أعمده ومقالات السيسى والمارشالات المتقاعدين بواسطة أموال الغد 29 أغسطس 2015 | 10:10 ص كتب أموال الغد 29 أغسطس 2015 | 10:10 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 كان الموقف عصيبا وكل شىء على الحافة. قبل ثلاث سنوات بالضبط صعد وزيرا للدفاع بعد إقالة المشير «محمد حسين طنطاوى». بدت التساؤلات ضاغطة على الأعصاب الملتهبة وهتافات الجماعة أمام قصر «الاتحادية» تهاجم الجيش. سألته: «لا أدرى هل أبارك لك على منصبك الجديد أم أقل كان الله فى عونك». أجاب بكلمة واحدة: «ادع لى». كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل وهو قد عاد لتوه من أول اجتماع موسع مع كبار الضباط فى نادى الجلاء العسكرى. «لم تكن معنا وأنا أرى أمامى الدموع فى عيون ١٢٠٠ ضابط». أصعب مهامه التى اعترضته أن يحفظ للجيش الجريح تماسكه ويعيد إليه انضباطه وكبرياءه بعد تجربة «المجلس العسكرى» فى الحكم التى أساءت إلى سمعته بصورة فادحة. حاول بقدر ما يستطيع إبعاد الجيش عن ميادين السياسة ورفع مستويات تدريبه وكفاءته القتالية. كان تقديره أن شعبية الجيش «سوف ترتفع إلى السماء» باللحظة التى يعود فيها إلى مهامه الطبيعية. وهو تقدير ثبت صحته. غير أن التطورات السياسية استدعت فى أقل من عام الجيش مرة أخرى إلى ميادين السياسة انحيازا إلى إرادة شعبية مؤكدة فى (٣٠) يونيو. رغم أية أخطاء سياسية يحسب له هذا الانحياز، الذى جنب البلد احترابا أهليا وفوضى واسعة. هناك فارق جوهرى بين النقد وهو شرف يستدعيه تصويب المسار فى بلد لا يحتمل إخفاقا جديدا وبين الطعن الشخصى من قيادات عسكرية سابقة ترى أنها أولى بالحكم لأنها أقدم فى الخدمة. هذه رؤية شائعة تصادر أية تطلعات لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. «السيسى» صعد إلى الرئاسة فى ظروف استثنائية صنعت شعبيته الكبيرة. ما هو استثنائى لا يصح أن يكون قاعدة. ما صعد به للرئاسة لا يتوافر لغيره من العسكريين. تحمل مسئولية الموقف فى (٣) يوليو رغم الضغوط الأمريكية عليه وأطاح بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم. لم يكن ذلك قرارا سهلا على أى نحو ولا فى أى حساب وثمنه رأسه. بذات القدر لم يكن سهلا، وهو مدير للمخابرات الحربية، أن يقترح على المشير «طنطاوى» خطة للدور الذى يمكن أن يلعبه الجيش لمنع مشروع التوريث فى حالة تنازل «حسنى مبارك» عن الرئاسة. كان تقديره أن مظاهرات غاضبة لا يمكن للأمن أن يواجهها قد تحدث فى مايو (٢٠١١) إذا ما جرى هذا السيناريو. غير أن الأحداث كان لها مسار آخر. التفكير نفسه شجاع فثمن كشفه تقديمه للمحاكمة العسكرية. فى المرتين جازف بمستقبله. هذه حقيقة يصعب إنكارها. لم يكن بوسع ثلاث قيادات عسكرية سابقة ترى أنها الأحق بالحكم تحمل مسئوليتها. لا الفريق «أحمد شفيق» قائد سلاح الطيران الأسبق فى وارد هذا التفكير. ولا الفريق «سامى عنان» رئيس الأركان الأسبق مستعد لتحمل مثل هذه المسئولية. ولا الفريق «حمدى وهيبة» الذى سبقه على المنصب نفسه مؤهل لها. الأول، كان مقربا للغاية من الرئيس الأسبق «حسنى مبارك»، وقد عمل تحت قيادته فى سلاح الطيران. أفضى الاقتراب إلى النيل منه أثناء توليه رئاسة الحكومة وتقويض صورته باعتباره نسخة جديدة للنظام الذى تهاوى. تطلع إلى رئاسة الجمهورية وحصد أصواتا فاقت كل التوقعات فى الجولة الأولى رشحته للإعادة أمام مرشح الجماعة «محمد مرسى» وقد خسرها بفارق بسيط للغاية. الأصوات التى حصدها لا تعبر عن شعبية حقيقية بقدر ما تعكس قلق قطاعات واسعة من الرأى العام من إمساك الجماعة بمقاليد السلطة. كان ترشحه الرئاسى خطأ فادحا، فقد أربك أصوات القوى المدنية إلى حد الحديث عن الاختيار بين الكوليرا والطاعون ونحت كتل انتخابية مؤثرة إلى المقاطعة. لم يكن بوسع الجماعة أن تحصد الرئاسة فى الجولة الثانية إذا كان غيره هو الطرف الآخر فيها. ولو قدر له أن يفوز بالرئاسة فإنه مشروع اضطراب يحمل الإخوان المسلمين إلى السلطة. هذه حقائق أساسية فى الصورة العامة. رغم ذلك لم يكن مستريحا لصعود «السيسى» وأفلتت عبارات أساءت إليه قبل غيره. الثانى، تولى الإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية الأولى التى انتهت إلى إخفاق ذريع. راهن على الإخوان المسلمين فى الصعود به إلى مقعد الرئاسة غير أن فرصه تقوضت باعتراض المشير «طنطاوى» على أن يترشح أحد من المجلس العسكرى. قرأ «الفاتحة» مع «مرسى» على الوفاء والإخلاص قبل إعلان الأخير رئيسا. الواقعة المثيرة جرت على مشهد من المرشد العام «محمد بديع» ورجل الجماعة القوى «خيرت الشاطر» ورئيس حزب الحرية والعدالة «سعد الكتاتنى» والفريق «عبدالعزيز سيف الدين»، قائد الدفاع الجوى، واللواء «ممدوح شاهين»، مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية، واللواء «محمود نصر»، مساعد الوزير للشئون المالية. كان ذلك فى مكتب اللواء «عبدالفتاح السيسى» بضاحية مصر الجديدة. من حق الفريق «سامى» أن يطمح لخلافة «طنطاوى» على مقعد وزير الدفاع وأن يتطلع إلى رئاسة الجمهورية، فهذه أمور إنسانية لا يصح المجادلة فيها. الاستحقاق قضية أخرى. وتتلخص مشكلته مع «السيسى» أنه قد حصد مقعدى الدفاع والرئاسة على التوالى فى غضون شهور قليلة على حساب طموحه هو وتصوره لنفسه. والثالث، لم يكن طرفا فى تجربة السنوات الخمس الأخيرة وليست له إنجازات تذكره فى التاريخ. رغم أية اعتراضات على الفريق «عنان» فقد كان طرفا فى أحداث عاصفة، له ما له وعليه ما عليه. ينظر عادة إلى الفريق «وهيبة» كمقرب من «جمال مبارك»، النجل الأصغر للرئيس الأسبق، ومرشح محتمل لوزارة الدفاع يمرر سيناريو التوريث. فى ذروة «يناير» ضغط الابن على والده لإطاحة المشير «طنطاوى» والمجىء بالفريق «وهيبة» لمنصب وزير الدفاع، غير أن الوقت كان قد مضى. بمعنى ما فهو يرى فرصته أفلتت فى اللحظات الأخيرة. فى حوار صحفى مطول مع «المصرى اليوم» تجاوز أى احترام للقارئ قبل الرئيس. نقد الرئيس طبيعى، وهو حق ديمقراطى ودستورى. أما القول «لو جلس أمامى وتناقشنا هيبصم بالعشرة إنى أجدع منه مائة مرة» فهذا انحدار بأى حوار وسوقية لا تليق بالمنصب العسكرى الرفيع الذى كان يتولاه. أساء بقسوة غير مبررة إلى رفاق سلاح سابقين شاركوه التفكير لإنشاء حزب سياسى، فكلهم انتهازيون ومتمولون شأن منتسبى الأحزاب الأخرى. هو رجل لا يتحكم فيما يقول. وهذا ينزع عنه أية أحقية فى التطلع إلى أية مناصب سياسية. هاجم تنويع مصادر السلاح، وبدا أمريكيا أكثر من الأمريكيين، أثناء زيارة الرئيس إلى موسكو ومن بين بنودها رفع مستوى التعاون العسكرى. إساءاته شملت الأستاذ «محمد حسنين هيكل» والسيد «عمرو موسى» والسفيرة «فايزة أبو النجا» دون أن يوضح أسبابه ولا حيثياته. نقد أية شخصية عامة من طبيعة أية مجتمع ديمقراطى، غير أن الشتم قضية أخرى تنزع عن صاحبها أية صدقية. الأمر نفسه تكرر مع «السيسى» فهو «رجل عادى» «عندما نقارن سجله العسكرى نجد أن الفرق شاسع مع أقرانه». مثل هذا النوع من النقد تعبير عن أزمة نفسية مستحكمة. إذا كان «السيسى رجلا عاديا» فكيف نجح فى حسم سؤال السلطة وتجاوز المعضلات المستعصية التى اعترضت صعوده. أن تؤيده أو تعارضه ليست هذه هى القضية. أما الاستخفاف فهو جهل مدقع بحقائق الأمور. أفضل ما ينسب لثورة يناير أنها نقلت رئاسة الجمهورية من المعسكرات إلى الشوارع ومن الاختيارات الشخصية إلى الإرادة العامة. وأسوأ ما جرى بعدها أن الفرصة التاريخية أهدرت على يد جماعة الإخوان المسلمين فى الانتقال إلى نظام سياسى حديث. كلام المارشالات الثلاثة تعبير صريح عن ثقافة استهلكت زمنها، فالرئاسة ليست بالأقدميات العسكرية ولا من الحقوق الحصرية للعسكريين. دور الجيش أن يحفظ الأمن القومى ويقاتل لصون سلامة بلاده لا أن يحكم أو يتصور بعض مارشالاته المتقاعدين أنهم الأحق بالرئاسة. من حق مصر أن تطوى صفحة الماضى وتتطلع إلى مستقبل آخر يتأسس على قواعد دستورية ديمقراطية لا على عُقد مستحكمة. اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/rp7n