دينا عبد الفتاح الصراع الإقليمي .. ومصالح الدولة المصرية بواسطة دينا عبد الفتاح 15 أبريل 2015 | 9:25 ص كتب دينا عبد الفتاح 15 أبريل 2015 | 9:25 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 0 يجب أن نعمل على إحداث تغيير على أرض الواقع بحسابات فكرية وثقافية ، وليس استبداله بواقع جديد يعتمد على الآلة العسكرية. الثورات فرضت علينا معادلة جديدة مفادها اننا حصلنا على دعم خليجى سخى جدا ، وفى السياسة ليس هناك حبا بلا مقابل أوقروضا حسنة لوجه الله. اختبار قدرة الاقتصاد على التعافي مرتبط ارتباط وثيق بالأوضاع السياسية الإقليمية ، حتى مع النظرة التفاؤلية التى أعقبت القمة الاقتصادية. الزيادة السكانية أصبحت فرصة أكثر منها تحدي تدفع الطلب الاستهلاكي وتوفر قوة العمل.. والصين والهند والبرازيل أفضل دليل “المستثمر الوطني” هو صاحب الأرض الذي لن يتأثر بعناوين الصحافة العالمية الرنانة التي تسيء لصورة المنطقة العربية وأمن القاهرة لايخفى على أحد التحديات الكبيرة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الحالية على كافة المستويات ، حيث أصبحت صرحاً للصراع العالمى وليس الاقليمى فقط، فى تغير واضح لخريطة العالم السياسية ، نحو توجه مريب يستهدف سكب الأمم على وجهها حتى لاتعرف طريقاً للنهوض، أو حتى محاولة أن تتفهم أو تتدبر فيما يحدث حتى تتخذ قراراً حاسماً. وفى أزمة اليمن تتوحش الأزمة وتستكمل سلسال الدم ، حيث أنها لن تنتهى بنهاية معركة أو حتى إعلان الاستسلام ، فالحروب علمتنا أن أمدها طويل ولاتنتهى بنزع السلاح خاصة إذا كان الصراع ضد طائفة الحوثيين أو غيرها من الطوائف التى خرجت علينا من رحم العشوائية والاستبداد والإحباط والفوضى التى تمر بها المنطقة منذ سنوات ، حيث تفتقد هذه الطوائف للشرعية السياسية التى يعقبها دولة مؤسسات تتخذ قراراً أو يجلس ممثليها على مائدة المفاوضات . والنتيجة دائماً واحدة فى هذه الحالات ،هو أنك لايمكنك أن تقصى أحداً من المعادلة تماماً بجرة قلم أو حتى ضربة عسكرية تأكل الأخضر واليابس ، وقراءة التاريخ تشهد بذلك ، فالصراعات وإن كانت تحتاج إلى الآلة العسكرية إلا إنها فى نفس الوقت تحتاج إلى حسابات فكرية وثقافية ، تؤهلنا للحصول على رؤية لما يمكن أن يحدث حتى نكون مستعدين من كافة النواحى الإجتماعية والإقتصادية والسياسية ، وأيضاً إحداث تغيير على أرض الواقع وليس استبداله بواقع جديد والفرق كبير بين الاتجاهين . ومن الزاوية المصرية يجب أن نتيقن أن الحسابات يجب أن تطول فى القرارات التى نتخذها ، لأن الثورات فرضت علينا معادلة جديدة مفادها أننا حصلنا على دعم خليجى سخى جداً الفترة الماضية سواء دعم نقدى أو بترولى وصل إلى نحو 23 مليار دولار وفقاً لتصريحات وزير الإستثمار أشرف سلمان بخلاف الـ 12,5 مليار دولار التي تم الإعلان عنها خلال القمة الاقتصادية ، أو حتى سياسى فى المحافل الدولية التى كانت لاتعترف بالتغير الذى حدث فى مصر مابعد 30 يونيو ، وفى السياسة لا يوجد حبا بلا مقابل أوقروضاً حسنة لوجه الله ، إنما مبادىء ثابتة مضمونها انه” لا يوجد حلفاء دائمون و لكن توجد مصالح دائمة”. المرشح الرئاسى المشير عبد الفتاح السيسى فى تصريحات له فى مايو الماضى ، قبل توليه سدة الحكم ، أكد التزام مصر بحماية الأمن القومي العربي والخليجي سريعاً إذا استدعت الحاجة ، وقال : “حينما يتعرض الأمن القومي العربي لتهديد حقيقي ونستدعى فهي مسافة السكة”، في إشارة إلى سهولة إرسال قوات مصرية إلى أي دولة ، وفى إشارة تاريخية إلى العلاقة المتشابكة والمصيرية بين مصر والخليج . وبالتالى دخول مصر فى معركة “عاصفة الحزم” ليس محض صدفة إنما اتفاقاً أُعد له سلفاً، لاعتبارات سياسية واقتصادية وليس بمنطق “الأم الكبرى” للدول العربية الذى يصدرها الإعلام دائماً ،وإنما بمنطق المصالح المشتركة وإن كانت غير معلنة ، فالصراع فى اليمن لايعدو إلا جزء من مجموعة من المسببات ، كحماية شرعية النظام اليمنى وحماية الأمن القومى المصرى فى باب المندب ، لكن الأكيد هو دحر المد الشيعى فى منطقة الخليج والتى تقف وراءه إيران ، والذى أصبح يطل برأسه الآن كسبب رئيسى للحرب وليس غيره ، حتى وغن كان كثيرون يتجاهلون عمداً او سهواً الثورة الطائفية المحيطة بالمعركة بين السنة والشيعة بعد سيطرة الأخيرة على الحكم بالعراق. كما أن أيضاً القوة العربية المتدخلة فى هذه المعركة ،لها رمزيتها المتمركزة فى بعدها السياسى أكثر من الأثر العسكرى لها بما يعنى وجود دور عربى فى الدفاع عن استقرار منطقة الخليج، وهذه الدلالات وغيرها تبشر بأن هذه الحرب ستتفاقم حجمها وستتعقد فى المستقبل، وآثارها ستكون جلية على الجميع فى وقت قريب . وهذه الآثار بالتأكيد ليست ببعيدة عن الإقتصاد المصري على المدى القصير ، فاختبار قدرة الاقتصاد على التعافي والنمو مرتبط ارتباط وثيق بالأوضاع السياسية المحلية والإقليمية ، حتى مع النظرة التفاؤلية التى أعقبت القمة الاقتصادية ، التى أقيمت في شرم الشيخ ، خاصة وأن الخليج الذى يطل عليه صراعات عديدة كان هو بطلها الأول، وخرج المؤتمر في صورة إيجابية بالإعلان عن إتفاقيات ومذكرات تفاهم بعشرات المليارات أعطت شهادة ثقة كبيرة للإقتصاد المصري أمام المستثمرين وبث روحاً إيجابية محلياً ودولياً الإ أنها فى ظل هذه الظروف لن تتحول إلى استثمارات حقيقية فى القريب العاجل . فالصراعات والحروب كفيلة بتغيير دفة الاستثمارات بعيداً عن المنطقة خاصة وإن كان متوقعاً لها بالتوسع والتمادى محلياً وإقليمياً ، كما أن لها أبلغ الأثر على مؤشرات اقتصاد يعتمد حالياً على تغيير استراتيجية الحلفاء من المعسكر الغربى إلى معسكر الشرق ، عبر الاعتماد على روسيا والصين ، وهما يعارضان بشكل أو بآخر التدخل العسكرى فى اليمن لاعتبارات المصلحة مع إيران، وأيضاً لاعتبارات استراتيجية متعلقة بالولايات المتحدة الامريكية الحليف الأول للخليج والتى تعمل الآن على ” قصقصة الريش الأخيرة باتفاقها النووى مع طهران ، ومحاولة استمالة لأخر الدول القوية فى المنطقة المحسوبة على المعسكر الشرقى . والتاريخ دائماً يكرر نفسه فالجيش المصري تدخل لردع عدوان العراق على الكويت سابقاً بعد جهود دبلوماسية حثيثة ،وأثار هذا التدخل العديد من الآثار السلبية ، تمثل فى ضياع موارد ومدخرات موجودة بالفعل بالمصارف والصناديق الكويتية وضعها المصريون العاملون بالكويت وقتها ،و كذلك الديون العراقية لمصر وباقى مستحقات المصريين بالعراق وأنخفضت إيرادات قناة السويس بحوالى 15 بالمائة وكذلك موارد السياحة والتى تشكل السياحة العربية أكثر من 50 بالمائة من أعداد السائحين، وعاد إلى مصر حوالى نصف مليون مصرى تقريباً فى وقت كانت تعانى فيه مصر من البطالة ، وتدخلت مصر في حرب اليمن عام 62 عندما كان الصراع وخسرت كثيراً من دماء المصريين . هذه المؤشرات لها دلالات واضحة تشير إلى أن النتائج يجب أن تحسب وأن تمتلك القدرة على التعامل معها، وأن تطرح سيناريوهات بديلة خاصة فى الشأن الإقتصادى على المدى القصير ، خاصة وإذا كان المشهد بهذا الشكل المعقد ، ناهيك عن حرب لاتقل ضرواة ، ضد الإرهاب المستفحل فى سيناء والذى تضربه الدولة الآن بيد من حديد. هذه الحروب الإقليمية من ناحية أخرى قد تؤدي إلى فوائد ومنها إعفاء مصر من مليارات من الدولارات التي تدين بها لدول الخليج كما حدث عقب حرب الخليج ، ومنها أيضاً عودة مصر إلى خريطة التأثير الإقليمية من جديد فى صراع تشهده المنطقة منذ مدة حول ماهية ” الرجل الأقوى” بين السعودية وتركيا ومصر ، والذى من الواضح أنه سيحسم بعد التغيرات الكبيرة التى تحدث فى المنطقة . ولكن يبقى تساؤل يطرح نفسه هو ، على ماذا يعتمد الاقتصاد المصرى فى ظل هذه الظروف ،وماهى الرهانات الناجحة التى يجب أن يتمسك بها؟، فلو رصدنا ارتفاع وتيرة العنف في سوريا وهروب المستثمرين السوريين من جحيم الحرب هناك، نجدهم قصدوا السوق المصري ليكون بديلاً مفضلاً أمامهم وعندما سألنا المستثمرين السوريين أنفسهم أجابوا أن أهم مقومات السوق المصري هي القوة البشرية الكبري القادرة علي دفع الطلب الاستهلاكي لأي صناعة من ناحية وتوفير قوة عمل كبيرة توفي باحتياجات أي صناعة من ناحية أخري فضلاً عن امتلاك السوق المصري عدداً كبيراً من اتفاقيات التحرير التجاري الثنائية ومتعددة الأطراف مع مختلف بقاع العالم. وهنا أصاب السوريون في اختيارهم ففي مصر وجدوا سوقاً يتسع لنحو 90 مليون مستهلك، واجتذبوا عمالة ماهرة في قطاعات مختلفة ينخفض متوسط أجرها الشهري عن 250 دولار شهرياً وهذا الأجر ينخفض عن أجر العامل في أوروبا وشرق أسيا خلال أسبوع واحد وهو ما أفاد المستثمر في ترشيد جانب التكلفة وإنتاج سلعة بسعر تنافسي قادرة علي مواجهة السلع الأخري المتداولة في السوق العالمي. فرهان القوة البشرية اليوم أصبح رابحاً والتجارب الإقتصادية الصاعدة تشهد بذلك فالصين أكبر الاقتصاديات الصاعدة تحوي سدس سكان العالم والهند الصاروخ الأسيوي الجديد تتسع لأكثر من مليار نسمة وكذا البرازيل المتألقة صاحبة الـ 300 مليون مواطن، فالزيادة السكانية اليوم لم تصبح بمثابة تحدي أكثر منها فرصة يجب اغتنامها في دفع الطلب الاستهلاكي وتوفير قوة العمل القادرة علي الوفاء باحتياجات أي صناعة. وضف إلي ذلك مجموعة من المقومات التي يجب أن ترسخها الدولة للمستثمر وبخاصة المستثمر المحلي “صاحب الأرض” الذي يعي الوضع الحقيقي لبلاده ولا يتأثر بالعناوين الصحفية الرنانة في المواقع والصحف العالمية عن توتر الأوضاع في المنطقة العربية واحتمال دخول القاهرة في حروب قريبة وغيرها من العناوين التي لا تعكس بصدق الوضع الداخلي للبلدان العربية المضطهدة من القوي العالمية الكبري المسيطرة علي تلك الصحف. ومن أهم هذه المقومات ضرورة صياغة استراتيجية أكثر تيسيراً لتمويل الاستثمار خاصة في فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فضلاً عن تأمين الاحتياجات المستقبلية من الطاقة للمستثمرين الذين عانوا طيلة الفترة الماضية من توقف تروس الإنتاج نتيجة غياب الوقود ، بالاضافة الى مد قنوات من الثقة بين المستثمر الوطني والجهاز الإداري للدولة الذي قيد الاستثمار علي مدار فترات طويلة مضت بداعي “القانون يحتم ذلك” و “الوزير قال كده”!! بتوافر هذه المقومات تستطيع الدولة إيقاظ همم البناء، وتهيئة المستقبل لأن يزف لنا أخباراً سارة عن مؤشرات اقتصاد في دولة أحوج ما تكون إلي التنمية وأكثر حاجة للعدالة ، فى إقليم يبدو أن أحداثه لن تهدأ فى القريب العاجل . اللينك المختصرللمقال: https://amwalalghad.com/l788