتمع عبر القمع والتهديد الدائم بوسائله المتنوعة وتهجر المواطن صاحب الفكر والرأى الحر بعيدا عن المجال العام الذى تفرض عليه الهيستيريا ويغتال به العقل وتجرم به حرية تداول المعلومات والحقائق ويحتكر حتى الموت من قبل مروجى الرأى الواحد والصوت الواحد والمؤسسة القائدة والبطل المنقذ. اليوم، تطل بعض نخب الحكم الشعبوية بوجهها القبيح على القارة الأوروبية التى يستوطنها العدد الأكبر عالميا من الديمقراطيات المستندة إلى سيادة القانون وآليات الانتخابات الدورية وضمانات حقوق الإنسان والحريات، أو هكذا تدون دساتير الأوروبيين وقوانينهم ولوائح برلماناتهم الوطنية ووثائق حكوماتهم الائتلافية المتعاقبة. *** اليوم، تعصف الحكومة المنتخبة فى المجر بالحقوق والحريات فى حربها المعلنة ضد المجتمع المدنى وضد تداول الحقائق والمعلومات وفى مسعى رئيس وزرائها للتغول على السلطتين التشريعية والقضائية، وتضرب عرض الحائط بالضمانات الدستورية والقانونية لحقوق الإنسان وبتعهدات دولة المجر لجهة المواثيق الدولية والتوافقات فى إطار الاتحاد الأوروبى، فتقرر رفض استقبال اللاجئين الهاربين من جحيم الاستبداد والحروب الأهلية والعنف والجرائم ضد الإنسانية وتشيد الأسوار (على الحدود المجرية مع الجمهورية الصربية) وتستدعى القوات لضمان «عدم تسلل» أفراد وأسر لا ينشدون غير حماية حقهم المقدس فى الحياة، وتتنكر لقيم ومبادئ الديمقراطية بترويج كراهية الآخر والخوف من الغريب و«خطر الأجنبى» على ظروف السكان الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وبممالأة العنصرية والصمت على أعمال العنف المتصاعدة ضد اللاجئين والمهاجرين شرعيين وغير شرعيين. وفى ذات الاتجاه تركض نخب حكم شعبوية أخرى فى أوروبا تتنصل من مسئولياتها الأخلاقية والإنسانية ومن التزاماتها الدستورية والقانونية والتوافقات الأوروبية إما لكى تنزع المضمون عن الآليات الديمقراطية والانتخابية عبر التمكين لتغول السلطة التنفيذية ولضغطها المستمر على المجتمع المدنى ووسائل الإعلام الحر أو لكى تنقلب على تعهداتها بشأن قضايا جوهرية كقضية اللجوء واللاجئين برفض استقبالهم وإغلاق الحدود ومنافذها فى وجوه ضحايا الاستبداد والحروب الأهلية والعنف وبتغليف سلوكها البائس فى خطاب عنصرى أكثر بؤسا ــ على ما تمارس الحكومة السلوفاكية التى لا تريد استضافة «المسلمين»، وكأن مصائر التهجير والارتحال واللجوء بحثا عن ملاذات آمنة تتمايز فى العذابات التى تلحقها بالضحايا وفقا لهوياتهم الدينية. أما نقيض الشعبوية المقيتة التى تسقط فى غياهبها بعض الحكومات المنتخبة «ديمقراطيا» فتقدمه حكومات «السياسة المسئولة» فى دول كالسويد وهولندا وفرنسا وألمانيا. نعم قد يتورط بعض الرؤساء ورؤساء الوزراء فى هذه الدول فى الصمت على أفعال اليمين العنصرى والمتطرف وعلى نشره لمشاعر الخوف من «الأجانب» ومعاداتهم ويمتنعون عن المواجهة العلنية، نعم قد يتورط بعض السياسيين المنتخبين فى شىء من الشعبوية وفى الاختباء وراء المجتمع المدنى والنخب الفكرية والثقافية المتمسكة بقيم الديمقراطية والتعددية والتسامح وقبول الآخر وترك مهام الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين لمنظماتهم ودوائرهم وأوساطهم، نعم قد تعطل حكومات «السياسة المسئولة» تمرير القوانين اللازمة لتنظيم حياة اللاجئين والمهاجرين المتزايدة أعدادهم وقد تتنصل جزئيا من تطبيق السياسات الإنسانية واجبة النفاذ (كمطالبة تنفيذيين منتخبين فى مدن وولايات ألمانية بعدم تفعيل شرط التعليم الإلزامى على أطفال وأبناء اللاجئين والمهاجرين، على الرغم من أن النص الدستورى الصريح الذى يفرض على الحكومة الألمانية واجب الاضطلاع بتعليم كل مواطنيها والمقيمين على أراضيها). غير أن حكومات «السياسة المسئولة» سرعان ما تستعيد هويتها الحقيقية، وتتحرك لمواجهة كراهية الآخر والمقولات العنصرية ــ فتذهب المستشارة الألمانية ويذهب رئيس الجمهورية صاحب المنصب الشرفى فى زيارات تضامنية إلى أماكن إقامة بعض اللاجئين ويسجلون بوضوح رفضهم لاعتداءات العنصريين والمتطرفين، وتنشط دولاب عملها التشريعى والتنفيذى للحيلولة دون تبلور أزمة مجتمعية حادة بشأن اللجوء واللاجئين ــ تعد اليوم الحكومة الائتلافية فى ألمانيا حزمة من التشريعات الجديدة لتنظيم حياة اللاجئين والمهاجرين وحزمة من القرارات التنفيذية التى تستهدف دمجهم فى المجتمع وترحيل من لا تنطبق عليهم شروط منح الإقامة الشرعية إلى ملاذات آمنة أخرى، وتخاطب الرأى العام بواقعية ﻹعلان حتمية التمييز بين اللاجئين والمهاجرين الفارين من جحيم الاستبداد والحروب الأهلية وبين الباحثين عن العمل والتشديد على ضرورة تصعيد إجراءات حماية الحدود دون انتهاك للقانون، أيضا لكى تحد من القبول الشعبى لليمين المتطرف ــ على ما راقبت فى «بيت الورود» الذى كتبت عنه منذ أيام قليلة والذى لم يحدث به خلال تعقب الشرطة الألمانية للمهاجرين غير الشرعيين انتهاك للقانون، لكن تمزيق للكرامة الإنسانية لضحايا بائسين. *** هى، إذن، السياسة المسئولة لبعض الحكومات الديمقراطية فى أوروبا التى تقلل من وطأة التداعيات الكارثية للشعبوية المقيتة لبعض الحكومات الأخرى المنتخبة أيضا ديمقراطيا. هى، إذن، السياسة المسئولة التى تقوى على الانتصار للقيم الأخلاقية والإنسانية (بالقطع دون إطلاق التقييم أو التعميم غير الواقعى هنا) وتدفع بمجتمعاتها نحو التعامل الرشيد مع الأزمات مهما صمت بعض التنفيذيين أو تجاهلوا أو تناسوا لشىء من الوقت. أما فى منظومات الحكم غير الديمقراطية التى تميت السياسة وتستتبع المجتمعات وتمارس القمع وتهجر المواطن الحر بعيدا عن المجال العام وتغتال العقل وتجرم حرية تداول الحقائق والمعلومات وليس العكس، فلا يوجد فى جعبة المسئولين التنفيذيين، أصحاب السلطة والنفوذ، غير تجاهل الأزمات أو التعتيم عليها أو التحايل على مضامينها بنشر الأوهام أو التعاطى معها جميعا بذات النهج المستبد الذى لا يرى سوى الرأى الواحد والصوت الواحد ويخون ويعاقب كل ما يخرج عنه أو عليه باستعلاء يعصف بكل القيم الأخلاقية والإنسانية تماما كما يعصف بسيادة القانون وبضمانات الحقوق والحريات. *** الكثير من التجاهل والتعتيم والتحايل والاستعلاء يرى اليوم بجلاء فى تعاطى الحزب الشيوعى الصينى مع الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة التى يرتبها تراجع معدلات النمو السنوى إلى 7 بالمائة بعد عقود من المعدلات ذات الأرقام المزدوجة، والتى تدلل جزئيا على أن اقتصاديات السوق ودينامية القطاع الخاص والمبادرات الاستثمارية تحتاج لمناخ من حرية تداول الحقائق والمعلومات (وليس إخضاعها لأجهزة الدعاية الرسمية)، وﻷجواء من الحرية الفردية والمساواة بين المواطنين دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو الفكر والرأى، ولحرية المجتمع المدنى وسيادة قانون وعدالة معصوبة العينين إن إزاء السلطة أو النفوذ أو المال. الكثير من التجاهل والتعتيم والتحايل والاستعلاء يرى اليوم فى روسيا التى تستعيد حكومتها جميع تقاليد الاستبداد والقمع والعنف ضد الجوار الجغرافى المباشر المرتبطة بما قبل الاتحاد السوفيتى السابق وبعقود الحكم الشيوعى، وتبتكر سلطويا فى مجالات القضاء على حرية المجتمع المدنى وقمع المعارضين واحتكار المجال العام للرأى والصوت الرسميين عبر استتباع وإخضاع وسائل الإعلام أو تعقبها المتصاعد وبأدوات ووسائل مختلفة إن تمسكت بالاستقلالية والمهنية وبالحق العام فى المعرفة والتعددية. الكثير من التجاهل والتعتيم والتحايل والاستعلاء يرى اليوم فى مصر التى تفرض عليها وعلينا مصائر السلطوية القاسية وتغيب بها الهيستيريا قيمة العقل والعلم وينحر بها القمع والخوف والممالأة قيمة العدل. شعبوية مقيتة واستبداد ظن بعضنا فى الماضى القريب أن مآلهما الانزواء والموت، فإذا بالنخب ومنظومات الحكم المعتاشة عليهما تستمر على الرغم من الأزمات وتتعاون فيما بينها وتفرض فى المقابل الموات على السياسة المسئولة والعقل، وعلينا أيضا. عمرو حمزاوي | أستاذ مساعد العلوم السياسة بجامعة القاهرة وعضو سابق في مجلس الشعب درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/a944