أعمده ومقالات «البنا» فى الميزان (9) بواسطة محمد حبيب 30 نوفمبر 2014 | 11:04 ص كتب محمد حبيب 30 نوفمبر 2014 | 11:04 ص النشر FacebookTwitterPinterestLinkedinWhatsappTelegramEmail 3 فى رأيى أن «البنا» جانبه الصواب حينما قال: «أعتقد أن الإسلام وهو دين الوحدة فى كل شىء، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح، والتعاون الصادق بين بنى الإنسان جميعا، فضلا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه، ولا يوافق عليه، والقرآن الكريم يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) [آل عمران: 103]».. ولعلى أُذَكِّر القارئ الكريم بما سبق أن قلناه فى مقالنا: («البنا» فى الميزان «٦»)، إن عمر التلمسانى، المرشد العام الأسبق للإخوان، هو أول من طرح فكرة إنشاء حزب على مكتب الإرشاد قبل وفاته عام 1986، وإن مجلس شورى الجماعة وافق فى جلستيه عامى 1989 و1995 على إنشاء حزب، وفوض مكتب الإرشاد فى تحديد الكيفية التى يكون عليها الحزب ومتى يتم الإعلان عنه.. فهل كانت هذه المواقف مما لا يقره الإسلام؟ بالطبع لا.. هى فى التحليل الأخير رأى سياسى، نتفق أو نختلف معه.. لقد كان التلمسانى ومجلس شورى الجماعة يعبرون عن فهمهم، وبالتالى فالاختلاف معهم ليس اختلافا مع الإسلام أو مع المقدس.. ولو أن «البنا» قال إن الإسلام ربما لا يقر، أو أظن أنه لا يقر نظام الحزبية، مازال اللبس، ذلك لأن لفظى «ربما» و«أظن» يختلفان كثيرا عن «أعتقد»، فأن يقال: اعتقد فلان الأمر، أى صدقه وعقد عليه قلبه وضميره، كما جاء فى معاجم اللغة.. إن كثيرا من الدعاة- للأسف- يقعون فى نفس الخطأ، فيقولون إن الإسلام يقر كذا ولا يقر كذا، مع أن القضية المطروحة عادة ما تكون داخل إطار الاجتهاد الذى تختلف فيه الآراء. فى رسالته التى ألقاها فى اجتماع رؤساء المناطق ومراكز الجهاد، المنعقد فى القاهرة فى 8 سبتمبر 1945، وتحت عنوان: «وصفنا»، يوصى «البنا» الإخوان بأن يقولوا للمتسائلين عنهم إنهم: دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، وطريقة صوفية نقية، وجمعية خيرية نافعة، ومؤسسة اجتماعية قائمة، وحزب سياسى نظيف.. ثم يقول: «وقد يقولون بعد هذا كله مازلتم غامضين، فأجيبوهم: لأنه ليس فى يدكم مفتاح النور الذى تبصروننا على ضوئه.. نحن الإسلام أيها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه، فافهموا الإسلام أو قولوا عنا بعد ذلك ما تريدون»! ولنا على هذا الكلام ملاحظتان، الأولى: أن «البنا» كان يستخدم فى حديثه عن الإخوان مصطلح «هيئة سياسية»، وهو هنا لأول مرة يطلق عليهم مصطلح «حزب سياسى»، وإن كان يضيف إليه كلمة «نظيف».. فأين ذلك من رفضه نظام الحزبية فى رسائله السابقة؟ وهل يعتبر ذلك تغييرا أو تطورا فى فكره، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يذكر ذلك صراحة، أم أنه يعتبر الإخوان الحزب السياسى «النظيف»، أما بقية الأحزاب الأخرى فهى ليست كذلك؟! الثانية: أن «البنا» يوصى الإخوان بأن يقولوا عن أنفسهم إنهم الإسلام(!) ومعنى هذا أن الذى يختلف مع الإخوان ولا يرى رأيهم فهو مختلف مع الإسلام.. وهذا لعمرى لم يقل به أحد، خاصة إذا كان الاختلاف حول الأصول والثوابت.. إن هناك فارقا كبيرا بين أن تقول إننى مسلم، وأن تقول إننى الإسلام.. والإسلام كما نعرف هو دين الله تعالى الذى أوصى بتعاليمه فى أصوله وشرائعه إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، وكلفه بتبليغه للناس كافة ودعوتهم إليه.. وفى مؤلفه القيّم «الإسلام عقيدة وشريعة»، يقول الشيخ محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر الأسبق: «إن العقيدة هى الجانب النظرى الذى يطلب الإيمان به أولاً وقبل كل شىء إيمانا لا يرقى إليه شك.. وأما الشريعة فهى النظم التى شرعها الله أو شرع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه فى علاقته بربه، وعلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالكون، وعلاقته بالحياة.. وقد عبر القرآن عن العقيدة بالإيمان، وعن الشريعة بالعمل الصالح.. وإن العقيدة هى الأصل الذى تبنى عليه الشريعة، والشريعة أثر تتبعه العقيدة، ومن ثم فلا وجود للشريعة فى الإسلام إلا بوجود العقيدة، كما أنه لا ازدهار للشريعة إلا فى ظل العقيدة». (وللحديث بقية)..